قبضة القوة الناعمة الأوروبية ترتخي مع ضغط طهران وتصعيد واشنطن

برلين- ديفيد ريزينغ- أرسلت فرنسا الثلاثاء دبلوماسيا رفيع المستوى إلى طهران للقاء مسؤول إيراني في محاولة لإنقاذ الاتفاق النووي عبر حث إيران على تقليص أنشطتها المتزايدة لتخصيب اليورانيوم، لكن لا يبدو أن قبضة القوى الناعمة الأوروبية مازالت قادرة على ممارسة الضغط.
بالإضافة إلى روسيا والصين، قالت أطراف الاتفاق النووي الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) إنها تعتزم عقد اجتماع بين الموقعين وسط “قلق عميق من أن إيران لا تفي بالعديد من التزاماتها”. وشددت البلدان على ضرورة عقد اجتماع طارئ للنظر في قضية امتثال إيران لخطة العمل الشاملة، لكنها لم تحدد تاريخا لذلك بعد.
وقالت في بيان “صرحت إيران بأنها لا تريد التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة. ويجب أن تعمل وفقا لذلك عبر العدول عن هذه الأنشطة والعودة إلى الامتثال الكامل للبرنامج المحدد دون تأخير لتفادي كل الإجراءات التي تجعل التزاماتها النووية موضع شك”.
من جهة، تتعرض أوروبا لضغوط من الولايات المتحدة التي تدعوها إلى التخلي عن الاتفاق كما فعلت واشنطن خلال السنة الماضية. من جهة أخرى، تضغط إيران على هذه الدول وتهددها لتعوّض الخسائر التي تكبدتها البلاد مع استمرار للعقوبات الاقتصادية الأميركية.
أعربت كل من الصين وروسيا عن أسفهما إزاء التحركات الإيرانية، لكنهما أشارتا إلى أن الولايات المتحدة هي التي دفعت إيران إلى طريق مسدود
أدت هذه الضغوطات المجتمعة إلى تضييق نهج القوة الناعمة الأوروبي في وقت يزداد فيه التوتر في الشرق الأوسط. وقال المحلل السياسي في الشؤون الإيرانية، ورئيس مركز كاربو في ألمانيا، عدنان طباطبائي، “سيجد الأوروبيون صعوبة في الحفاظ على مصداقية موقفهم مع إيران ومع واشنطن، إذ يجب عليهم عدم التساهل مع طهران دون تجاهلها”.
وأضافت الباحثة في معهد شاتام هاوس في لندن، سانام فاكيل، أن أوروبا تسير على “خط رفيع”، حيث تحاول تجنّب أي عامل من شأنه تصعيد الوضع أثناء سعيها إلى التوصل إلى حل بين طهران وواشنطن. ويقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية الثلاث في جهودها الرامية إلى التخفيف من حدة التوترات.
وتابعت فاكيل “تستطيع هذه الدول بدء المحادثات الدبلوماسية. ويمكن أن تقنع إيران بالعدول عن قرارها ومنع أي تجاوزات أخرى، كما يمكن لها أن تشرف على المحادثات بين واشنطن وطهران. وقد لا يحدث شيء رغم هذه الجهود، لكن هذه الدول ستنجح في المماطلة”. وأرسل ماكرون كبير مستشاريه الدبلوماسيين، إيمانويل بون، ليلتقي برئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وفقا لوكالة “تسنيم” شبه الرسمية للأنباء.
وقال مسؤول فرنسي إن بون يأمل في أن تظهر له إيران جديتها في مسألة البقاء في الصفقة. وقال المسؤول الذي لم يسمح له بالتحدث علنا عن المسألة، إن الفكرة قائمة على تفضيل الحوار على التصعيد الذي يمكن أن ينفجر في وجوه أطراف النزاع، ويتمثّل هدف البلدان الأوروبية الأساسي في تجنّب الحرب.
وتعدّ رحلة بون إلى طهران الثانية بعد أن زارها ليوم واحد في يونيو. وقالت فاكيل إن ماكرون يقود الدول الأوروبية الثلاث لأن المملكة المتحدة تمر بفترة انتقالية سياسية ولتقلّص دور ألمانيا.
وأرسلت الولايات المتحدة قواتها العسكرية مع حاملة طائرات وقاذفات من طراز “بي 52” وطائرات مقاتلة متطورة إلى الشرق الأوسط. وتأججت المخاوف من اندلاع صراع أوسع بعد هجمات على ناقلات نفط اتّهمت إيران بالوقوف وراءها، وهجمات المتمردين المدعومين من طهران في اليمن على المملكة العربية السعودية، وإسقاط طائرة عسكرية أميركية دون طيار.
أوروبا تتعرض من جهة لضغوط واشنطن للتخلي عن الاتفاق. ومن جهة أخرى تضغط عليها إيران لتعوض الخسائر التي تكبدتها بسبب العقوبات
ويُنظر إلى تحركات إيران الأخيرة، التي تدعي أنها مشروعة إثر الانسحاب الأميركي، على أنها وسيلة لإجبار الآخرين على مواجهة العقوبات علنا. قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إن رد فعل إيران “على قرار سيء كان سيئا”، في إشارة إلى الانسحاب الأميركي. وقال إن ماكرون كان يحاول خلق “مساحة للحوار”. وأضاف أن الأميركيين مازالوا قادرين على اتخاذ إجراءات “ضمن سياسة الترضية اللازمة لفتح مجال للنقاش وتجنّب أي تصعيد لا يمكن السيطرة عليه”.
وأعربت كل من الصين وروسيا عن أسفهما إزاء التحركات الإيرانية، لكنهما أشارتا إلى أن الولايات المتحدة هي التي دفعت إيران إلى طريق مسدود. في الفترة الأخيرة، أعطت إيران الأوروبيين مهلة 60 يوما لتمكينها من مواصلة عملياتها التجارية النفطية. وحذّرت الدول بأنها سترفع من تخصيب اليورانيوم. لكن أطراف الاتفاق لم يتمكّنوا من الوصول إلى ما طلبته طهران منهم، فحددت البلاد 60 يوما إضافية، وقالت إنها “ستواصل خفض التزاماتها” بالصفقة النووية.
لمّح أحد المسؤولين الإيرانيين في مقابلة تلفزيونية أذيعت الاثنين إلى أن إيران قد تفكر في الوصول إلى نسبة 20 بالمئة من التخصيب أو أعلى إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وذكّر بأن البلاد لم تحصل على ما تريده من أوروبا.
وتتطلب صناعة الأسلحة النووية تخصيب اليورانيوم بدرجة 90 بالمئة أو أكثر. ويشعر الخبراء بقلق من هذا التصريح الذي قد يعني الارتفاع التدريجي نحو هذه النسبة. ويخطط مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة لعقد اجتماع الأربعاء في فيينا، وذلك استجابة إلى طلب الولايات المتحدة لمناقشة التطورات.