المنطقة الخضراء.. بارومتر الحرب والسلام في الشرق الأوسط

المنطقة، المغلقة بأشجار النخيل والمعالم الأثرية، تعد مركز السفارة الأميركية العملاقة في العراق، وهي أكبر سفارة بنيت في العالم من حيث المساحة والتكلفة المادية.
السبت 2019/06/01
المنطقة الخضراء بانتظار عودة كاملة إلى الحياة

تبشر الحكومة العراقية باقتراب إعادة فتح المنطقة الخضراء شديدة التحصين، وسط العاصمة بغداد، بشكل كامل أمام المواطنين، بعد 15 عاما من الإغلاق. ويتطلع العراقيون إلى يوم عيد الفطر لمعرفة هل سيحقق رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي وعده بفتح المنطقة الخضراء في هذا اليوم، ما يعني أن مؤشر الأمن سجل درجات إيجابية في العراق، وحتى في المنطقة، أم أن وعده سيؤجل، وسيتواصل إغلاق هذه المنطقة التي تحولت إلى رمز لعزلة السياسيين عن الشعب.

باسم مروة 

يعرف الشريط الممتد على مساحة 4 أميال مربعة (10 كيلومترات مربعة) على ضفاف نهر دجلة باسم “أميركا الصغيرة”.

تشتد فيه الحراسة منذ الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، ثم أصبح رمزا مكروها يذكّر بعدم المساواة في البلاد، مما زاد من شعور العراقيين بأن حكومتهم لا تنشط وفقا لواقع البلاد الملموس.

وتعد المنطقة، المغلقة بأشجار النخيل والمعالم الأثرية، مركز السفارة الأميركية العملاقة في العراق، وهي أكبر سفارة بنيت في العالم من حيث المساحة والتكلفة المادية. كما احتضنت هذه المنطقة مختلف الحكومات العراقية المتعاقبة، ولا يستطيع معظم العراقيين دخولها.

ولم تتحقق مختلف وعود الحكومة العراقية المتعلقة بفتح المنطقة شديدة التحصين أمام حركة المرور والمواطنين على مدار السنوات الماضية بسبب المخاوف الأمنية المستمرة.

وفي ما يلي نظرة على المنطقة الخضراء، بين الماضي والحاضر:

قبل الغزو

على الرغم من أنه لم يكن مرئيا، إلا أن الأمن كان موجودا ليضمن حراسة مشددة في جميع أنحاء المنطقة.

كانت المنطقة الخضراء مجمعا لمساكن أعضاء الحكومة العراقية وتضمّ عددا من قصور الرئيس السابق صدام حسين وأولاده مثل القصر الجمهوري وقصر

السلام. وكان الطريق المؤدي إلى القصر الرئاسي مغلقا لعقود قبل الحرب.

تجمع المنطقة كذلك معالم بغداد المهمة بما في ذلك “قوس النصر” الذي يبلغ ارتفاعه 40 مترا (131 قدما). ويتكون من سيفين ضخمين، يصوران في الفضاء قوسا كبيرا، ويرتكزان على يدين تمثّلان قبضة صدام حسين.

وضع المعلم لإحياء ذكرى الحرب العراقية الإيرانية الممتدة (1980-1988). كما تشمل نصب الجندي المجهول الذي يرمز للجنود المجهولين الذين ذهبوا ضحية الحروب في العراق، وساعة بغداد وفندق الرشيد الشهير، الذي يستقبل الملوك والرؤساء والوفود العربية والذي خلق ضجة خلال حرب الخليج الثانية عندما رسمت صورة فسيفسائية للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب على أرضية مدخله لتداس بالأقدام.

وفي شهر يوليو من كل عام، يقيم الجيش العراقي موكبا ضخما بمناسبة ثورة 17 يوليو 1968 التي أوصلت حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة ليحكم البلاد حتى الغزو الأميركي سنة 2003.

واستهدفت الضربة الأولى التي شنّها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الساعات الأولى من يوم 20 مارس 2003، قصر صدام الجمهوري الذي يقع داخل ما أصبح يعرف في ما بعد باسم “المنطقة الخضراء”.

بعد الغزو

هل ستصبح المنطقة مفتوحة أمام العراقيين؟
هل ستصبح المنطقة مفتوحة أمام العراقيين؟

استولت القوات العسكرية الأميركية على المنطقة الخضراء في أبريل 2003 في واحدة من أعنف المعارك التي شهدتها بغداد.

وأصبحت المنطقة بعد ذلك مركز قوات التحالف والحكومة الانتقالية التي تأسست بعد الغزو.

تحرك الجنرال الأميركي المتقاعد جاي غارنر لإنشاء المنطقة. وترأس هيئة إعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية في ذلك الوقت واختار لها مقرا قصر صدام حسين الرئيسي.

