المعارضة التركية: إعادة انتخابات بلدية إسطنبول دكتاتورية

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول، في قرار أثار الكثير من الجدل، ووصفته المعارضة التركية بأنه “قمة الدكتاتورية” التي تقود البلاد المهتزة سياسيا واقتصاديا إلى الهاوية، التي سيكون الخروج منها مكلفا لتركيا حيث ستكون له تداعياته على أردوغان نفسه مهما طال مكوثه في السلطة ومارس سلطاته المطلقة ضد من يقف في طريق مشروعه.
إسطنبول - رغم أن حزب العدالة والتنمية حقق نتائج متقدمة في بلديات كثيرة في مختلف أنحاء تركيا، وفقد بلديات كبرى أخرى مثل أنقرة وأنطاليا وأضنة، إلا أن ذلك لا يساوي شيئا أمام خسارة إسطنبول، التي قرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استرجاعها من خلال إعلان مثير للجدل يقضي بإعادة إجراء الانتخابات الخاصة لبلدية إسطنبول فقط تحت حجة ارتكاب مخالفات.
وأمرت اللجنة العليا للانتخابات الاثنين بإبطال فوز مرشّح المعارضة أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية أكبر مدينة في تركيا وإعادة إجراء الانتخابات، مستجيبة بذلك لطلب حزب الرئيس رجب طيب أردوغان الذي طعن في فوز مرشح المعارضة بالانتخابات التي جرت في 31 مارس وطلب إعادة إجراء الانتخابات في شهر يونيو، مؤكدا أن حزبه هو من سيفوز بتلك الانتخابات إن تمت إعادتها.
إسطنبول هي القوة
تعد إسطنبول البالغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، العصب الاقتصادي لتركيا وتسيطر على جزء رئيسي من الإنفاق العام. لكنها هي أكثر من ذلك بالنسبة لأردوغان، الذي قال من يحكم إسطنبول يحكم تركيا. إسطنبول هي عصب المشروع الأتاتوركي التحديثي الذي يحاربه، ويسعى إلى طمسه لإرساء مشروعه العثماني الجديد وأسلمة الدولة التركية. هذا المشروع الذي وضع أردوغان أسسه منذ أن كان رئيسا لبلدية إسطنبول، ثم كبر الحلم معه كلما تقدم في وظائفه إلى أن صار رئيسا لتركيا، بصلاحيات مطلقة، متجاوزا دكتاتورية أتاتورك نفسه.
إسطنبول بالنسبة لأردوغان هي الفضائح التي يمكن أن تزلزل الأرض من تحت أقدامه، لو أمسك أحد من خارج حزب العدالة والتنمية أمرها، ودقق في المناقصات والأراضي والامتيازات التي حصلت عليها شركات لرجال أعمال، بعضهم من عائلته والبعض الآخر أعضاء في حزب العدالة والتنمية أو موالين له.
وعكست نتائج الانتخابات الأخيرة تراجع نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية في أكبر المدن التركية، مقابل ظهور معارضة أكثر تنظيما من ذي قبل، إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار الليرة التركية، مما يفتح الباب على مصراعيه لخسارة المزيد من المواقع القيادية في البلاد.
بالنسبة إلى أردوغان خسارة إسطنبول تعني ضربه في موقع قوة، لذلك كان لا بد من محاولة استرجاعها بأي ثمن حتى لو كان الانقلاب على الديمقراطية والقانون، وخسارة نقاط أخرى من سمعته التي اهتزت إقليميا ودوليا. ولم يكن هناك من حل سوى إلغاء نتائج الانتخابات في بلدية إسطنبول وتنظيم انتخابات جديدة، يتوقع مراقبون أن تشهد تزويرا وأن تفتقد للشفافية، ولن تكون كما قال أردوغان خلال إعلان قرار إلغاء النتائج “أفضل خطوة من شأنها تعزيز إرادتنا لحل المشكلات ضمن إطار الديمقراطية والقانون”.
