خطط إيران تربك أصدقاءها أيضا

المتعاطفون مع طهران في أوروبا وآسيا يشعرون بالقلق من التحولات في سياساتها، بعد أن إعلان حسن روحاني الانسحاب من عدة التزامات أساسية في الاتفاق النووي.
الثلاثاء 2019/05/21
سياسات إيران لا تبشر بتهدئة

تسعى الإدارة الأميركية إلى إمساك العصا من الوسط، بعد أن تبين لها فشل تجربة الانسحاب من الشرق الأوسط في عهد أوباما. وهي تعي جيدا اليوم أنه لا يمكن السيطرة على التمدد الصيني بخسارة الحلفاء في الشرق الأوسط، مثلما تأكدت لديها استحالة مواجهة إيران ببقائها ضمن مجموعة الاتفاق النووي، وعند المنتصف يقف الأوروبيون الذين يجدون أنفسهم اليوم بين شقي رحى التصعيد الأميركي في الشرق الأوسط بكل ملفاته، وتداعيات حرب واشنطن التجارية ضد بكين، وتهديدات طهران التي تضعف موقفهم.

لندن – سجلت واشنطن في الفترة الأخيرة عودة قوية إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال التصعيد ضد إيران اقتصاديا وعسكريا، لكن عودة تركيز الإدارة الأميركية على المنطقة لا تعني أنها أدارت ظهرها لإستراتجية التمدد في آسيا لمواجهة الصين، بل على العكس تمر هذه الخطة بأقوى مراحلها اليوم مع تصعيد الحرب التجارية، وهي تتشابك في تفاصيلها بين ما يجري في الشرق الأوسط وفي المنطقة الآسيوية، وتلقي بظلالها على سياسات مختلف القوى الدولية التي تختلف في تقييم الحرب ضد إيران لكنها تلتقي في القلق من برنامجها النووي.

في أعقاب الهجوم بطائرات دون طيار على منشآت نفطية قبالة ساحل الفجيرة، بدولة الإمارات العربية المتحدة، عاد التركيز مجددا على الوضع الجغرافي السياسي الأوسع في الشرق الأوسط، والمخاطر التي قد تشكلها هذه المتغيرات على المنطقة والعالم. وكان هناك تصاعد تدريجي للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، التي تفقد أوراقها الداعمة.

لم تنجح خطة إيران في الضغط على الحلفاء الأوروبيين بالانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بينهما، بل بالعكس تشي التطورات، بأن سلوك إيران يقوض ثقة تلك الدول في حكومة طهران والتزاماتها، بدلا من تعزيز علاقاتها مع القوى العالمية الأخرى.

أنشار فوهرا: خطط طهران تبدو كارثية وقوّضت علاقتها بأوروبا
أنشار فوهرا: خطط طهران تبدو كارثية وقوّضت علاقتها بأوروبا

الحرب ضد إيران

تعكس تصريحات وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت رؤية مختلفة للتطورات، بعد أن حاول هانت في وقت سابق تبرئة إيران بإلقاء المسؤولية على “خطأ غير مقصود” في الهجوم. لم يتحدث هانت في تصريحاته الأخيرة عن الهجوم لكنها عكست تفكيرا في ما يجري من تطورات وما يجب النظر فيه بجدية حين توجه إلى طهران قائلا “إنه يجب ألا تستهين بعزم الولايات المتحدة”، محذرا من أنه “إذا تعرضت المصالح الأميركية لهجوم فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب سترد”. وقال هانت للصحافيين على هامش اجتماع لجمعية الصحة العالمية في جنيف “أقول للإيرانيين: لا تستهينوا بعزم الجانب الأميركي”.

ويبدو أن هذه النصيحة موجهة أيضا للأوروبيين الذين يقفون مترددين وشبح الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 ماثل أمامهم، حيث تقول صحيفة نيويورك تايمز إن ذكريات غزو العراق، توحد الأوروبيين في معارضة ما يعتبره الكثيرون جهود الولايات المتحدة لإثارة حرب مع إيران. في نفس الوقت لم تعد الدول الأوروبية تنظر بذات الثقة لإيران بعد أن أعلن رئيسها حسن روحاني الانسحاب من عدة التزامات أساسية في الاتفاق النووي، الأمر الذي رفع من مستويات فشل الحفاظ على الاتفاق النووي، وفق ما يرغب الأوروبيون.

