"ظريف الطول" يعود من الذاكرة الفلسطينية تمثالا في الشارع

نابلس (فلسطين) - “ظريف الطول”، حكاية تمردت على الزمن وظلت عالقة بالذاكرة الفلسطينية، متأرجحة بين قصة محكية أو قصيدة مغناة، قبل أن تعود هذه المرة على شكل تمثال حديدي.
شخصية يتردد صداها في ذاكرة الفلسطينيين منذ عقود على شكل أغنية، وخصوصا في القرى، غير أن معظم من يتناقل هذه الأغنية لا يعرف من هو “ظريف الطول”.
يروي الرجال ما يردده الفلسطينيون في المحكية الشعبية، أن قصة ظريف الطول أو كما يطلق عليه في بعض المناطق “زريف الطول” تعود إلى الثلاثينات من القرن الماضي، عندما تحدث كبار السن في ذلك الوقت عن شاب مشهور بطوله ووسامته، قاتل القوات الإنكليزية وأصبح بطل ميادين المعارك.
الفنان التشكيلي موسى أبوعصبة (50 عاما)، قرر استحضار ظريف الطول من غيابه، فطوَّع الحديد الثقيل ليصنع تمثالا يُعد الأول من نوعه من حيث المضمون والحجم لتلك الشخصية الخيالية الغامضة.
وبدأت قصة صناعة المجسم منذ أن تعاون موسى مع صديقه الفلسطيني النمساوي أحمد دغلس لإعادة إحياء سيرة ظريف الطول، عبر البحث عن تمويل لصناعة هيكل حديدي يمثله.
وقال دغلس الذي كان أيضا يتابع وضع اللمسات الأخيرة على هذا التمثال “نريد إحياء قصة الرجل القادم من الأسطورة مجددا”.
التمثال بطول نحو متريْن وعرض متر واحد، مرتديا ثيابا تقليدية وحاملا شاعوبا (أداة يستخدمها المزارع لجمع المحصول) ويزن التمثال نحو 160 كيلوغراما
ويضع التشكيلي موسى حاليا لمساته الأخيرة على تمثاله، فبعد شهرين ونيف من العمل المتواصل في تطويع الصلب، يستعد الفنان لنقل التمثال إلى مرحلة الصقل قبل نصبه في ميدان وسط قريته “برقة”، القريبة من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة.
وعندما بدأ موسى بتشكيل ظريف الطول، لم تكن الهيئة النهائية واضحة، لكن ما أن انتهى منها حتى قال بعض سكان قريته إنها مناسبة جدا للشخصية الفلسطينية في ذلك الوقت.
واستطاع الفنان تجسيد الشخصية الشهيرة في مجسم من الصلب، بطول نحو متريْن وعرض متر واحد، مرتديا ثيابا تقليدية وحاملا شاعوبا (أداة يستخدمها المزارع لجمع المحصول).
ويزن التمثال نحو 160 كيلوغراما، ويقول موسى إنه استخدم أجود أنواع الصلب في تشكيله، لكي يتحمل عوامل الطقس.
وفي آخر أيام العمل، استقبل الحداد عددا من مواطني قريته، وروى كيف اندفع الناس للبحث عن وجه شبه بين أقاربهم وبين وجه التمثال.
وقال “البعض قال إن ظريف الطول يشبه جده والبعض الآخر قال إنه يشبه أحد أعمامه”.
وعلق رجل دلف إلى داخل الورشة فيما كان موسى يزيح بعض الغبار العالق على وجه التمثال “هذا يشبه أبي”.
وعلى حد العلم، ليست هناك صورة معروفة لظريف الطول، لكن أيضا ليس هناك تأكيد واضح على وجوده أصلا، أما بالنسبة لصانع التمثال فقد أصبح حقيقة من حديد يبالغ في تلميعه عبر أدوات الكي التي تعمل بالكهرباء وضربات الشاكوش الخفيفة.
وعن الفكرة، يضيف الفنان “أردنا أن نقدم شيئا لقريتنا ويبقى للأبد، فكان ظريف الطول”.
ويرى أن عمله سيضيف جمالا للحي القديم في قريته التي تستعد لافتتاح مشروع لإعادة ترميم البلدة القديمة.
ومنذ عدة أشهر، تجري أعمال حفر وترميم وإعادة تأهيل طرقات قديمة في البلدة القديمة من “برقة” بتمويل أوروبي.
ووفق الفنان، فإن قريته “تشتهر بالزراعة، ولذلك اخترنا شخصية ترمز للقوة، فكان ظريف الطول يحمل شاعوبا، في إشارة إلى التمسك بالأرض”.
ويعتبر هذا الفنان التشكيلي أنه استطاع إحياء قصة ظريف الطول.
وموسى ضابط متقاعد، يهوى النحت والرسم منذ الصغر، لكن ظريف الطول يعد أول تمثال يصنعه من الصلب.
ويمارس الفنان حاليا مهنة الحدادة ويملك محلا خاصا أسفل منزله القريب من الحي القديم في قريته.
ووفق الفنان، فإن “تطويع الصلب ليس بالأمر السهل، لأنه يحتاج قوة وعملا متواصلا وسرعة”.
ولتطويع الحديد، استخدم النار والمطرقة، في عمل يقول إنه “صعب ومتعب”، غير أن ذلك لم يمنع مشاعر الفرح التي طغت على ملامحه عقب إكمال تمثاله.
ويسارع سكان قرية برقة لالتقاط صور بجوار تمثال ظريف الطول، حتى قبل نقله إلى مقره الأخير في ميدان القرية.
وعن ذلك قال الضابط المتقاعد “منذ أن بدأت ملامح ظريف الطويل بالتشكّل، تهافت أهالي القرية لالتقاط الصور بجوار التمثال”.وأضاف “الناس متشوقون لظهور التمثال في الميدان”.
وبرقة بلدة فلسطينية تقع إلى الشمال من مدينة نابلس، وتشتهر بزراعة أشجار الزيتون واللوزيات.
وفي استعراضه لقصة الشخصية المحكية، قال الفنان “ظريف الطول قصة شاب ساعد أهالي قرية فلسطينية في مواجهة الانتداب البريطاني في ثلاثينات القرن الماضي”. واضاف “كان قويا، شهما وطويلا عرفت عنه القوة، وفجأة غاب عن البلدة ولا يعلم مصيره أحد، هل ترك البلدة أم استشهد”.
ويلفت إلى أن “الشعراء تغنّوا بظريف الطول وأنشدوا له القصائد”، نظرا لبطولاته التي جسدها في مقاومة الانتداب، مشيرا إلى أن “هذه الشخصية كانت تتمتع بجسم طويل وقوي”.