غرة مايو.. فليحتفل العالم بعيد العاطل

لماذا الإصرار على إحياء عيد العمال فحسب والحال أن كل المؤشرات تشير إلى أن الأجدر هو أن يتم أيضا تخصيص يوم مماثل للعاطلين، كـ”عيد البطالة” أو “عيد العاطلين”.
الأربعاء 2019/05/01
من يدافع عن العاطلين

تزامنا مع إحياء الملايين من عمال العالم لعيد العمال في الأول من مايو ككل عام، تطرح العديد من الأسئلة الحارقة حول الجدوى من هذه المناسبة التي تكاد أن تتحوّل إلى أشبه بمناسبة روتينية غير متّسقة أو مكمّلة بصفة تامة للواقع في ظل تنامي نسب معدلات البطالة في الدول النامية على وجه الخصوص وفي بعض الدول المتقدمة الأخرى التي أصبحت بدورها محاصرة بغول البطالة المتأهب للفتك بنظمها السياسية ولإسقاط منظوماتها الاقتصادية والاجتماعية المعمول بها منذ عقود.

تكاد الشعارات التي يعهد سماعها في كل عام عند الاحتفاء بعيد العمال أن تتحوّل مع تبدّل كل المعطيات، من رفع تلك المقولة لعالم الاقتصاد كارل ماركس” يا عمال العالم اتحدوا، يا عمال العالم هبوا” إلى شعار آخر -فرضته متغيرات عدة جعلت من البطالة والعاطلين من أوكد الملفات المطروحة على طاولة العالم بأسره- فحواه “يا عمال العالم.. هبوا لنحتفل جميعا بعيد العاطل”.

إن مناسبة عيد العمال، في الأصل هي فكرة نقابية بحتة، احتفي بها للمرة الأولى في التاريخ في شيكاغو بالولايات المتحدة عام 1886، بعد إضراب نقابات أميركية، آنذاك. لكن وعلى الرغم من إشعاعها بقيت بمثابة نقطة خلافية بين عدة دول، فبمجرّد اختلاف التصورات الاقتصادية لهذه البلدان، تختلف طرق الاحتفال بالمناسبة بل وينعدم حضورها أصلا في بعض البلدان، لكن المشكلة لا تكمن اليوم في البحث عمن سيدافع عن حقوق العمال بقدر ما تتعلق بماهية من سيؤمّن حقوق العاطل على شاكلة العامل المتمترس بنقاباته التي تفرض مطالبه المهنية على الحكومات بالإضرابات والاحتجاجات.

ومع أحقية كل عمال العالم بأن يتحدوا في مثل هذا اليوم الذي يمثّل فرصة سانحة، لمطالبة النظم السياسية بالمزيد من احترام المواثيق الدولية عند تنفيذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال، فإن سؤالا مختلفا تماما ومؤرقا للعالم راهنا يتبادر إلى الأذهان، من قبيل لماذا الإصرار على إحياء عيد العمال فحسب والحال أن كل المؤشرات تشير إلى أن الأجدر هو أن يتم أيضا تخصيص يوم مماثل للعاطلين، كـ”عيد البطالة” أو “عيد العاطلين” وتكون أهدافه موجهة للبحث عن حلول جذرية وغير ترقيعية لهذه المعظلة المتفاقمة يوما بعد يوم.

المشكلة اليوم لا تكمن في البحث عمن سيدافع عن حقوق العمال بقدر ما تتعلق بماهية من سيؤمّن حقوق العاطل على شاكلة العامل المتمترس بنقاباته التي تفرض مطالبه على الدولة

إن الأقرب إلى واقعنا العربي وخاصة في الدول التي قامت فيها ثورات أو انتفاضات منذ عام 2011، أن يكون عيد العمال لا فرصة فقط لتنويه النقابات بما يبذله الشغالون من عطاء أو بمزيد الترفيع في سقف المطالب الاجتماعية التي تجعل في كثير الأحيان من العاطل ضحية ارتفاع مطالب العامل المجحفة -وهي الرواية التي دائما ما تقدمها الحكومات-، بل وجب أيضا إلقاء نظرة تأمل على الطرف الآخر للوقوف عند مآسي العاطلين أو المعطلين وخاصة من يحملون منهم شهادات جامعية عليا والذين بات عددهم يقدر بالملايين وفي ارتفاع متواصل.

هذا الهدف الأخير لن يتحقق، إلا بإطالة النظر والتعمّق في ما تقدمه الدراسات والندوات الدولية من أرقام حول غول البطالة وآخرها ما أظهره المؤتمر الدولي بالرباط المغربية الذي جاء بعنوان “الاستراتيجيات وسياسات التنمية لخلق فرص العمل في شمال أفريقيا”، والذي أظهر أن الدول التالية وهي مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب تحتوي على أعلى نسب بطالة وتقدر بـ28.8 بالمئة، أي ما يعني ضمها مجتمعة لقرابة 8.7 مليون شخص عاطل عن العمل. وكل هذه المعدلات لا تعد جديدة بل أكدتها في وقت سابق وفي أكثر من مرة منظمة العمل الدولية التي تشدد على أن المشكلة تكمن في أن هذه النسب تعد ثابتة وغير قابلة للانخفاض في مناخات اقتصادية متعثرة.

في السابق، كان شباب البلدان المذكورة، يغامر بتوسّل قوارب الموت أي قوارب الهجرة غير الشرعية لتأمين فرص عمل في دول أوروبية، لكن الوضع الراهن الذي ترجمته مثلا احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا والتي أثبتت ارتفاع بطالة الفرنسيين، بات أكثر ضبابية في أوروبا نفسها التي دخلت بدورها في منعرج كابوس العاطلين عن العمل، وعليه فلتحتفل جميع الدول بعيد البطالة ولتجعله عيدا دوليا.

قبل يوم من الاحتفاء بعيد العمال، لم تبخل مؤسسات ومراكز الدراسات الأوروبية عن دق ناقوس الخطر حول ارتفاع معدلات البطالة داخل مجتمعاتها، حيث أظهرت بيانات نشرها مكتب إحصاء الاتحاد الأوروبي (يوروستات)، أن معدلات البطالة تفاوتت بصورة كبيرة داخل مناطق الاتحاد الأوروبي عام 2018، لتتراوح من نسب ضئيلة إلى نحو ثلث القوى العاملة.

وسجلت 30 دولة معدلات بطالة بـ13.8 بالمئة على الأقل، وهو ضعف متوسط الاتحاد الأوروبي، 12 منها في اليونان و8 في إسبانيا و5 في فرنسا وإيطاليا.

إن العمل وبصفته شرطا حتميا لاستكمال إنسانية الإنسان، يستحق دون شك أن يكون محل التفاف من جل عمال العالم للاحتفاء به على طريقتهم، لكن حقيقة المؤشرات التي تصدرها المنظمات والهياكل الأممية كمنظمة العمل الدولية تستدعي ربما وبطريقة ساخرة إلى أن نقلب الأمر تماما للاحتفال بفشل الدول ونظمها السياسية المتآكلة في تأمين العمل كقيمة ضرورية لكل الناس.

13