القاهرة تفتح باب الاستثمار في التدوير

فتحت القاهرة نافذة استثمارية جديدة أمام رؤوس الأموال الأجنبية من خلال منح حوافز وأولويات لتأسيس مشروعات تدوير المخلفات لأول مرة في المناطق الحرة العامة التابعة للحكومة، مع تصاعد الاهتمام بحماية البيئة والحفاظ عليها انطلاقا من مبادئ الاقتصاد الأخضر.
القاهرة - أدخلت الحكومة المصرية رافدا استثماريا جديدا إلى اقتصادها يستهدف فوائض رؤوس الأموال، التي تبحث عن اقتحام صناعة تدوير المخلفات في البلاد.
وتسعى القاهرة إلى تنويع سلة أنشطتها الاقتصادية لجذب شرائح جديدة من المستثمرين في محاولة لإنعاش اقتصادها، بعد ضجيج الإصلاحات التي نفذتها على مدى ثلاث سنوات.
وتأتي الخطوة في إطار رؤية القاهرة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر تدريجيا وانتزاع مكان لها في المستقبل عالميا مع تصاعد الاهتمام بحماية البيئة والحفاظ عليها.
وستقدم الحكومة حوافز للمستثمرين الذين يخططون للدخول في مجال صناعة التدوير، والتي ستكون المناطق الحرة مسرحا لها.
وتنقسم المناطق الحرة بالبلاد إلى قسمين، الأولى عامة تابعة للحكومة، وتقوم بتنميتها وتوصيل جميع المرافق لها ثم تخصيصها للقطاع الخاص، أما النوع الثاني فيتبع بالكاملِ القطاعَ الخاص.
ولأول مرة وافقت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة على منح تراخيص للمستثمرين لتأسيس مشروعات في مجال إعادة تدوير المخلفات بالمناطق الحرة، والتي لم تكن مرخصة لهذا النشاط في هذه المناطق.
وقال محسن عادل الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، في تصريحات خاصة لـ”العرب”، إن “قرار الهيئة يستهدف تحفيز المصانع على الاستثمار في مجال تدوير المخلفات في المناطق الحرة العامة، الأمر الذي يعزز جذب الاستثمارات الأجنبية”.
وأوضح أن الحكومة تعتزم تشجيع القطاع الخاص على تأسيس 9 مصانع في هذه المناطق في مجال تدوير المخلفات.
وكشف عادل عن تلقي الهيئة طلبين في أول يوم من إعلان القرار الثلاثاء الماضي، لتأسيس مصنعين الأول بمدينة الإسكندرية على البحر المتوسط، وآخر في مدينة نصر في شرق العاصمة.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن عدد المناطق الحرة العامة في مصر يصل إلى نحو 9 مناطق. وهناك خطط لزيادة عددها في المستقبل.
وتعتزم وزارة الاستثمار تأسيس 4 مناطق حرة عامة جديدة، ليصل العدد الإجمالي إلى 13 منطقة حرة، ليتساوى مع عدد المناطق الحرة الخاصة.
وأكد عادل أن الهيئة بدأت بالفعل تدشين حملات ترويجية للاستثمار في المناطق الحرة العامة مع التركيز على نشاط تدوير المخلفات.
وانطلقت الأربعاء حملة للترويج للاستثمار في المناطق الحرة، منها الاستثمار في صناعة تدوير المخلفات بألمانيا، وسيتم الأسبوع المقبل إطلاق حملة في لندن.
وتصل استثمارات المناطق الحرة العامة في مصر إلى نحو 22 مليار دولار، وهي مرشحة للزيادة في السنوات القادمة إذا ما تم تحسين مناخ الأعمال أكثر.
وتعتبر تلك المناطق نافذة للشركات المحلية والأجنبية، التي تسعى للتصنيع من أجل إعادة التصدير للخارج، من دون رسوم جمركية، حيث تعامل هذه المناطق على أنها جزء خارج البلاد.
