نوادي المعجبين الشباب تجمع بين الهوس بالنجوم والمبادرات الخيرية

التأثير الإيجابي للمشاهير يدفع الشباب للاهتمام بالجانب الإنساني والتطوعي في ظل تحذيرات من التأثيرات السلبية لظاهرة "الفانز".
الأحد 2019/04/28
نماذج إيجابية

ترتبط ظاهرة نوادي “فانزات” المشاهير عموما بالنموذج السلبي بسبب هوس الشباب بنجومهم وفرط حماسهم وتقليدهم لهم ومتابعتهم بأدق تفاصيل حياتهم ومحاربة منافسيهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الظاهرة لا تقتصر على ذلك إذ تبرز مجموعات أخرى ترفض أن يكون الإعجاب هوسا وتركز على الاقتداء بهم في المظاهر الإيجابية والمشاريع الخيرية والإنسانية.

لندن - تضخمت ظاهرة معجبي المشاهير “الفانز” وتحولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة صراع بين الشباب والمراهقين وهوس بتقليدهم وبمثابة قضية شخصية لمجموعات الشباب المحتشدين وراء فنانيهم المفضلين، بينما حولها آخرون إلى نماذج إيجابية ومبادرات خيرية أطلقوها باسم نجومهم.

وتبدو واضحة رغبة الفنانين بالشهرة والأضواء واكتساب أكبر عدد من المتابعين والجمهور، لكن ما يستنكره اختصاصيو علم النفس والاجتماع هو هوس الشباب المبالغ به بفنانيهم والتماهي مع أدق تفاصيل حياتهم الشخصية والدخول في صراعات مع معجبي منافسيهم.

ويتفاقم الأمر لدى بعض المراهقين فيتابعون نجما محددا سواء كان فنانا أو لاعبا بشكل مبالغ به حيث يشتركون في كل شيء يخصه عبر شبكات التواصل، ويصبح شغلهم الشاغل يكتبون عن جميع أخباره ويتحدثون عنه طوال اليوم ويقضون الساعات في البحث عن كل ما يتعلق به، وإذا وقع نجمهم في مشكلة أو أزمة اعتبروها قضيتهم الشخصية ومن واجبهم الدفاع عنه بشدة ومن الممكن الدخول مع أي شخص ينتقده في عراك.

ويصل الأمر أحيانا إلى المطاردة الشخصية بمراقبة الشخص المشهور والوقوف تحت منزله والسير خلفه.

ويلاحظ الأمر في المهرجانات والحفلات العامة، حيث يشاهد جموع الشباب وهم يبكون ويتقربون من فنانيهم، وقد يغمى على أحدهم لفرط الحماس، أو يلقي بنفسه على النجم، يحملون الورود والقلوب والصور، ويهتفون بأسمائهم بطريقة هستيرية، يتألمون لآلامهم ويأملون مع آمالهم ويفرحون لفرحهم، ويضجرون لضجرهم، يمنون النفس ويتعاطون مع شؤون الحياة بوجهات نظرهم وشخصياتهم ويتأثرون بقيمهم ومقاربتهم، ولا يكتفون بالتعبير عن “المشاعر” من خلال التقليد والتقرب بل يعيشون الأدوار ويتقمصون النبرة والمشي.

حب الظهور

ويرى علماء النفس والاجتماع أن ظاهرة الهوس بالمشاهير ترجع لطبيعة الشخص نفسه والتي قد تميزها عدم الثقة بالنفس وهذا يبرز في حب البعض بتقليد شكل المشاهير وطريقة كلامهم وحركاتهم واستخدام بعض مفرداتهم، على اعتبار أن الظاهرة تتمركز عادة عند الشباب والمراهقين أكثر من غيرهم، معتبرين أن هذه المرحلة العمرية التي تتكون فيها شخصية الأفراد تكون فيها الشخصية ميالة إلى حب الظهور ولفت الانتباه.

الظاهرة تتمركز عند الشباب والمراهقين حيث تكون فيها الشخصية ميالة إلى حب الظهور ولفت الانتباه

وظاهرة الإعجاب بالفنانين معروفة على مستوى العالم، إذ تتمحور عواطف المعجب تجاه فنان معيّن، ويمكنها أن تتفاقم لتصبح حالة مرضية يمكن أن تسيطر على صاحبها، وقد يبلغ به الأمر في بعض الأحيان حدّ إيذاء نفسه. ويتجلّى الهوس بالرغبة في حب التملّك ومطاردة المشاهير وملاحقتهم أملا في الحصول على صور معهم أو الارتباط بهم، وهذا التعلّق الجنوني قد يؤدي بالإنسان إلى القيام بأي تصرف قد يكلفه حياته وحياة من يحب.