ويشير الكاتب التركي ذوالفقار دوغان إلى أن المجلس الأعلى للانتخابات تعرض لضغوط من أردوغان لإقرار إعادة إجراء الانتخابات، مضيفا أن وكالة الأناضول للأنباء التي تديرها الدولة لعبت دورها في إيجاد أسباب لإعادة إجراء الانتخابات من خلال بث أخبار تزعم أن 43 من كبار المسؤولين في مراكز الاقتراع يرتبطون بحركة غولن الدينية المحظورة، والتي تتهمها الحكومة التركية بمحاولة انقلاب عام 2016.
ويقول دوغان إن وكالة الأناضول للأنباء هيئة وطنية من الناحية الاسمية، لكن بعد فترة وجيزة من إجراء الانتخابات تم ربطها مباشرة بإدارة الإعلام في رئاسة أردوغان، مضيفا أن أخبار وكالة الأناضول للأنباء، إلى جانب بيان أردوغان، يمثلان مؤشرا آخر على الضغط الشديد الذي يواجهه المجلس الأعلى للانتخابات. لذلك، فإن القرار النهائي للمجلس بشأن انتخابات إسطنبول له أهمية حيوية لمستقبل الديمقراطية المتآكلة في تركيا.
انتخابات
صعدت المعارضة التركية موقفها وحشدت أتباعها لغرض التصدي لقرار إبطال انتخابات إسطنبول وإعادة إجرائها مجددا، فيما يحذر المتابعون من أن مكابرة أردوغان تقود تركيا إلى المجهول في واحدة من أكثر مراحلها التاريخية حرجا، على مستوى السياسات الداخلية كما على مستوى السياسات الخارجية وعلاقاتها الدبلوماسية التي تشهد توترا مع العديد من الدول.
وأدان حزب الشعب الجمهوري المعارض قرار اللجنة بإعادة إجراء الانتخابات بوصفه “لاديمقراطيا ولاشرعيا”، معلنا ترشيح أكرم إمام أوغلو مجددا لخوض الانتخابات المُعادة لرئاسة بلدية إسطنبول. وقال فائق أوزتراق، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، إن اللجنة العليا للانتخابات “قد أنكرت سبب وجودها بقبول اعتراضات وطعون النظام الحاكم التي ليست لها أيّ أسس مادية، وإلغاء انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول”.
ووصف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو القرار بـ”الخيانة”. وقال إنّ “أولئك الذين يتّخذون قرارات في هذا البلد ربّما وقعوا (…) في الخيانة. ولكنّنا لن نستسلم أبدا، احتفظوا بالأمل”. وفي حديثه أمام الحشود التي كانت تهتف في منطقة بيليك دوزو التي تقلد منصب رئيس بلديتها في السابق، أضاف أوغلو “لقد فزنا بعرق ملايين الناس″. وقد أدان أوغلو قرار اللجنة العليا للانتخابات، مضيفا أنها تتعرض لضغط سياسي منذ انتخابات 31 مارس.
واتحدت كلمة المعارضة التركية رافضة قرار لجنة الانتخابات “المسيّس″، حيث انتقدت ميرال أكشنير، زعيمة الحزب الصالح التركي المعارض، قرار اللجنة العليا للانتخابات الخاص بإلغاء نتائج انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، وإعادة الاقتراع في يونيو المقبل. وأضافت أكشنير أن “يوم 6 مايو الذي أعلنت فيه اللجنة العليا الانتخابات قرارها لإعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول، بات تاريخ انتهاك إرادة الأمة… هذا التاريخ هو التاريخ الذي تعرضت فيه دولتنا للمهانة أمام العالم”.
وجاء قرار اللجنة العليا للانتخابات استجابة لرغبة حزب العدالة والتنمية، حيث وافق 7 أعضاء على اعتراضات العدالة والتنمية، مقابل اعتراض 4 أعضاء وتشير تقارير المراقبين إلى أن هذا القرار سوف يتسبب في ردود أفعال خطيرة في الداخل التركي ويزعزع الثقة في الممارسة الديمقراطية في تركيا، وستكون له تداعياته الخارجية أيضا.
