إثيوبيا في منعطف وظرف حرجين

أديس أبابا – شهد العام الماضي عملية تحول تاريخية في إثيوبيا مع قدوم رئيس الوزراء الشاب آبي أحمد. بعد توليه منصبه في أبريل 2018، بدأ آبي أحمد وحلفاؤه السياسيون بعمل إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تهدف إلى تحرير البلاد من نظامها الاستبدادي السابق.
بعد سنوات طويلة من الصراعات والأزمات والاستبداد، قلق البعض من سرعة دوران عجلة التغيير التي يقودها آبي أحمد، وعبروا عن خشيتهم من أن تكون هذه الدفعة متسرعة، فيما بدا شق آخر متحمسا ومؤيدا لهذه السرعة خاصة بعد الانقلاب الفاشل الذي حدث مؤخرا في ولاية أمهرة.
وقتل مسلحون السبت مسؤولين كبيرين بالجيش في أديس أبابا وثلاثة مسؤولين بارزين في بحر دار عاصمة ولاية أمهرة في ما وصفته الحكومة بأنه انقلاب فاشل بالولاية. وسقط عشرات آخرون قتلى في بحر دار في قتال أعقب ذلك حين هاجمت ميليشيا مقر شرطة المنطقة ومقر الحزب الحاكم ومكتب رئيس الولاية.
ويقول الباحث والخبير بالشؤون الإثيوبية بمنظمة هيومن رايتس ووتش، فيليكس هورن “بعد سلسلة من الاغتيالات التي طالت عددا من المسؤولين المهمين رفيعي المستوى في إثيوبيا، لم تتعد البلاد مرحلة الخطر بعد”.
حاول آبي تحسين الأوضاع مع عدد من الإصلاحات الإيجابية. أفرج عن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، وأدخل إصلاحات تحد من قمعية بعض القوانين بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب في إثيوبيا، كما رحب بالجماعات المعارضة المحظورة في إثيوبيا وفتح أبواب البلاد أمامها، أين أصبحت الآن تعمل بحرية نسبية، ورفع القيود على وسائل الإعلام المستقلة، وألغى حجب بعض المواقع الإلكترونية وعمل على تحقيق السلام مع إريتريا المجاورة.
وكجزء من مساعيه لتحرير إثيوبيا، وعد آبي أحمد بأن تكون الانتخابات العامة المقبلة في البلاد (مقرر إجراؤها عام 2020) حرة ونزيهة، بعد سنوات من سيطرة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية على العملية السياسية في البلاد.
الانقلاب الفاشل في أمهرة يشهد على حقيقة أنه مع انهيار النظام السياسي القديم لإثيوبيا ستكون هناك معركة لملء الفراغ بالمصالح العرقية
وفي حين أن هذا التعهد حظي بالثناء الدولي، إلا أنه أدى إلى المزيد من حالة عدم اليقين وسط المناخ السياسي سريع التطور في البلاد. ومع ذلك، هناك علامات على أن الانتخابات قد تتأخر بسبب عدم الاستقرار والصراع الدامي في العديد من المناطق.
وعلى الرغم من أن الدوافع الإجمالية للنزاع الشامل أقل حدة مما كانت عليه في الماضي، يقول الخبراء إن طريق الإصلاح مازال طويلا ليبعث على الاطمئنان، حيث تزامن تخفيف الدولة من قبضتها مع تصاعد في أعمال العنف العرقي وانتشار الفوضى.
وانتشرت خطابات الكراهية على شبكات التواصل الاجتماعي، واشتبكت مجموعات ذات رؤى متناقضة بشكل واضح في شوارع العاصمة أديس أبابا.
ويشكل تصاعد الصراع العرقي تهديدا سياسيا كبيرا لآبي وحلفائه. حيث عانت شرعية حزب آبي، وهي المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو الديمقراطي، إضافة إلى فصيل أمهرة في الائتلاف، وهو حزب أمهرة الديمقراطي (الذي يحصل آبي من خلاله على الكثير من الدعم)، بشكل كبير في مناطق كل منهما بسبب ارتباطهما الجوهري بالنظام القديم، حيث أن كلا الحزبين عضو في تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية.
ويؤكد هورن، في حوار مع مجلة فروين بوليسي يرصد تطورات الوضع في إثيوبيا، أن البلاد تمتعت تحت قيادة آبي أحمد بعدد من الإصلاحات الإيجابية في مجال حقوق الإنسان، لكن، يمثّل انهيار الأمن في أنحاء واسعة من البلاد إحدى القضايا التي تشغل الرأي العام، خاصة بعد أن خرجت بعض الجهات الفاعلة التي لا تدعم النظام لتضع بصماتها في البلاد.
ولا تنفصل عملية الانقلاب في أمهرة وحيثياتها عن هذا السياق. ويوضح هورن ذلك مشيرا إلى أن ديناميكيات أمهرة تعد مثيرة للاهتمام، فهي تحتضن الحزب الحاكم، حزب أمهرة الديمقراطي الذي يمثّل جزءا من الائتلاف الحاكم، والذي يرتبط بآبي. وفي نفس الوقت، ارتفعت النزعة القومية في المقاطعة وتجلّت خلال العامين الأخيرين.

ويعتقد الكثير من المتابعين أن تعيين الجنرال أسامينو تسيجي في أمهرة كان لإرضاء القوميين الصاعدين، وكجزء من الجهود لتحسين صورة حزب أمهرة الديمقراطي حتى يجذب نخبة أوسع من المؤيدين. وكان تسيجي أحد الأفراد الذين خططوا لمحاولة الانقلاب المزعومة سنة 2009. وأطلق سراحه ضمن عدد من السجناء السياسيين سنة 2018، ثم عيّن رئيسا لجهاز الأمن الإقليمي في أمهرة بعد فترة قصيرة.
وعلى مدى الشهرين الماضيين، أشار تسيجي إلى حاجة سكان المقاطعة إلى تسليح أنفسهم لأنهم يواجهون الكثير من التهديدات. وانتشرت المشاعر السلبية تجاه الحكومة. وكان الجنرال يحث المدنيين على الانضمام إلى الميليشيات المحلية. وكانت خطاباته مناهضة لجبهة تحرير شعب تيغراي المنتشرة في المناطق المجاورة لمقاطعته. كما كان على خلاف مع حزب أمهرة الديمقراطي ومع أجندة آبي الإصلاحية.
ويشير خبراء في مركز ستراتفور للأبحاث الأمنية والإستراتيجية إلى أن أحدث الأدلة التي أعقبت محاولة الانقلاب تشير إلى تورّط الفصائل العرقية المتطرفة، والذين ألقوا باللوم على الحكومة المحلية لتجاهل المصالح الإقليمية.
ومن أجل تعقيد الأمور، حصلت هذه العناصر على دعم من عدة أجزاء من المنطقة. وبالتالي، فمن المحتمل أنهم يعتقدون أنه بمجرد استيلائهم على المنطقة، سيكونون في وضع قوي لإقناع الحكومة بتبني سياسات أكثر ملاءمة لمصالح أمهرة المتشددة.
لكن، بغض النظر عن السبب المباشر، يقول خبراء ستراتفور إن الانقلاب الفاشل في منطقة أمهرة يشهد على حقيقة ناشئة أكبر: وهي أنه مع انهيار النظام السياسي القديم لإثيوبيا، ستكون هناك معركة لملء الفراغ بالمصالح العرقية.