ويؤكد الاختصاصي اللبناني في علم النفس الاجتماعي كمال بطرس، أن الإعجاب بالمشاهير له جوانب إيجابيّة وأخرى سلبيّة، “فالإيجابيات تكمن في التعزيز من تقدير الذات عندما يقوم المعجبون بتقليد الصفات الإيجابية التي يتمتع بها المشاهير، مما يعزّز شعورهم بالرضا عن أنفسهم. كما أن الإعجاب بمهارات أحد الرياضيين أو الموسيقيين وربما الممثلين قد ينمي مواهب الـ’فانز” الخاصة، وإذا كان أحد المشاهير متحدثا بارعا في قضية مهمة، فقد يزيد ذلك من وعي المعجب الاجتماعي”.

سد الفراغ

لكن الإعجاب قد يصبح مضرا بصاحبه في حال استهلك حياة المعجب، “إذ قد يصل به الأمر حدّ إهمال العلاقات الواقعيّة في حياته، مما يجعله في عزلة عن الأصدقاء والأقارب. والإفراط في الإعجاب يأتي بأسوأ النتائج، وكذلك الاشتياق المبالغ فيه إلى علاقة لن تتم، يمكن أن يؤدي بالمعجب إلى الاكتئاب. وقد تشعر المراهقات بالنقص نتيجة اعتقادهن بأنهن لسن جميلات كالشهيرات من النساء، وهذا ينتهي بالإضراب عن الطعام أو الإفراط في استخدام الماكياج والرغبة في الجراحة التجميليّة”.

ويفسر باحثو علم الاجتماع أسباب هذا الهوس والرغبة في تتبع أخبار المشاهير؛ بوقت الفراغ الذي يملأ حياة الشباب وحب الاستطلاع والفضول الذي يرغم الشخص على متابعة تفاصيل الشخصية المهووس بها، كما أنّ الآباء يلعبون دورا في هذا الجانب من خلال تعويد أبنائهم منذ نعومة أظفارهم على التعلق بالمشاهير.

ويحذرون من أن هذا الهوس بالمشاهير خصوصا ممن لا يقدمون محتوى هادفا ومؤثرا قد أدى إلى تراجع منظومة القيم والمبادئ نتيجة التقليد السلبي واللاواعي لهذه الفئة.

وقد ساهمت وسائل الإعلام بشكل كبير في تكريس هذه الظاهرة مع قيام بعض المؤسسات باستقطابهم ودعمهم، في حين أنّ هناك نخبة من أهل الابتكار والإبداع والعلوم ممن لا يحظون بهذا الاهتمام. لذلك لا بد من صناعة مؤثرين حقيقيين في الساحة الإعلامية حتى يرتقي الجيل الجديد بمستواه الفكري، حيث يمكن أن يكون المشاهير نموذجا إيجابيا يُقتدى به.

نماذج إيجابية ومبادرات خيرية يطلقها "الفانز" باسم نجومهم
نماذج إيجابية ومبادرات خيرية يطلقها "الفانز" باسم نجومهم

واعتبر يحيى اليحياوي الباحث المغربي في الإعلام أن هذا الأمر رهان وسائل الإعلام التي أصبحت كلها في خدمة ما يسمى بـ”المشاهير والنجوم” رغم أن الكثير منهم لا علاقة له بالشهرة ولا علاقة له بالفن أصلا.

وأضاف أن دور الإعلام في صناعة النجوم ورسم صورة يتحول الارتباط بها لحد الهوس، وهو ما يشمل النجوم في شتى الميادين سواء في الفن أو الكرة أو الموضة وحتى السياسة، موضحا أن الإعلام نفسه لم يسلم من صنيعته في إشارة إلى مشاهير الصحافة والإعلام الذين لا يمتلكون ثقافة كافية أو تمكنا من اللغة الإعلامية.

وأشار اليحياوي إلى أن مظاهر الهوس كالإغماء والتقليد والتقمص كانت عبارة عن مظاهر مرتبطة بالغرب وبعيدة شيئا ما عن مجتمعاتنا، لكنها انتقلت إلينا عبر الإعلام والصورة.

