صديق يوسف: المعارضة تتمسك بنظام برلماني لإدارة الفترة الانتقالية في السودان

صديق يوسف: المخاوف من اندلاع خلافات بين مكونات الحرية والتغيير في إدارة المرحلة الانتقالية ليست واردة، وسط استمرار تماسك الكتل السياسية داخل التحالف.
الخميس 2019/07/04
لا للسماح بسلطة دكتاتورية جديدة في السودان

القاهرة- يعوّل تحالف إعلان الحرية والتغيير في السودان على سلاح الشارع في مواجهة تعثّر الحلول السياسية وعدم قدرتها على فرض رؤيتها الخاصة بإدارة الفترة الانتقالية حتى الآن، ما يجعل أوضاع التحالف الذي يضم في عضويته مكوّنات سياسية مختلفة أيديولوجيا أفضل حالا في أعقاب الاستجابة للمشاركة في تظاهرات 30 يونيو، بعد أن أصيب بشروخ سياسية عدة نتيجة تباين المواقف من التصعيد الحاد ضد المجلس العسكري الانتقالي.

وأكد صديق يوسف، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني والقيادي في قوى الحرية والتغيير في حواره مع “العرب”، عبر الهاتف من الخرطوم، أن الرهان على الشارع لا يزال السلاح القوي الذي تستخدمه المعارضة في التعامل مع المجلس العسكري، ما يتطلّب المزيد من الجهود على أرض الواقع لمخاطبة الفئات المختلفة وإقناعهم بأهمية استمرار الحالة الثورية، التي تضمن تأييد المجتمع الدولي، حيث يحدد موقعه من الطرفين على أساس مدى الفعالية في المعادلة السياسية.

وأضاف صديق أن مهمة الحرية والتغيير تجاه التفاعل المباشر سهلة إلى حد كبير، بعد تأكيد المظاهرات الأخيرة أن الشارع السوداني سبق القوى السياسية والمجلس العسكري إلى رفع سقف المطالب خلال المسيرات، التي ارتكزت على إبعاد المجلس العسكري بشكل كلي عن ميدان السياسية خلال الفترة الانتقالية.

وأشار إلى أن استجابة المواطنين ومواقفهم تجاه المجلس العسكري تساند قوى المعارضة الرافضة تقديم تنازلات ما لم تكن هناك ضمانات حقيقية بإتاحة الأجواء العامة لتسيير المرحلة الانتقالية، وعلى رأسها ضمان الحريات العامة وتشكيل لجنة تحقيق دولية في إراقة دماء المحتجين خلال عملية فض الاعتصام، مع الإسراع في تشكيل حكومة مدنية.

وأوضح أن هناك مؤتمرات عدة سيجري الإعلان عنها قريبا لدخول جميع المكونات السياسية المؤيدة للثورة في نقاشات سرية بشأن الاتفاق على دستور البلاد الدائم، والوصول إلى حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية، والتوافق على برنامج طويل الأمد يضمن الحريات الأساسية والتنمية المستدامة.

صقر الحرية والتغيير

 صديق يوسف: خلافات المواقف لن تؤثر على بنية الحرية والتغيير الأساسية
 صديق يوسف: خلافات المواقف لن تؤثر على بنية الحرية والتغيير الأساسية

يعتبر صديق يوسف، صاحب الـ88 عاما، أحد أبرز المؤيدين لاستمرار التصعيد داخل تحالف الحرية والتغيير. ويبدو في مقدمة ما يعرف بتيار الصقور في التحالف. ودخل في صدامات سياسية عدة مع حزب الأمة القومي، وهو دائم التأكيد على أن تسليم السلطة أمر لا يقبل المراوغة ويستعيد تاريخه النضالي ضد الدكتاتوريات السابقة بالسودان في كل موقف يتخذه التحالف من المجلس العسكري الانتقالي.

