الفقر وغلاء الأسعار يسرقان فرحة العيد من أطفال الأردن

أكثر من مليون وربع المليون أردني يعانون من الفقر المدقع، وأكثر من مليوني مواطن يعانون من الفقر العادي.
السبت 2019/06/01
على أمل الفرح

الأطفال يعدون رمضان أجمل ما فيه بالنسبة إليهم أنه ينتهي بالعيد الذي يعني لهم ملابس جديدة وهدايا ولعبا، لكن هذا العيد سيكون قاسيا على أطفال الأردن، إذ لن ينعموا بملابس جديدة وهدايا، فضيق ذات يد أهاليهم وغلاء الأسعار ومصاريف رمضان ستحرمهم مما كانوا ينتظرونه طوال الشهر.

عمان – ملامح استقبال العيد لم ترسم البسمة العريضة على محيا العديد من الأطفال وذويهم بملابس جديدة، كما اعتادوا خلال الأعياد السابقة، وتحول العديد من ذوي الدخل المحدود والمتدني إلى أسواق الملابس المستعملة (البالة) التي تشهد تنافسا متفاوتا في الأسعار والموديلات المتعددة، تصاحبها حركة نشطة نسبيا في الأسواق خلال الأيام القليلة التي تسبق يوم العيد.

وأغلقت العديد من محال بيع الملابس الجاهزة أبوابها منذ بداية العام الحالي نظرا إلى الركود الذي عانته، إلا أن أسواق الملابس المستعملة (البالة) ما زالت تحتفظ بروادها، إذ يتوجه العديد من المواطنين إليها للظفر بالماركة العالمية المطلوبة، أو الحصول على ملابس ذات طبيعة عملية أكثر من الملابس الجاهزة، فيما يبقى السعر المتدني هو المحفز الأكبر على التوجه إلى هذه الأسواق.

ويفضل أبوخليل الشراء من أسواق البالة لأسباب تتعلق بالجودة والسعر المناسب، حيث يؤكد ديمومة هذه الملابس مقارنة مع الملابس الجديدة. وبالرغم من تقارب الأسعار بين ملابس البالة والملابس الجديدة في بعض الأحيان تبقى الجودة هي المحفز الأكبر على التوجه إلى الشراء من محال ملابس البالة.

وتوافقه على ذلك أم أسامة، التي تلبي محال البالة ما تحتاج إليه من ملابس، مبينة أن أحد أهم أسباب توجهها إلى هذه المحال انخفاض جودة الملابس الجديدة ولاسيما ملابس الأطفال، ما دفعها إلى البحث عن ضالتها في أسواق البالة.

بينما يفضل خالد عبدالله الشراء من محال الملابس الجاهزة لعدم تلبية أسواق البالة احتياجات عائلته، ناهيك عما تستغرقه رحلة الشراء من محال البالة من وقت في البحث عن قطعة مناسبة، وحاجة العديد من القطع إلى الإصلاح والتنظيف، لخروجها بالشكل المطلوب، فيتجه مباشرة إلى الملابس الجديدة متعددة الموديلات وأسعارها تتقارب مع أسعار الموديلات المستعملة.

العديد من تجار الملابس (المستعملة والجاهزة) أشاروا -في حديثهم إلى وكالة الأنباء الأردنية (بترا)- إلى حالات الركود غير المسبوقة التي تشهدها سوق الملابس في الأشهر الماضية، ما ألحق خسائر متفاوتة بالعديد من التجار ولاسيما العاملين في قطاعات الملابس الجاهزة.

ويبين عز خالد -أحد تجار الملابس الجاهزة في محافظة إربد- أن سوق الملابس الجاهزة تعاني من حالة ركود غير مسبوقة، بالرغم من حلول موسم عيد الفطر الذي كان يعول عليه كثيرا، إذ أسهمت الظروف المعيشية الصعبة في عزوف العديد من المواطنين عن شراء الملابس.

كاسية الفقراء
كاسية الفقراء

وقال إن العديد من محال الملابس أغلقت أبوابها منذ بداية العام الحالي لضعف الإقبال عليها، إلى جانب محلات أخرى قد تلقى المصير نفسه في حال استمرت الظروف على ما هي عليه.

ويرى أبوعمر -أحد تجار الملابس المستعملة- أن انتشار محال البالة والتصفية العالمية في مختلف المواقع والأسواق، يثبت حجم رواج هذه التجارة وحجم الإقبال عليها، نظرا إلى ارتفاع أسعار الملابس الجديدة من جهة، وتلاشي الطبقة الوسطى في المجتمع من جهة أخرى.

يقول خالد البزايعة -أستاذ في الجامعات الأردنية- إن شراء الملابس الجديدة والتزين في الأعياد ينسبان في التاريخ إلى الأمم قبل الإسلام، وجاء الإسلام وأقر واقعا معروفا قبله، ولم يجد مانعا في قبول هذه المظاهر الجميلة التي تبين السرور والفرح بالمناسبات، مشيرا إلى أن الحكمة منها إظهار الزينة والنظافة وجمال الهندام في الأعياد والصلوات والاجتماعات والزيارات.