وكان الاسم الرسمي المعتمد في ظل الحكومة المؤقتة هو “المنطقة الدولية”، لكن اسم المنطقة الخضراء كان أكثر استخداما لأن الموقع كان أكثر أمانا من بقية بغداد أين تنتشر التفجيرات وعمليات الخطف والقتل. عزلت المنطقة وأنشئت نقاط التفتيش التي لا تسمح للأشخاص بالدخول سوى ببطاقات خاصة.

وعلى الرغم من تحصينها، عادة ما تطلق الميليشيات الشيعية في الأحياء الشرقية من المدينة صواريخ لاستهدافها، كما نظّمت هجمات انتحارية في مداخلها، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص من العراقيين والأميركيين.

وفي ذروة الهجمات، اضطر القادمون إلى المنطقة الخضراء إلى فتح ستراتهم ورفع قمصانهم حتى يرى الحرّاس أنهم لا يرتدون أحزمة ناسفة. كما فتشت السيارات بدقة أكبر واستعملت الكلاب البوليسية القادرة على التعرف على رائحة المتفجرات.

وشهدت المنطقة واحدة من أكبر الانتهاكات الأمنية في أبريل 2007، عندما فجّر انتحاري نفسه في كافتيريا البرلمان، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص بينهم ثلاثة مشرّعين.

وفي أبريل 2016، نظم أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مظاهرة مناهضة للحكومة، أين دمروا بعض جدران المنطقة الخضراء.

ونجح المحتجون الغاضبون في اقتحام مبنى البرلمان لتشتد الاشتباكات التي دفعت السلطات الأمنية ببغداد لفرض حظر للتجول في المدينة. وصعّدت هذه الحادثة أزمة البلاد السياسية التي تراكمت لأشهر.

أميركا الصغيرة

خلال الاحتلال العسكري الأميركي للعراق، كان البعض يشير إلى أجزاء من المنطقة الخضراء على أنها “أميركا الصغيرة” بسبب تواجد القوات الأميركية المنتشرة حولها، وانتشار الحانات والأندية بالإضافة إلى محطة إذاعية تبث الأغاني الأميركية.

وفي فترة معينة، جمعت المنطقة الخضراء ما لا يقل عن سبعة حانات تشمل الديسكو والحانات الرياضية والبريطانية، وحانة على السطح تديرها شركة جنرال إلكتريك، وأخرى مقطورة تديرها شركة بكتل.

وكانت حانة وكالة المخابرات المركزية المعروفة بـ”حانة أو.جي.أي”، الأفخم، حيث تحتوي على حلبة للرقص وكرة ديسكو عاكسة دوارة وغرفة ألعاب. ولا يمكن دخولها إلا بدعوة خاصة.

وتشمل المنطقة كذلك مقهى المنطقة الخضراء، وهي خيمة نصبت في موقف سيارات بمحطة وقود سابقة. يستقطب هذا المقهى مختلف الجنود الأميركيين ليدخنوا النرجيلة التي يصل طولها إلى 4 أقدام والأمنيين الذين يضحكون معا ويحتسون البيرة ورشاشاتهم بجانبهم.

مختلف وعود الحكومة العراقية المتعلقة بفتح المنطقة شديدة التحصين أمام حركة المرور والمواطنين على مدار السنوات الماضية لم تتحقق بسبب المخاوف الأمنية المستمرة

كما تعتبر الغرفة الخلفية الصغيرة في المقهى متجر المشروبات الكحولية الرئيسي في المنطقة الخضراء، حيث تباع زجاجات الويسكي والفودكا والنبيذ بضعف السعر المعمول به خارج جدران المنطقة المحصنة. وتضم المنطقة المغلقة كذلك صالات رياضية ومطاعم بيتزا وكازينو.

واعتمد فيلم من بطولة مات ديمون اسم المنطقة سنة 2010. ويروي الفيلم قصة بحث ضابط في الجيش الأميركي عن أسلحة دمار شامل في العراق بعد اكتشافه معلومات استخباراتية خاطئة.

هل بقي كل ما في الماضي

منذ سنوات، يدور الحديث عن أن القيود سترفع عن المنطقة الخضراء. وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أوّل من قدّم هذه الوعود سنة 2015. وفي مارس 2018، أزال رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الآلاف من الجدران الأسمنتية الرمادية، مما سهّل حركة المرور في بغداد وفتح قوس النصر أمام العامّة من جديد.

وفي خضم ذلك، صرحت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي بأن “المنطقة الخضراء لن تكون موجودة في المستقبل القريب”.

وقبل فترة قصيرة، أطلق صاروخ في اتجاه المنطقة الخضراء، وأصاب إحدى المنشآت المهجورة بالقرب من السفارة الأميركية.

لكن، عبدالمهدي وعد بفتح المنطقة الخضراء أمام المواطنين في اليوم الأول من عيد الفطر، في خطوة تسعى إلى إظهار عودة الدولة التي مزقتها الحرب إلى طبيعتها. وقال اللواء محمد حامد كاظم “عند فتح المنطقة بالكامل، سيصبح كل العراق أخضر”.

7