وفى حال رغبت المصانع في طرح منتجاتها، التي صنعت بالمناطق الحرة العامة أو الخاصة بالسوق المصرية، تطبق عليها الرسوم الجمركية وتعتبر هذه المنتجات مستوردة من الخارج.
ولا يوجد تعارض بين تجارة وتصنيع المخلفات بالسوق المحلية والمناطق الحرة، فأنشطة الأولى قاصرة على السوق المحلية، أما الثانية فتعامل معاملة الواردات.
وتشير تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالبلاد إلى أن مصر تنتج سنويا حوالي 90 مليون طن من المخلفات الصلبة، بواقع 55 ألف طن يوميا، ويبلغ إجمالي المخلفات البلدية “القمامة” منها نحو 20 مليون طن.
وتأتي مخلفات المناطق الحرة من المصانع التي تعمل بها فقط، وبالتالي يعزز الاستثمار في مجال التدوير زيادة القيمة المضافة وسوف تكون أكثر ربحية.
أما المخلفات في السوق الداخلية فمعظمها مخلفات عضوية وتحتاج إلى إعادة معالجة قبل التصنيع.
ويقدر إجمالي التراكمات المنتشرة داخل المحافظات بنحو 18 مليون متر مكعب، أغلبها من مخلفات الهدم والبناء و47 بالمئة من تلك التراكمات بشوارع القاهرة الكبرى.
وأكد فاروق بركات نائب رئيس جمعية مستثمري المناطق الحرة، لـ”العرب” أن الحكومة تفرض رسوما على المخلفات التي تخرج من المناطق الحرة وتعاملها كسلعة مستوردة، لذلك تكدست المخلفات.
وأوضح أن تلك المخلفات تسببت في مشكلات كثيرة لا حصر لها على مدى سنوات، لاسيما بقايا مصانع الملابس والبلاستيك.
وأشار إلى أن قرار هيئة الاستثمار يهدف إلى القضاء على المخلفات، عبر إنشاء مصانع لتدويرها، بشرط عدم الاستيراد من الخارج.
وتشهد الفترة الحالية ضخ استثمارات أجنبية بهذا القطاع في المناطق الحرة والسوق المصرية عامة، ويتوقع أن يجذب هذا النشاط شركات ألمانية ويابانية لما تمتلكه من تكنولوجيا فائقة.
وتعاني مصر من نقص كبير في عدد المصانع العاملة في مجال تدوير المخلفات، والتي يصل عددها حاليا إلى 66 مصنعا فقط.
وتحتاج محافظة القاهرة وحدها إلى 25 مصنعا لاستيعاب جبل القمامة الذي يبلغ يوميا نحو 1500 طن، وقد يكون قرار هيئة الاستثمار بداية انتعاشه لقطاع تدوير المخلفات.
ورغم خطوة الحكومة، فإن فتحي كمال نائب رئيس مجلس إدارة شركة الحياة للاستشارات البيئية، يعتقد أن بلاده تأخرت كثيرا في صناعة التدوير بشقيها، النفايات الطبية الخطرة أو النفايات العادية.
وشدد في تصريحات لـ”العرب” على أن النفايات الطبية تتم معالجتها بأساليب عشوائية عن طريق فرمها ودون اللجوء إلى شركات متخصصة.
أما المخلفات العادية التي تشمل البلاستيك والكرتون فلا تتم إعادة تشغيل معظمها، رغم ما ينتج عنها من منتجات جديدة وما يتبقى منها يستخدم كسماد زراعي فقط.
ولفت في هذا المجال إلى أنه من الضروري استفادة مصر من تجارب الدول التي تقدمت في صناعة تدوير المخلفات، وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت، فضلاً عن التقدم الأوروبي الكبير.
وذكر أن الحكومة بدأت تعي هذا التأخير، وظهر اهتمام هيئة الاستثمار لتشجيع الشركات على الاستثمار في صناعة المخلفات، علاوة على الاهتمام الذي توليه وزارة البيئة.