الخبير الاقتصادي مازن مرجي قال إن واقع القدرة الشرائية لملابس العيد هذا العام يعتبر ضعيفا جدا، على الرغم من تسليم الرواتب في وقت مبكر، لأن المواطن الأردني بجّل تأمين الاحتياجات الأساسية من الطعام والشراب في شهر الصيام، على الملابس وغيرها من المواد المتعلقة بالمظاهر.

وأشار إلى أن هذا دأب المواطن الأردني منذ القدم، فهو يسعى لامتلاك قوت يومه ومسكنه بالدرجة الأولى، ومن ثم التوجه إلى باقي الاحتياجات من ملابس ومظاهر الاحتفال، ما يعني أن ضعف القدرة الشرائية للمواطن الأردني يأتي بالتبعية، ولا متنفس له من شهر إلى آخر.

وقال إنه على الرغم من الإجراءات الحكومية من أجل توفير سيولة مادية بين الناس، من خلال تأجيل الأقساط المستحقة عليهم وصرف دعم الخبز، إلا أن ذلك لم يسهم في تنشيط سوق الملابس.

فكان الهدف من هذه الإجراءات التخفيف عن المواطنين ماديا خلال شهر رمضان، لكنها لم تؤت أكلها كما يجب لأن المواطنين يعانون من التزامات مالية متراكمة عليهم بالأصل، فكانت مجالا لسد النقص الموجود وليس للراحة أو الترفيه.

وأوضح أن هذه الحالة تلامس أغلبية الشعب الأردني، مؤكدا أن لباس العيد يعتبر آخر اهتمامات المواطن الأردني بشكل عام والفقراء بشكل خاص، فهناك أكثر من مليون وربع المليون مواطن يعانون من الفقر المدقع، وأكثر من مليونَيْ مواطن يعانون من الفقر العادي، ثم تأتي شريحة ذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون تأمين كل احتياجاتهم.

وعزا مرجي ذلك إلى تراجع القيمة المطلقة للدخل نتيجة عدم وجود زيادات عليه تواجه تضخم الفجوة بين دخل الأسرة واحتياجاتها فعليا، والتي تتراوح بين 25 بالمئة و35 بالمئة، فالركود الاقتصادي يحاصر القطاع التجاري منذ عقود طويلة ولا مجال لتحريك عجلة الاقتصاد إلا بزيادة دخل الأسرة، لا برفع الضرائب على السلع.

استشاري الأمراض النفسية عبدالله أبوعدس قال إنه نظرا إلى ضعف القدرة الشرائية لجأت بعض المحال التجارية إلى استخدام أساليب سيكولوجية لمداعبة عواطف الجماهير ودفعها إلى الشراء باستخدام العروض التسويقية وتخفيض أسعار العديد من السلع، ما يؤثر في الرأي العام ويرغّب الناس في الشراء، وهذا ما حدث بشكل واضح في رمضان، فقام البعض بإنفاق المال الكثير.

وأضاف أن هذا الإنفاق جاء نتيجة السيولة المالية المتوفرة لدى بعض المواطنين المستفيدين من تأجيل البنوك لأقساط قروضهم، ما أدى إلى وضعهم في مأزق مالي مع نهاية شهر الصيام، فكان عليهم اتباع مبدأ إدارة المال، والتخطيط السليم في رصد ميزانية محددة للإنفاق، وحصره في الاحتياجات الضرورية، فكل موسم له متطلبات أخرى تختلف عن متطلبات غيره من المواسم.

لباس العيد يعتبر آخر اهتمامات المواطن الأردني
لباس العيد يعتبر آخر اهتمامات المواطن الأردني

وأشار إلى أن تحضيرات العيد تستدعي شراء الملابس ومستلزمات ضيافة العيد والهدايا، إذ يتم تخصيص مبلغ مالي مسبق، يكون متلائما مع ميزانية المنزل العامة، حيث لا نتفاجأ بعد هذا الموسم بضائقة اقتصادية، من الصعب الخروج منها.

نقيب تجار الملابس والأحذية والأقمشة منير دية، أشار إلى انخفاض حجم مستوردات المملكة منذ بداية العام بنحو 20 بالمئة مقابل الفترة نفسها من العام الماضي 2018، مبينا أن مستوردات المملكة من الملابس والأحذية بلغت منذ بداية العام الحالي نحو 85 مليون دينار، إذ شهد القطاع منذ بداية العام الحالي حالة ركود غير مسبوقة، ما أدى إلى تراجع المستوردات وما ترتب على ذلك من خسائر للتجار.

وفي الوقت الذي يشهد فيه قطاع الملابس والأحذية ركودا بحسب خبراء، فإن هنالك تحديات يواجهها القطاع كالتجارة الإلكترونية وارتفاع كلفة التشغيل والتوسع غير المبرر بالمراكز التجارية (المولات) وضعف قدرة المواطنين الشرائية.

17