شغف العرب بعلوم الفلك يقودهم إلى متاحف الفضاء

واشنطن - يعجّ التاريخ العربي بشواهد تتعلق باكتشاف الكون وعلم رصد الفلك والنجوم، وسبقت شخصيات عربية غيرها في التأمل ورصد جماليات السماء ومحاولة تفسير حركة الكون وأفول النجوم ثم الغرام بالسفر عبر الطيران.

احتلت كتب علماء مثل الخوارزمي وأحمد بن عبدالله المروزي وجابر بن سنان البتاني، مكتبات الحضارة الأوروبية لقرون طويلة لفهم طبيعة الكون المعقدة. وبنا مهندسو الطيران الكثير من نظرياتهم على رحلات ونظريات عباس بن فرناس.

المتحف يخصص ضمن عروضه فيلما بعنوان {كيف تطير الأشياء} شارحا التسلسل العلمي للطيران للأطفال

وعلى الرغم من التراجع العلمي ظل العرب يحافظون على الشغف بمتابعة علوم الفضاء، يتأملونه عن كثب ويحلمون بمواكبة كبرى شركات الفضاء والفلك العالمية.

انعكس ذلك مؤخرا عبر حالة الترقب العربية لإطلاق أول رحلة فضاء من شباب إماراتيين بدعم روسي في 25 سبتمبر المقبل. ولم تتوقف دلالات عشق العرب للفلك وعلوم الفضاء عند آمال السفر إليه، بل وقف متحف “الفضاء والطيران الوطني” في واشنطن شاهدا على الشغف بعد أن اعتلت الجاليات والسياح العرب مركزا متقدما بين جنسيات الزائرين للمتحف.

قبلة السائحين

يُمثل المتحف حالة فريدة تسعى من خلاله الولايات المتحدة إلى توظيف العلم والتقدم وتكنولوجيا الطيران سياحيا، من خلال سرد حكايات المغامرات خارج المألوف، استثمارا لحالة حب السفر كما هو كائن مع رواد الفضاء العرب، وأولهم  الأمير السعودي سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز حين صعد إلى الفضاء في مركبة فضاء أميركية سنة 1985.

وقال إدريس حسن، مهاجر عربي مقيم بالعاصمة الأميركية منذ 14 عاما، ويعمل سائقا، “العرب لا يشتهرون بحب المتاحف عموما، ويفضلون الذهاب للمنتجعات والمتاجر، ولكن متحف الفضاء والطيران يتمتع بمكانة خاصة، وفي كل مرة أزور المتحف ألتقي سائحين من دول عربية مختلفة”.

وأضاف لـ”العرب” أنه يتلقى سؤالا معتادا حول أهم المزارات والمتاحف الموجودة بالعاصمة الأميركية، وعندما يستعرض أهمها يُفاجأ باختيار الكثيرين لمتحف الفضاء، لمعرفة أسرار الكون.

وتجوّلت “العرب” في المتحف الكبير، ووجدت ضفافا من البشر يدلفون إليه، بعيون متطلعة تبحث عن المخبوء والمكنون في فعل مُغادرة المكان نحو الجديد، سواء أرضا أو مُجتمعا أو مشاهدا.. أطفال بصحبة ذويهم، تلاميذ مدارس، وصفوف من الشباب والفتيات في سن المراهقة، وعائلات من جنسيات عدة، جميعهم يتتبعون مراحل تطور الحركة في الهواء داخل الكرة الأرضية وخارجها.

يدخل المتحف ضمن مجموعة متاحف أنشأتها الولايات المتحدة على اسم العالم البريطاني جيمس سميث صن (1765-1829) الذي توفي وريثه طفلا سنة 1835 فآلت ثروته إلى الحكومة الأميركية، واستخدمتها في إنشاء مركز ثقافي بالعاصمة ضم عدة متاحف.

يطل المتحف على شارعي الاستقلال، والشارع رقم 6 ناحية جنوب غرب واشنطن، ويضم 23 قاعة عرض تحتوي على بعض المقتنيات والمعدات والصور والنماذج المرتبطة بتواريخ هامة في الفضاء والطيران.

اللافت في المتحف، الذي يأخذ شكلا تقليديا من الخارج، أنه مُنظم بشكل جيّد ومبهر، وتبيّن خارطة مبدئية له كيف أمكن جمع نظام العرض بين المقتنيات الفعلية والنماذج والصور ذات الشروح بشكل يفرز صورة قريبة الشبه من الواقع في ما يخص الفضاء وعلومه.

في الطابق السُفلي تقابلك جدارية كبيرة على اليمين وتضم صورة كبيرة لنيل آرمسترونغ، أول رائد فضاء أميركي يسير على سطح القمر، وهو يغرس علم بلاده فوق سطح القمر. وإلى جوارها نماذج متجاورة لمركبات الفضاء الأولى، على رأسها المركبة أبوللو التي حملت رحلتين إلى القمر سنة 1960 و1970، وتستعرض الشروح الوصفية للنماذج والصور كيفية اختبار سطح القمر.