يظهر ذلك الهاجس بشدة في تأكيده على عدم السماح بوجود سلطة دكتاتورية جديدة في السودان بعد عزل عمر حسن البشير. ويرفض الدخول في مفاوضات مباشرة مع القيادة العسكرية في الوقت الراهن، لحين تنفيذ بنود التفاهمات التي جرى التوصل إليها قبل عملية فض الاعتصام في 3 يونيو الماضي.

وقال يوسف إن تغير موقف المجلس العسكري من تسليم السلطة هو الدافع الوحيد للدخول في مفاوضات مباشرة معه، وبالتالي فإن الإعلان عن خطة التصعيد يعد خطوة جديدة نحو الضغط عليه استغلالا للحالة التي ظهرت في 30 يونيو، وفي كل جولة مظاهرات سيكون المطلب الأساسي والوحيد هو نقل السلطة بشكل سلس إلى حكومة مدنية.

وأعلن تحالف الحرية والتغيير عن تسيير مظاهرات في عدد من المدن السودانية تحت اسم “أربعينية المجزرة وتسليم السلطة للمدنيين” السبت المقبل، يعقبها عصيان مدني شامل بجانب ما وصف بـ”الإضراب السياسي”، يوم الأحد المقبل، وذلك في إطار ما يسمى بـ”الموجة الرابعة للتصعيد الثوري”.

وكشف السياسي السوداني عن تقديم المجلس العسكري مقترحا لدى الوسيط الإثيوبي بأن يتم تخفيض الفترة الانتقالية إلى عامين مع رئاسته للمجلس السيادي على أن يتشكل أعضاؤه من قيادات الحرية والتغيير، كخطوة أولى للدخول في مفاوضات مباشرة، غير أن هذا الأمر كان مثار رفض إجماع المشاركين في التحالف الذين جددوا مطلب تسليم السلطة.

وكان السفير محمود درير، رئيس وفد الوساطة الإثيوبي، أكد من الخرطوم الثلاثاء الماضي، أن الجانبين رفضا هيكل المجلس السيادي الذي من المقرر أن يقود البلاد، ونقطة الخلاف الرئيسية تدور حول تشكيل الهيئة التي ستتولى قيادة العملية الانتقالية.

وأوضح يوسف أن المعارضة تتفق على أن يكون نظام الحكم في السودان خلال المرحلة الانتقالية برلمانيا، وتكون سلطة مجلس السيادة رمزية بالأساس، ولا تتدخل في إدارة البلاد، سواء من الجانب التشريعي الذي سيتولاه البرلمان، أو من الجانب التنفيذي الذي سيكون من اختصاص الحكومة المدنية التي يشكلها الحرية والتغيير كما جرى التوافق سابقا، وليس المجلس العسكري بحسب رغبته الحالية.

وأشار إلى أن تحالف الحرية والتغيير ينفتح على الشراكة البرلمانية مع جميع المكونات السياسية، وعلى رأسها جميع النقابات والمكونات المهنية ومجموعات الشباب وحاملي السلاح من النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور، لكن في الوقت ذاته رفض التعاون مع أي قوى كانت على رأس النظام السابق أو تحالفت معه بشكل مباشر.

وذكر أن المخاوف من اندلاع خلافات بين مكونات الحرية والتغيير في إدارة المرحلة الانتقالية ليست واردة، وسط استمرار تماسك الكتل السياسية داخل التحالف، وفي ظل اختلاف وجهات النظر بشأن إدارة الأزمة، وظهر ذلك خلال مظاهرات 30 يونيو التي شاركت في تنظيمها قيادات الأحزاب، بل إن قواعدها -وعلى رأسها حزب الأمة القومي- كانت حاضرة بقوة في أوساط المتظاهرين.

ونشبت خلافات ظاهرة بين مكونات الحرية والتغيير خلال الفترة الماضية، بعد أن أظهر الصادق المهدي زعيم حزب الأمة الذي يتزعم تحالف “نداء قوى السودان” موقفا أكثر ليونة لتسيير عجلة المفاوضات وعدم السماح بالوصول إلى نقطة اللاعودة في العلاقة مع المجلس العسكري، لكن الحزب الشيوعي أصر على التصعيد ما أحدث فجوة قد تنعكس أصداؤها على إدارة المعارضة للفترة المقبلة.

