الموانئ الأوروبية قلقة من بريكست دون اتفاق

جوليا نوي وآنيت برتشل
روتردام - لا يوجد أي مكان آخر في إنكلترا أكثر قربا من القارة الأوروبية، يمكن من خلاله مطالعة تكوينات الحجر الجيري الشهيرة، سواء حتى في أكثر الأيام تحسنا للطقس، من ميناء دوفر. ولهذا يعتبر ميناء كاليه الفرنسي المعبر الرئيسي للأراضي البريطانية، فمن خليج دوفر، أقصر نقطة على قنال المانش، تعبر سنويا 40 مليون طن من البضائع ومليوني شاحنة، وفقا لبيانات الميناء الفرنسي. ولهذا في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) دون التوصل إلى اتفاق فقد ينشأ وضع معقد للغاية، حيث سيصبح ميناء كاليه هو نقطة الحدود الخارجية للاتحاد. وهذا يعني أن كل حاوية وكل شاحنة صادرة أو واردة من إنكلترا سوف تضطر للخضوع إلى إجراءات جمركية، والتعامل مع نقاط تفتيش، وقائمة طويلة من الإجراءات، فضلا عن قوائم الانتظار والطوابير التي لا تنتهي لكي تتمكن من العبور في كلا الجانبين.
ومع ذلك، يرفض مدير ميناء كاليه، جان مارك بويسيسيو، الإنصات لأي من ذلك، مؤكدا “لن تكون هناك أي مشاكل على الإطلاق”. ولديه بالفعل خطة مكتوبة ومفصلة بدقة وتشتمل على: موقف جديد لانتظار الشاحنات هنا، وحجر بيطري للحيوانات هناك، موضحا “نحن نستعد منذ عام للبريكست، وأصبحنا جاهزين”، معربا عن قناعته بأنه لا يتعيّن على أي أحد الانتظار لفترات طويلة، طالما أن سائقي الشاحنات يلتزمون ويستوفون الإجراءات الجمركية في الوقت المناسب.
وفقا لبويسيسيو، فإن الخطة تشمل استجواب السائقين المتجهين إلى الأراضي البريطانية، وإذا كانت أوراقهم سليمة، “إذا قالوا نعم، فنحن نثق فيهم، لن يكن هناك المزيد من الإجراءات أكثر من الموجودة حاليا، ولكن سنقوم ببعض الاختبارات على حالات عشوائية”. ويضيف أن الموقف الجديد يتسع لمئتي شاحنة في حالة السائقين غير مستوفي الأوراق، لكي يستكملوا الإجراءات، فيما يتوقع ألا تكون هناك مشكلات تشوب عمليات الاستيراد.
مع ذلك، بدأ ميناء كاليه يستشعر بالفعل تبعات خروج بريطانيا. فقبل عدة أسابيع نظم موظفو الجمارك إضرابا شاملا، مما ترتبت عليه حالة من التكدس وطوابير انتظار طويلة. ومع الالتزام الصارم من جهة العاملين باللوائح والقوانين مع التفتيش الدقيق، امتدت الطوابير لعدة كيلومترات، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل امتد إلى السكك الحديدية، حيث تعطلت رحلات قطار يوروستار، الذي يربط بين باريس ولندن، وألغيت في بعض الأحيان.
أراد منظمو الإضراب إثبات أن فرنسا ليست مستعدة بعد للتعامل مع تبعات خروج بريطانيا دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي. والأكثر إثارة للاهتمام هو أنه قبل عام كان هناك مناخ مختلف تماما في ميناء كاليه. فقد حذّر بويسيسيو من أنه يمكن حدوث اختناقات مرورية واسعة النطاق، موضحا “لقد أردنا أن نؤخذ على محمل الجد”.
وتجري الاستعدادات في ميناء روتردام أيضا منذ فترة لمرحلة ما بعد البريكست. ويقوم الوكلاء بتوزيع كتيبات المعلومات من 8 لغات على سائقي الشاحنات كل يوم. لكن على الرغم من الحملة الضخمة، هناك القليل من المتفائلين ولا يستبعدون الفوضى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويقول مدير الميناء، مارك ديك “لقد استعددنا لأقصى درجة، ولكن نخشى من أن يكون ذلك أبعد ما يكون حقيقيا بالنسبة لجميع رجال الأعمال”. ولهذا يتحسب أكبر موانئ أوروبا لأسوأ السيناريوهات، وهو أن يتم البريكست دون التوصل إلى اتفاق. ومن ثم يتعين على جميع المصدرين تسجيل حمولاتهم في منظومة بيانات رقمية بالكامل “Portbase”، إذا كانوا يرغبون في عبور الحدود الجديدة خارج الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك عبّرت وزارة النقل الهولندية عن مخاوفها من إصابة حركة النقل بالشلل، ليس فقط في منطقة الموانئ، بل يمتد إلى الطرق المؤدية إليها في المدن والقرى المجاورة. ولهذا ستتعاقد الموانئ الهولندية مع 900 موظف إضافي، نظرا لتوقعها تطبيق قواعد تفتيش إضافية تشمل 10 آلاف سفينة تجارية ونحو 10 ملايين راكب. ويؤكد الخبير الألماني شميت كيسيل “لن تكون نهاية العالم، ولكن سيكون له تأثير مدوّ وستكون كلفته باهظة بالفعل”.