وفي الطابق ذاته، يمكن استكشاف الفضاء من خلال فيديوهات معروضة تحكي قصة الكون فلكيا، وتعرض وجهة نظر العلماء وتطورها عبر السنين، متضمنة وجهات النظر الدينية بما فيها وجهة نظر الدين الإسلامي حول نشوء الكون.

حياة مع الاستكشافات

في متتالية جذابة تشرح الصور تفاصيل الاستكشافات التي قدمتها ثورة التلسكوب وتقدم وجود مجموعات شمسية أخرى. وتثير الصور الملتقطة للفضاء والقمر التي قام بتصويرها رواد خلال رحلاتهم، تساؤلات حول طبيعة ونوع الحياة التي تعيشها بعض الكائنات.

هناك قاعة عرض تُسمى سباق الفضاء توضح المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والتي بدأت سنة 1950 بمختلف مراحلها، وحتى التعاون الدولي الحالي.

تضم تلك القاعة نماذج عديدة معروضة منها مركبة الفضاء الروسية “سويوز تي.إم” 10، ومركبة “كوزموس” 1443، بالإضافة إلى القطاع العسكري المتخصص في ذلك، وكيف كان السباق في الذهاب إلى القمر.

وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، كان لها دور مبكر في استكشاف الكواكب المحيطة، فمن أولى الرحلات تلك التي قامت بها مركبة الفضاء الرائد سنة 1977 ثم تبعتها مركبة الفضاء “الرحلة 1 و2” والتي أرسل معها الرئيس الأميركي جيمي كارتر رسالة إلى أي أناس يحتمل وجودهم هناك باللغة الإنكليزية، قال فيها “هذه عيّنة من عالمنا، أصواتنا، علومنا، صورنا، موسيقانا، وأفكارنا، ومشاعرنا. فنحن نحاول النجاة في زمننا ربما نعيش لنصل إلى زمنكم”.

سلالم متواصلة تقود نحو الطابق الثاني المطل بشرفة طويلة على طائرات معلقة في الهواء تعود إلى عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، ونماذج لصواريخ طائرة وملابس لرواد فضاء سابقين.

أهم ما يميّز المتحف الأميركي أنه تجاوز المتاحف التقليدية بإحدى القاعات المخصصة لاستكشاف المجموعة الشمسية، وتوجد صور مجسمة وأفلام معروضة على الجدران، ويتجول الزائر من كوكب إلى آخر ليجدَ في الطريق تلسكوبا كبيرا يمكن أن يشاهد فيه صورا مُلتقطة من المريخ.

يهتم الجانب الآخر من المتحف بالقصص الخاصة برواد الطيران الأوائل؛ بدءا من الأخوين أورفيل وويلبر رايت اللذين طارا في 17 سبتمبر سنة 1903. وتوجد قاعة كبيرة مزدحمة في معظم الأوقات تحوي صورا ومقتنيات وحكايات العائلة، وفيها نموذج طائرتها البدائية، وبعض مقتنياتها، مع استعراض تفصيلي بالصور لتاريخ العائلة.

وقال جيفر روجر مُرشد سياحي أميركي لـ“العرب”، إن حكاية الأخوين رايت تجذب الأطفال والشباب حتى الآن رغم معرفتهم بها من قبل، وتمثل قصة حلم خيالي تحوّل إلى واقع، لذا فإنها تجذب الأحدث عمرا، الذين يحملون الكثير من الأحلام، ويتماشى ذلك مع فكرة أن الولايات المتحدة أرض الأحلام، وكافة الإنجازات العظيمة التي حققتها البشرية بدأت بأحلام.

تتناثر الحكايات عبر طائرات قديمة وصور للطيارين الأوائل مثل طائرة رايت البديلة التي طار بها كولن بروجر كأول طيار عابر للقارات في أقل من ثلاثين يوما وذلك سنة 1911. وتبدو حكاية أول رحلة طيران دون توقف والتي تمت بطائرة “فوكر تي تو” سنة 1923، مثيرة لزوار المعرض، فضلا عن أول رحلة طيران حول العالم سنة 1924، بجانب الطائرة “لوتشيهيد فايف بي فيجا”، التي ضمت أول امرأة تقود طائرة وهي إيميليا إير هارت، وطارت عبر الأطلنطي سنة 1932، كذلك نموذج لأول منطاد هوائي والذي قاده ستيف فوسيت.

لتكتمل الفكرة المعرفية الخاصة بالمتحف، الذي يضم دار عرض تقدم فيلما كل ساعة مدته 35 دقيقة، يشاهده الزائر بنظارات البعد الثالث، وتحكي بعض الأفلام رحلات الرواد عبر الفضاء.

ولأن فكرة الطيران تستهوي الأطفال والمراهقين بشكل أكبر، فقد خصص المتحف من بين عروضه فيلما بعنوان “كيف تطير الأشياء” شارحا التسلسل العلمي للطيران.