بعد أن هددت إيران العالم باستئناف أنشطتها النووية بعد مهلة 60 يوما، لا يبدو الموقف جيدا بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي التي لم تجد طريقة للالتفاف على العقوبات الأميركية واستئناف العلاقات التجارية الطبيعية مع طهران. كما أن أسبابا أخرى كثيرة ترجح كفة ميل الأوروبيين، عن رغبة أو قسرا، نحو الولايات المتحدة.

إلى جانب المصالح السياسية في الشرق الأوسط، يبقى رسوخ الشركات الأوروبية في الأعمال التجارية الأميركية عميقا مقارنة بالتجارة مع النظام الإيراني. وأطلقت الدول الأوروبية الآلية التجارية والمالية مع إيران (إینستكس)، لتسد الحاجات الإنسانية فقط.

وتمثلت استراتيجية أوروبا في إبقاء إيران ممتثلة للصفقة حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة المقررة سنة 2020، حينها سيمكن استبدال الرئيس دونالد ترامب بشخص يمكن أن تثق به أوروبا والإيرانيون مرة أخرى للوفاء بدور واشنطن في الصفقة. لكن سياسات إيران لم تمنح الأوروبيين هذه الفرصة.

تحالف القوى الآسيوية

تصعيد ضد إيران
تصعيد أميركي ضد إيران

تشير المحللة السياسية في مجلة فورين أفيرز أنشار فوهرا إلى أن إيران قوّضت علاقتها بأوروبا كحليف لها، مضيفة أنه من المحتمل أن تكون هذه النتائج مقصودة مع تأكد طهران من أن الاتحاد الأوروبي لن يتحدى السياسة الأميركية علنا، وبالتالي بات عليها أن تبحث عن شركاء آخرين سبق أن أعلنوا تمردهم على الولايات المتحدة.

وهذا التحالف الذي تتطلع إليه إيران تظهر مؤشراته في آسيا، حيث القوى الآسيوية الصاعدة التي ترغب في مواجهة الولايات المتحدة ومنافستها. ويأتي على رأس هذا التحالف الصين، التي تشتري كميات كبيرة من النفط الإيراني، وروسيا والهند. وتلقي هذه الدول باللوم على ترامب وفريقه المتشدد وتحملهما مسؤولية تهديد الاتفاق النووي. كما تساورها المخاوف المتأتية من رد روحاني، فهي تدرك تداعيات أي توسع في الأنشطة النووية الإيرانية. وتمتلك القوى النووية نفسها مصلحة خاصة في عدم انضمام إيران إلى ناديها الحصري.

مع ذلك، لا تميل كل الكفة ناحية إيران، فهؤلاء الحلفاء أيضا قد يتخلون عن إيران ضد الضرورة. فمثلا تمر الهند حاليا بفترة انتخابية ولم تعلن عن سياستها علنا. وإذا عاد أصحاب المناصب إلى السلطة، فمن المحتمل أن يقفوا إلى جانب ترامب. وتنقل فوهرا عن أحد كبار الدبلوماسيين الهنود، قوله “تكمن أولوية الدول في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية”.

وأضاف الدبلوماسي أن إمكانية حدوث ذلك تقلق الهند “عندما سحبت الولايات المتحدة الإعفاء (للسماح للهند بمواصلة شراء النفط الإيراني)، بدا الأمر كقرار أحادي الجانب. الآن، إذا تخلت إيران عن الصفقة النووية، يمكن أن يتبدد الدعم المعنوي لطهران بسرعة من جانب الهند بالإضافة إلى أطراف عالمية أخرى. إذ لا تخفف تعليقات روحاني من المخاوف الهندية بل تؤججها”.

من جانبها، دعمت روسيا إيران جزئيا لموازنة الهيمنة الأميركية في الشؤون العالمية. عندما زار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو موسكو لإجراء محادثات مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، أوضحت روسيا أنها تحمل الولايات المتحدة مسؤولية الشقوق في الصفقة النووية. وقال مدير قسم الحد من انتشار الأسلحة ومراقبة التسلح في وزارة الخارجية، فلاديمير إرماكوف، بصراحة للصحافة الروسية إن “واشنطن هي المسؤولة”.

