حملة أردوغان لشيطنة الإعلام: بلومبيرغ عدونا الجديد

الإدعاء التركي يرفع دعاوى قضائية ضد صحافيين ومعلقين على مواقع التواصل بتهمة تقويض الاستقرار الاقتصادي لتركيا.
السبت 2019/06/15
صديق الأمس عدو اليوم

مع استمرار أزمة الاقتصاد التركي التي لا تبدو نهايتها واضحة في الأفق، تضيق السلطات التركية ذرعا بكل تقرير أو مقال أو حتى تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى واقع انهيار الليرة التركية وتراجعها، وهذه المرة تطال الملاحقة القانونية مراسلي وكالة بلومبيرغ وقافلة من الصحافيين والكتاب بسبب مقال اقتصادي عن تركيا العام الماضي.

إسطنبول – يحيل الحديث عن الواقع الاقتصادي في تركيا وانهيار الليرة مباشرة إلى سياسات الحكومة وإجراءاتها لمعالجة التدهور الاقتصادي، ما يمكن ترجمته إلى خطوط حمراء ممنوع التطرق إليها في الصحافة والإعلام، فعيون السلطان لا تنام وتلتقط كل إشارة تلمـح بانتقاده في الإعلام المحلي أو الأجنبي، حتى لو انقضت مدة زمنية على نشر هذه المواد الصحافية.

وطلب مدع تركي عقوبة السجن خمس سنوات لصحافيين يعملان مع وكالة بلومبيرغ في تركيا وذلك لنشرهما مقالا في 2018 عن انهيار الليرة التركية في خضم الأزمة الاقتصادية في البلاد، بحسب ما أفادت الوكالة الأميركية.

وقالت وكالة بلومبيرغ في وقت متأخر الخميس، إن كريم كاراكايا وفيركان يالينكيتش قد اتُهما بمحاولة تقويض الاستقرار الاقتصادي لتركيا بسبب قصة كتباها في أغسطس 2018.

وتأتي هذه الاتهامات بعد أن اشتكت هيئة تنظيم البنوك في تركيا، من تقرير بلومبيرغ في أغسطس 2018 حول أزمة العملة وسط توترات مع الولايات المتحدة.

وتجاوزت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في منعها حدود المقالات والتقارير الصحافية، لتطال المعلقين أيضا على الأخبار في حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وذكرت وسائل الإعلام التركية أن 50 آخرين، بينهم صحافيون وكتاب عمود، وجهت إليهم اتهامات بالتعليق على أزمة العملة على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان من بين هؤلاء الاقتصادي مصطفى سونميز، والكاتب والمذيع مردان يانارداي والصحافي سيدفاباس يرمشوسلو. وواجه العديد من المشتبه بهم محاكمات وعقوبات بالسجن في قضايا أخرى، مما دفع إلى التساؤل عن مدى خطورة الوضع الاقتصادي الراهن والتي تسببت بهذه الإجراءات بالغة التشديد والتعسف ضد كل من “تسول له نفسه” الحديث عن تدهور الليرة التركية.

وقالت وكالة بلومبيرغ للأنباء، ومقرها الولايات المتحدة، إن المدعين العامين الأتراك يسعون إلى فرض عقوبة السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات لاثنين من مراسليها في إسطنبول بسبب تقريرهما حول أزمة العملة في العام الماضي.

وأفاد جون مايكلثوايت رئيس تحرير بلومبيرغ “ندين الاتهام بحق صحافيينا اللذين كانت تغطيتهما الإخبارية منصفة وأمينة. ونحن نقف معهما وندعمهما في هذه المحنة”.

جون مايكلثوايت: ندين الاتهام بحق صحافيينا اللذين كانت تغطيتهما الإخبارية منصفة وأمينة ونحن نقف معهما وندعمهما في هذه المحنة
جون مايكلثوايت: ندين الاتهام بحق صحافيينا اللذين كانت تغطيتهما الإخبارية منصفة وأمينة ونحن نقف معهما وندعمهما في هذه المحنة

وقال ممثلو الإدعاء إن المقال الذي قال إن بعض فروع البنوك يعاني من انخفاض في العملة الأجنبية، وإن البنوك طلبت من منظمة الصناعة دراسة تأثير الصدمات المالية، كانت محاولة لزعزعة استقرار المؤسسات والنظام المالي ككل. وقالوا إن نشر المعلومات كان أيضا جناية.

ومن المقرر أن تبدأ محاكمة الصحافيين في 20 سبتمبر، بحسب بلومبيرغ.

وكان الرئيس التركي رجب أردوغان انتقد بشدة في أبريل 2019 وسائل الإعلام الغربية التي اتهمها بتضخيم الصعوبات الاقتصادية لتركيا، مشيرا خصوصا إلى مقال نشرته فايننشال تايمز حول البنك المركزي التركي، فيما تراقب الرئاسة التركية التقارير الإخبارية الدولية التي تتحدث عن الاقتصاد التركي وتصنفها ضمن إطار المؤامرة الخارجية على البلاد.