برنامج شامل للتغيير

لا لوجود سلطة عسكرية على سدة الحكم في السودان
لا لوجود سلطة عسكرية على سدة الحكم في السودان

شدد صديق يوسف على أن خلافات المواقف لن تؤثر على بنية الحرية والتغيير الأساسية، ولا توجد قوى تسعى للانفصال أو الاستقالة في الوقت الحالي، وثمة برنامج متفق عليه من الجميع يشمل إدخال تعديلات على الدستور، فضلا عن تعديلات قانونية تتعلق بالحريات العامة والقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

وكشف عن وجود ثلاثة أهداف تعمل قيادات الحرية والتغيير على التعامل معها بشكل سريع خلال المرحلة الانتقالية، وهي ملفات “المياه والصحة والتعليم”، وفي كل ملف هناك برنامج تفصيلي تقوم الجهات التي تتواصل مع المجتمع الدولي بترويجها في الوقت الحالي للحصول على الدعم اللازم حال الإقدام على تنفيذها.

ونوه يوسف إلى أن الموقف الدولي غير مؤيد لوجود سلطة عسكرية على سدة الحكم في السودان، وهو ما يدعم المعارضة في أوجه عدة، أهمها مساندة مواقف المعارضة التفاوضية، ودعم قدرتها كقوى مدنية على إعفاء السودان من ديونه الخارجية، وهي العائق الأساسي أمام أي حكومة حائزة على ثقة المجتمع الدولي.

وبحسب آخر إحصاء رسمي سوداني، بلغ حجم دين السودان الخارجي نحو 58 مليار دولار، بينما يتراوح أصل الدين من 17 إلى 18 مليار دولار فقط، والباقي فوائد وجزاءات أصبحت تساوي أكثر من ضعف المبلغ الأصلي نفسه، وبدأ تراكم ديون السودان الخارجية منذ عام 1958.

ووعدت كل من السعودية والإمارات بتقديم مساعدات قيمتها 3 مليارات دولار، عقب عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل الماضي، كي تتمكن الإدارة الجديدة في السودان من مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.

وأكد صديق يوسف أن الإصرار على وجود لجان تحقيق دولية في الجرائم التي ارتكبت قبل الثورة وبعدها يرتبط بمستقبل الحكم في السودان، والذي من المفترض أن يحوز ثقة المنظمات الدولية التي تلح في مطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة إلى المدنيين، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي.

وتوقف عند مقترح طرحته الوساطة الإثيوبية يرتبط بتشكيل لجنة من مجلس حقوق الإنسان بالاتحاد الأفريقي للتحقيق في عملية فض الاعتصام، وعملية استهداف المدنيين في المظاهرات السابقة، لتبيان المتسبب الحقيقي فيها، سواء أكان ذلك من المتظاهرين -مثلما أشار إلى ذلك المجلس العسكري- أم كان من قوات تابعة له “مثلما نقتنع نحن (في إشارة إلى قوات الدعم السريع)”، والموافقة على تشكيل اللجنة تنهي “الهواجس بيننا وبين القادة العسكريين”.

ولفت يوسف النظر إلى دور مواز قام به الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الماضية، قد تكون له تبعات في المستقبل، فهناك اجتماعات جرت بين قيادات في تجمع المهنيين (القوة الرئيسية في تحالف الحرية والتغيير) مع مندوبين عن الاتحاد في أفريقيا بطلب من سفارة إحدى الدول العربية، وتضمنت اللقاءات محاولة إقناع المعارضة بالتنازل عن بعض المطالب، على رأسها القبول بمشاركة جميع المكونات السياسية في الحكومة، وهو ما كان مثار رفض غالبية قوى الثورة.

7