استطلاعات الرأي التونسية بحاجة إلى الشفافية لكسب ثقة الجمهور

تونس- يحتدم الجدل في تونس حول نشر نتائج عمليات استطلاع الرأي في وسائل الإعلام وتأثيرها على آراء الناخبين، في ظل غياب الشفافية بشأن الجهات التي تقوم بهذه الاستطلاعات وتفاصيل العملية ككل، واتهامات بانحيازها لأطراف سياسية معينة.
وأكد خبراء إعلام في ورشة حوار نظمت الأربعاء حول “استطلاعات الرأي والسياسة والميديا في تونس”، أن الفوضى التي تعتري استطلاعات الرأي في وسائل الإعلام جعلت التونسيين لا يثقون في نتائجها، لكن رغم ذلك لا يجب منعها بل تحتاج إلى تنظيم استنادا إلى معايير واضحة.
وأشار صادق الحمامي، أستاذ محاضر بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، إلى وجود خلط بين مفهومي “استطلاعات الرأي” و”قياس الجمهور”، منبّها إلى ضرورة التمييز بين المفهومين، نظرا إلى أن قياس الجمهور نشاط منفصل بذاته.
وأكد على أهمية استطلاعات الرأي في العملية السياسية باعتبارها أحد مؤشرات الحياة الديمقراطية، منتقدا المواقف الداعية إلى منع نشر استطلاعات الرأي. وقال “لا يجب منع نشر استطلاعات الرأي بل يقتضي تنظيم عملية نشرها ليتمكّن الجمهور من الحصول على قدر أكبر من المعلومات في إطار الشفافية”.
ودعا إلى ضرورة قيام مكاتب استطلاع الرأي بنشر الجهة التي طلبت القيام باستطلاع الرأي وموّلته وطريقة إجرائه مع ذكر العيّنة وهامش الخطأ، لضمان شفافية الاستطلاعات.
وتساءل الحمامي عن مدى تحلّي مكاتب استطلاع الرأي بالجرأة الكافية لإجراء استطلاع رأي عن مدى ثقة التونسيين في استطلاعات الرأي التي تقوم بها.
وبدوره، لم يُخف مدير مؤسسة “امرود كونسيلتنغ” نبيل بالعم، وجود جدل حول نتائج استطلاعات الرأي لاسيّما مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، مبرزا أن ما يُسمّى بـ”التصويت المحتشم” يساهم في إحداث بعض الأخطاء على مستوى النتائج.
واستدلّ على ذلك بالقول إن من المستجوبين من يُخفي نيّته التصويت لحزب ما، على غرار ما حدث في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي لسنة 2011 عندما صعدت قائمة العريضة الشعبية (تيار المحبة حاليا).واقترح بالعم آلية التعديل الذاتي للقطاع وإحداث لجنة لاستطلاع الرأي تتألف من مختصّين في الإحصاء والقانون والإعلام، تتدخّل لمنع التجاوزات والحدّ من الانتهاكات التي تقوم بها مكاتب استطلاع الرأي.
ونفى أن يكون مشروع القانون المتعلّق بـ“تنظيم سبر الآراء واستطلاعات الرأي وإنجازها ونشرها” حلا ناجعا لمنع حدوث انتهاكات في القطاع. وحمّل الإعلام جانبا من المسؤولية في قراءة نتائج استطلاعات الرأي، داعيا وسائل الإعلام إلى التثبّت من طريقة صياغة الأسئلة وتركيبتها.
ومن جهته اعتبر غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي والنائب عن الكتلة الديمقراطية بمجلس النواب، أن نتائج استطلاعات الرأي التي تنشرها مكاتب استطلاعات الرأي بالشراكة مع بعض وسائل الإعلام غير صحيحة، ووصفها بأنها “عملية احتيال وغش وتوجيه للرأي العام”.
وقال إن هناك عملية “تلاعب ومحاولة إضفاء مصداقية على نتائج استطلاعات الرأي”، مشيرا إلى أن “العملية الديمقراطية مهدّدة” إذا لم يتم تنظيم عملية نشر استطلاعات الرأي. واتهم الشواشي الائتلاف الحاكم بتعطيل النظر في مشروع القانون المتعلّق بـ”تنظيم سبر الآراء واستطلاعات الرأي وإنجازها ونشرها” لتصدّرها المراتب الأولى في النتائج.
وكان حزب التيار الديمقراطي تقدم بمبادرة برلمانية لتقنين عمليات سبر الآراء، تضمنت وضع شروط محددة لنشاط مؤسسات سبر الآراء طبقا للمواصفات الدولية، وتشكيل هيئة مستقلة تراقب أعمالها، مع وضع عقوبات على المتلاعبين بالأرقام، لما يمثّل ذلك من خطورة على الديمقراطية الناشئة، إلا أنّ المبادرة لم ترَ النور.
وتحدّثت الصحافية بجريدة الصباح منية العرفاوي عن صعوبة نفاذ الصحافي إلى المعلومة في ما يتعلّق بمعرفة العيّنة التي شملها الاستجواب وطريقة صياغة الأسئلة والجهة التي طلبت القيام باستطلاع الرأي وموّلته. وأضافت أن أغلب مكاتب استطلاع الرأي في تونس “تعمل بصفة عشوائية” وتفتقد في عملها إلى الموضوعية.
وبالعودة إلى استطلاعات الرأي العالمية، أثبتت التجربة فشل مؤسسات عريقة في مقاربة نتائج تصويت الناخبين الحقيقية في دول مثل الولايات المتحدة، ما يعني أن المسألة تثير جدلا حتى في الدول الغربية، وليس فقط في تونس.
وكانت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها ترامب عام 2016 صدمة لوسائل الإعلام التي نشرت نتائج مخالفة، أي بفارق كبير. ومن أبرز الاستطلاعات كان استطلاع أجرته “رويترز” و“إبسوس”، قبل ساعات فقط من توجه الناخبين الأميركيين للإدلاء بأصواتهم أفاد بأن فرص المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في هزيمة ترامب والفوز بالسباق الرئاسي تصل إلى نحو 90 بالمئة.
وأظهر استطلاع آخر لـ“فوكس نيوز” تقدم كلينتون نقطتين مئويتين على المرشح الجمهوري دونالد ترامب في السباق للانتخابات، إضافة إلى استطلاعات كثيرة توصلت إلى ذات المضمون.
ويتساءل متابعون للشأن الإعلامي في تونس، إذا كان الخبراء المتابعون لاستطلاعات الرأي قد أخذوا بالاعتبار التجارب العالمية للاستفادة منها وتجنب نقاط الضعف والأخطاء المتكررة في هذا المجال، لاسيما مع حالة الجدل المترافقة بعدم الثقة بمؤسسات الإعلام ومكاتب استطلاع الرأي واتهامها بالانحياز لصالح أطراف معينة.