وانتقدت رئاسة الشؤون الاستراتيجية والميزانية في الرئاسة التركية، شبكة دويتشه فيله الألمانية، نهاية مايو الماضي، معتبرة أنها تعمل على تشويه صورة الاقتصاد التركي بشكل متعمد عبر تغطياتها الإخبارية.

وعلقت الرئاسة في بيان على خبر نشرته دويتشه فيله باللغة التركية، بعنوان “نقد حزمة التمويل التي قادها ألبيرق، خاطئ وغير ملائم”.

وقالت إنه بالنظر إلى فحوى الخبر، يتضح أن الخبر أعد لخلق رأي عام سلبي حول الحزمة المذكورة، وزعمت أن الشبكة تعمل على تشويه سمعة اقتصاد البلاد بصورة متعمدة.

وتابع البيان إلى أن هذا الخبر أعد على الطاولة كجزء من الحملة التي تستهدف اقتصاد تركيا، وسياساتها الاقتصادية، لخلق تصورات سلبية حولها، مؤكداً أن مثل هذه الأخبار وطريقة إعدادها خاطئة.

واستهلت السلطات التركية العام الحالي، بملاحقة سليم كيرفانسي رئيس فرع مجموعة إتش.أس.بي.سي هولدنغ المصرفية البريطانية في تركيا بتهمة إهانة الرئيس التركي، بسبب إعادة نشر فيديو على موقع تويتر أثناء الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد حكم أردوغان منذ خمس سنوات.

وكان هذا الفيديو مقتبس من الفيلم الألماني “السقوط” الذي عرض عام 2004 ويحكي قصة الأيام الأخيرة من حكم الزعيم النازي في ألمانيا أدولف هتلر في أواخر الحرب العالمية الثانية.

وتعد تهمة إهانة أردوغان من التهم الخطيرة التي تودي بصاحبها إلى المحاكمة والسجن، وطالت العديد من الشخصيات العاملة سواء في الصحافة أو الإعلام أو الميادين الأخرى.

ومن الذين واجهوا هذه التهمة الصحافي التركي البارز فاتح بولات رئيس تحرير صحيفة أفرنسال، الذي رفعت في حقه دعوى بتهمة إهانة الرئيس بسبب تساؤل ورد في مقال له بعنوان “ماذا يقول أنصار أردوغان بشأن هذه الادعاءات المتعلقة بأسرته؟”. وتطرق الصحافي في مقاله إلى العلاقة المشبوهة التي تربط أسرة أردوغان برجل الأعمال الأذري، مبارز مانسيموف، وشراكتهم في ناقلة نفط بمليون دولار، مستندًا في معلوماته إلى تقرير للصحافي البريطاني، كريغ شاو، نشره العام الماضي، وذكر فيه أن “وثائق بنما” تكشف عن تلك التفاصيل.

ويمر الاقتصاد التركي بظرف صعب حيث شهد في 2019 أول ركود له منذ عشر سنوات. وانزلق إلى أول ركود له منذ عقد من الزمان بعد أن عصفت أزمة العملة العام الماضي بالليرة التركية، تاركة المستثمرين الأجانب قلقين بشأن سياسات الحكومة لإدارة النمو والتضخم.

وهبطت الليرة التركية إلى مستوى قياسي بلغ 7.2 للدولار في أغسطس الماضي، لتفقد 28 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، حيث باع الأتراك والأجانب العملة خلال أزمة سياسية مع الولايات المتحدة بسبب المخاوف من عدم الاستقرار الاقتصادي. ثم انخفضت 10 بالمئة مرة أخرى منذ 31 ديسمبر.

وهذا الأسبوع حذرت وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني، من أن أي عقوبات أميركية على تركيا سيكون لها “تأثير كبير” على الثقة في الليرة التركية التي تراجعت منذ أواخر مارس، لأسباب منها الخلاف مع واشنطن بشأن منظومة صواريخ أس-400 الدفاعية الروسية.

وتساءل متابعون أن حملة القمع ضد الصحافيين والكتاب وتقييد وسائل الإعلام، هل ستلغي تأثير تدهور الوضع الاقتصادي على المواطن التركي، وتمنعه من الشعور بغلاء الأسعار والتضخم في البلاد.

وتندد منظمات تُعنى بالدفاع عن حرية الصحافة بانتظام بحملات الاعتقال التي تطال الصحافيين، وبإقفال وسائل إعلام منذ الانقلاب الفاشل في 2016.

وتحتل تركيا المرتبة 157 من أصل 180 في ترتيب حرية الصحافة لعام 2018 الذي وضعته منظمة “مراسلون بلا حدود” غير الحكومية.

18