في المقابل، أشار خبير روسي معروف في موسكو باطلاعه على البرنامج النووي الإيراني إلى أن خطاب إرماكوف يبطن عكس ما يظهر. وفي حديثه إلى فورين بوليسي، قال إن الحكومة الروسية متشككة في تأكيدات إيران أنها لا تنوي امتلاك أسلحة نووية عسكريا. وأضاف “تتمتع إيران بالمعارف النووية، ولم تكن موسكو يوما متأكدة من أنها لن تصنع قنبلة كما أكدت مرارا وتكرارا. الآن، يمكن أن تعيد إيران النظر في خططها. إذا حدث ذلك، فسترسل موسكو إلى إيران رسالة صارمة”، خاصة وأن العلاقات بينهما تشهد مدا وجزرا في سوريا.

وقال الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في موسكو، نيكولاي كوزانوف، إن روسيا لا تأخذ تهديدات إيران على محمل الجد في الوقت الراهن، وأكد أن إيران تحمل ثقافة سياسية تتسم بتوجيه تهديدات ضمنية لتتراجع عنها لاحقا.

إيران تخسر حلفاءها والمتعاطفين معها
إيران تخسر حلفاءها والمتعاطفين معها

اتخذت الصين، وهي القوة الشرقية الأخرى التي تعتمد عليها إيران، موقفا علنيا مواليا لإيران. وتنقل فورين أفيرز عن أحد المصادر أن الصين تخطط لزيادة مشتريات النفط من إيران عبر السوق السوداء، بالإضافة إلى شراء النفط مباشرة عبر عمليات النقل البحرية، وذلك بالالتجاء إلى حيل بحرية مثل إعادة تسمية الناقلات وإيقاف تشغيل أجهزة التعقب.

ويقول شين دينجلي، وهو خبير صيني بارز في العلاقات مع الولايات المتحدة وأستاذ بجامعة فودان بشنغهاي، إن استمرار الصين في شراء النفط الإيراني يهدف إلى منعها من التحول إلى سياسات أعنف. لكنه عبر عن نفس مخاوف الخبراء الروس والهنود من احتمال امتلاك إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع سلاح نووي. وقال “قد لا تصنع إيران قنبلة، لكنها تستطيع تخصيب مستويات عالية من اليورانيوم وتمتلك كل المعدات لصنع واحدة بسرعة. نحن نريد منع ذلك”.

وعند هذه النقطة، قد تضع الصين خلافها التجاري مع الولايات المتحدة على جنب. ويشرح شين ذلك بقوله إن الصين تقف في صف الولايات المتحدة أمام خطر امتلاك إيران لسلاح نووي، وإن استراتيجيات البلدين مختلفة. وأكد احتمال أن يؤدي استمرار هذا الضغط على إيران إلى نوع من التطرف السياسي.

ويتفهم قادة روسيا والصين والهند غضب إيران. لكنهم واعون، إلى جانب أوروبا، بأنهم لا يستطيعون فعل ما يكفي لحماية مصالح إيران الاقتصادية في مواجهة العقوبات الأميركية دون المجازفة بمصالحهم الخاصة. إذ لا يكفي تعاطفهم السياسي مع إيران لتبجيلها على مصالحهم الاقتصادية.

وتخلص أنشار فوهرا إلى أن هذه الدول، وبقدرتها الضئيلة على التأثير في السياسة الأميركية، لا تستطيع سوى دعوة إيران إلى إبقاء الصفقة قائمة على أمل أن يعاد التفاوض عليها في يوم من الأيام، وهو أمر فرصه ضعيفة خاصة وأن هذه الدول تعجز في نفس الوقت عن قبول فكرة سعي إيران إلى كسر الإجماع الدولي ضد الانتشار النووي.

وفي هذه المرحلة من الصراع، أصبح الأمر أشبه بإلقاء كمية هائلة من الألعاب النارية في النيران وقول “سنرى ما سيحدث”، وهي عبارة يستخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب دائما.

7