ويقول الباحثون إن الظاهرة النجومية صناعة إعلامية واقتصادية لها خبراؤها ومؤسساتها وسياساتها التسويقية الهادفة إلى إعادة تشكيل الأذواق الجماعية وخلق الرغبات واختلاق الحاجات الاستهلاكية؛ وأن الآلة الإعلامية أصبحت قائمة على سياسات الترفيه بدل الحرص على استراتيجيات التثقيف، وعلى بعد الإثارة عوض خط الإنارة الفكرية والثقافية، فتتلاعب بالعقول وتسطح الوعي وتصنع قدوة مزيفة تنطلق من نموذج استهلاكي هدفه تحقيق المصلحة الشخصية والربح السريع وتعظيم المتعة وزيادة اللذة فيصبح معيار الترقي الاجتماعي عند الشباب هو: أحسن صوت أو أفضل موهبة أو أجمل جسد أو أنجح مقلد أو أضخم أكلة…الخ.

وفي المقابل يعتبر الكثير من هؤلاء المعجبين الشباب أنهم لا يشكلون ظاهرة سلبية ويرفضون أن يعتبر إعجابهم هوسا، ويقولون إنهم يستلهمون من الشخصيات المشهورة المعجبين بها الدافع للنجاح والاستمرار والوصول إلى الأهداف في ظل الظروف الصعبة، ويقول إن طريق الشهرة ليس سهلا ونجومهم سلكوا دربا شاقا للوصول إلى ما هم عليه لذلك يستحقون كل الدعم.

وفي السنوات الأخيرة لقيت الفرق الكورية الجنوبية مثل فرقة “سوبر جونيور” جماهيرية شعبية بين الشباب العرب الذين نظموا نوادي خاصة يتبادلون فيها أخبارا وإنتاجات فنية.

ظاهرة الهوس بالفنانين يمكنها أن تتفاقم لتصبح حالة مرضية
ظاهرة الهوس بالفنانين يمكنها أن تتفاقم لتصبح حالة مرضية

ويقول المشاركون في نادي “سوجو وينجز”  الذي يجمع معجبين فرقة “سوبر جونيور” “إن سوبر جونيور بالنسبة لنا هم أشخاص عرفناهم بالصغر، عرفنا الكثير عنهم. تابعنا حياتهم عن قرب وقضينا معهم سنين حتى أصبح كل ما يخصهم يخصنا، بل كشغف بالنسبة لنا، فقط هذا الشغف ما يدفعنا دوما لفعل كل ما يمكن من أجل رؤيتهم يتألقون. كنوع من رد الجميل لهم لكونهم منذ عرفناهم هم مصدر سعادة وراحة، كجزء من عائلة كبيرة. سوبر جونيور يعنون لنا السعادة والأخوة والاحترام والعمل الجاد والموسيقى الراقية”.

وأضافوا “سبب دعمنا وكوننا قاعدة معجبين حصريين لهم بغض النظر عن أعمالهم الفنية، فهم لديهم التأثير الإيجابي خصوصا في اهتمامهم بالجانب الإنساني ودعمهم للكثير من المنظمات الخيرية الدولية على سبيل المثال تشوي شيون هو سفير النوايا الحسنة لليونيسيف والذي يقوم بأعمال تطوعية عديدة في مجال الأطفال. ففي هذه المرحلة من حياتنا خصوصا أننا طالبات جامعيات أو خريجات أو موظفات فقد تشجعنا وأقدمنا على هذه الخطوة لنؤثر بإيجابية في هذه الحياة. أما العلاقة المتينة فهي لم تُبن في يوم واحد بل هي جهود نمت بين الطرفين خلال هذه السنوات، فعلاقتنا بهم علاقة مبنية على الحب والاحترام والدعم والامتنان”.

وقرر نادي المعجبين العام الماضي أن يركز 90 بالمئة من نشاطهم على مشاريع نحو الأعمال الخيرية. وتم إطلاق “#حملة_ياقوت” على جميع المشاريع الخيرية الخاصة بها. وسُميت الحملة باسم “ياقوت” تيمُنا بلون الألف الأزرق الياقوتي الذي يُعبر عن أصدقاء سوبر جونيور الأبديين، وعلى حد قولهم، الياقوت الأزرق حجر كريم يُشير إلى نقاء الروح والولاء والسعادة، وهو من الأحجار التي لها القدرة على تحسين صحة الجسم والمساعدة على مُحاربة الأمراض.

وأكدوا أنه لا يوجد شيء يدعو للاستغراب، “فنحن مثل الأشخاص المتابعين المخلصين لكرة القدم أو المسلسلات التركية والأجنبية وغيرها. اهتماماتنا وحبنا هما متابعة الفن الكوري وشغفنا هو فرقة سوبر جونيور. ومن خلال هذا الشغف والدعم نتج هذا العمل الإيجابي الذي نتمنى أن يكون أول خطوة نحو أعمال إيجابية مؤثرة في الحياة والمجتمع العربي”.

19