وسطر القرار الأخير نقطة سلبية أخرى في سجل أردوغان الخارجي. وانتقدت جهات عديدة قراره. ووصف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن قرار إعادة إجراء انتخابات بلدية إسطنبول بوصفه “غير شفاف وغير مفهوم بالنسبة لنا”. وقال ماس في تصريحات “إرادة الناخبين الأتراك هي فقط من يقرر من يتولى رئاسة بلدية إسطنبول”.
وطالب يورج مويتن، رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا، بوقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فورا، وقال إن لجنة الانتخابات اتخذت قرار إلغاء نتيجة الانتخابات في إسطنبول بضغط من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مضيفا أن “هذا العمل غير الديمقراطي يدل مجددا على أن تركيا، وخاصة تحت رئاسة رئيسها الحالي أردوغان، لا يمكن أن تنتمي لأوروبا”.
وفي ذات السياق، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في بيان لها إن “ضمان عملية انتخابية حرة وعادلة وشفافة ضروري لأي ديمقراطية وهو في صميم علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا”، مشيرة إلى أن “القرار تترتب عليه آثار مهمة”.
وجدد المستشار النمساوي زيباستيان كورتس مطالبته بإنهاء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وذلك على خلفية إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول. وقال كورتس “ليس لدى من لا يقبل الانتخابات الديمقراطية شيء يبحث عنه في الاتحاد الأوروبي”. ورأى كورتس أن “تركيا تباعدت منذ سنوات بخطوات متزايدة عن الاتحاد الأوروبي، خاصة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016″.
فوز مستراب
يذكّر ما يجري اليوم في إسطنبول بما حصل مع انتخابات يونيو 2015، والتي قال عنها أردوغان “البعض يقولون إنه إذا أعيدت الانتخابات في إسطنبول، فستكون نسبة أصوات العدالة والتنمية أسوأ من الانتخابات المحلية الأولى، بل ذهب بعضهم إلى الزعم بأن الحزب سيخسر الانتخابات كلية؛ لكني لا أوافق هؤلاء في ما يقولون. ولأذكّرهم في هذه النقطة بالانتخابات العامة التي جرت في 7 يونيو 2015، ففي تلك الفترة خرج البعض ومن بينهم أناس من داخل الحزب، وطالبوا بعدم إعادة الانتخابات آنذاك، وأن الأفضل الاكتفاء بتشكيل حكومة ائتلافية بدلا من إعادتها ثانية حتى لا يخسر الحزب”.
وأضاف “لكنّي آنذاك شاهدت ردود الأفعال على وجوه المواطنين، حيث لاح لي أنه لو أعيدت الانتخابات سنكون نحن الحزب الوحيد بالسلطة. والآن أرى نفس الشيء بإسطنبول. ومن ثم أقول إنني متأكد بنسبة مئة في المئة من أنه لو أعيدت الانتخابات فسنفوز بها”.
وعلقت جلدم أتاباي شانلي، مديرة سابقة في مركز الدراسات الاستراتيجية لمؤسسة أجيلي آند كو، على هذه التصريحات قائلة “إن دلت على شيء فتدل على أن هناك شيئا يحاك بالليل والناس نيام، ولعل استخدام قوات الشرطة، وكذلك النظام القضائي، وإقحامهم في العملية لتحقيق تلك الأماني، لأمر يؤكد ذلك. ولا شك أن السياسة وحتما الاقتصاد سيخسران كثيرا جرّاء هذه الممارسات”.
وتفاعل عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع هذه التطورات في تركيا، مشيرين إلى أن هذه الخطوة ليست غريبة عن الإخوان، الذين ينقلبون على نتائج إذا لم تكن في صالحهم؛ حتى أن بعضهم استشهد بنموذج ما حدث في ليبيا بعد انتخابات 2013، حيث أصروا على التمسك بالسلطة رغم خسارتهم، فيما حذر آخرون دول الربيع العربي، وخاصة تونس، من سيناريوهات مشابهة لما حصل في إسطنبول اليوم.