الرسم الصيني لوحات من الطبيعة وخطوط شعرية بعيدة عن التجريد

بكين - يتميز الفن الصيني التقليدي بنمطه الواقعي وابتعاده عن الأسلوب التجريدي في التعبير عن المشاعر، كما تميز بالانتماء إلى الطبيعة، وهو ما أنتج في نهاية المطاف مدرسة صينية خاصة في الرسم تمحورت حول ثلاثة أشياء، هي الوجوه التي عبرت عنها البورتريهات والجبال والأنهار، وأخيرا فن رسم الطيور والزهور.
وبدأ فن الرسم الصيني في فترات مبكرة تعود إلى 475 قبل الميلاد، حيث تم استخدام الحبر الأسود للرسم على الورق والحرير، وقد شهد هذا الفن العديد من مراحل التطور والازدهار وخصوصا في فترات حكم بعض أباطرة الصين الذين أعجبوا بهذا النمط في الفن وعملوا على ازدهاره، إضافة إلى تشجيع الأديان والمذاهب الفكرية في الصين القديمة مثل الطاوية والكونفوشيوسية على حب الطبيعة والتعبير عن ذلك الحب بكافة الوسائل.
ويعد فن الرسم الصيني في الكثير من الأحيان قرينا بالشعر، من خلال استخدامه كوسيلة للتعبير عن المشاعر، وقيام العديد من الرسامين بكتابة الشعر على لوحاتهم كتقليد ثقافي يجمع بين التعبير بالريشة والقلم في نفس الوقت.
ويقول العديد من الباحثين المهتمين بفن الرسم الصيني، إن هذا النمط من الفنون يتميز عن غيره من الفنون التشكيلية التي عرفتها المدارس الفنية المتعددة في العالم بالاهتمام بالتشابه النفسي والتعبير العميق عن نظرة الفنان للعالم والحياة في لغة مبهمة يصعب فهمها أو تفسير مشاعرها في الكثير من الأحيان إلا من قبل المشبعين بالثقافة الصينية.
ويقول ليو كو وهو، باحث وخبير ورسام صيني، لـ”العرب”، إن فن الرسم التقليدي الصيني ينتمي إلى الثقافة والبيئة في الصين بشكل مميز ويعود بجذوره إلى تاريخ قديم تطورت خلاله العديد من أنماط الفن مثل فن الطيور والزهور الذي ظهر بشكله المميز منذ أكثر من ألف سنة تقريبا وبلغ مرحلة النضوج في أواخر أسرة (تان) الملكية.
ويؤكد ليو كو، أن رسم الطيور والزهور في الصين يعد واحدا من أحدث الرسوم التقليدية الصينية، وهو تعبير عن ارتباط الصينيين بالطبيعة المحيطة بهم، الأمر الذي تجسد من خلال رسم وتجسيد كل ما يتعلق بالطبيعة كالطيور والزهور مثل زهرة “الفوانيا الشجرية”وأزهار الدراق والنباتات والحيوانات.
وعن أسباب ازدهار هذا النوع من الفنون التقليدية في الصين القديمة والتركيز في الرسومات على الزهور والطيور تحديدا، يقول كي، “ينقسم الفن الصيني إلى ثلاثة أنواع، النوع الأول هو رسم شخصيات الإنسان والنوع الثاني هو رسم الجبال والأنهار والنوع الثالث هو رسم النبات والحيوانات، لذا ففي الرسوم الصينية لا توجد أنواع أخرى للرسم، كالرسم التجريدي وغيره”.
وعن مزايا الرسم التقليدي الصيني يضيف كي، “الرسم الصيني يرمز إلى حيوية الطبيعة ويبرز الخط الصيني، بينما الرسم عند الشعوب الأخرى لا يقترن بفن الخط، إضافة إلى اقتران الرسم الصيني بكتابة الشعر، حيث يعبر الفنان عن معنى لوحته من خلال كتابة أبيات من الشعر يعبر فيها الشاعر عن فكرة من أفكاره أو مشاعره الدفينة”.
ويشير الرسام والباحث في الفن الصيني التقليدي ليو كي، إلى أن الرسم الصيني التقليدي المتعلق بالطيور والزهور يتميز بالتعبير من خلال استخدام دلالات خاصة في أنواع النباتات، فكل نوع يقدم تعبيرا عن بعض الكلمات في الشعر فزهرة الفوانيا ترمز إلى الثروة والرخاء، وزهرة ميهوا تعبر عن التحدي والعزيمة، كما تستخدم عادة للتعبير عن روح الأمة الصينية، والدراق ترمز للبركة والعمر المديد، كما أن زهرة اللوتس تعد رمزا للأخلاق النبيلة. وذات الأمر ينطبق على أنواع من الطيور فمثلا الخفاش في الثقافة الصينية التقليدية هو تعبير عن الفرح والسعادة، بينما طائر الكركي رمز للعمر المديد.
ويقول كي، إن الرسوم التقليدية الصينية تحمل في طياتها بعض المضامين الثابتة والمؤقتة، كما أن تلك المضامين تتغير باستمرار، كما يسير الرسم التقليدي الصيني بالتوازي مع كتابة الشعر، حيث يبدأ الرسام برسم جزء من اللوحة ثم يقوم بكتابة الشعر، وقد ازدهر هذا النوع من الرسم الرديف في الشعر.
في عصر بعض الأباطرة، حيث كانت اللوحات تهدى للإمبراطور، يقوم الرسام في القصر الإمبراطوري برسم اللوحات وكتابة الشعر عليها لخدمة الإمبراطور، وقد استخدم فن الرسم والشعر كوظيفة لخدمة السياسة، واشتغل الرسامون على تجسيد ما يحبه الإمبراطور وما لا يحبه من خلال هذا الفن، فمثلا، إذا كان الإمبراطور يحب اللوحات ذات الألوان الخفيفة، سوف يقوم الرسامون برسم لوحات تحوي ألوانا خفيفة، وإذا أحب الألوان الثقيلة سيقوم الرسامون برسم لوحات ذات ألوان ثقيلة.
ويستدرك كي بالتأكيد على أنه بالرغم من التأثير السياسي على مسار وطبيعة الفن الصيني التقليدي إلا أنه كان هناك في كل زمن فنانون يرسمون بحرية وتجرد وبعيدا عن قيود السياسة وميول وأهواء الأباطرة.