مقاطعة عرب إسرائيل للانتخابات.. الكنيست الإسرائيلي لا يمنح صك حقوق للعرب

لندن - يعود هذا الجدل إلى بدايات الصراع، حين كان النقاش يدور في صفوف النخب العربية في إسرائيل، حول نجاعة المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية في إسرائيل. وكانت حجج الفرقاء المختلفين تدور حول ضرورة الحفاظ على الهوية الفلسطينية داخل المجتمع الإسرائيلي، والدفاع عن حقوق العرب داخل الدولة التي قامت عام 1948.
وانقسم العرب في إسرائيل داخل معسكرين: الأول يعتبر أن العرب ليسوا مواطنين إسرائيليين، بل أفرادا احتلت قوة استعمارية أرضهم وصادرت حقهم في قيام دولة مستقلة لهم على غرار الدول التي قامت في المنطقة بعد انسحاب الدول الاستعمارية، لاسيما فرنسا وبريطانيا. الثاني، معسكر ينصح بالقبول بالأمر الواقع والتعامل معه، وعدم الهروب من حقيقته، مع ما يسببه ذلك الهروب من تهميش للهوية العربية، بما سيؤدي إلى زوال السكان الأصليين داخل الرواية الإسرائيلية التاريخية وحدها.
وقد انقسم عرب 1948، وهي التسمية التي يفضلونها عادة عما هو متعارف عليه باسم عرب إسرائيل، داخل أحزاب متعددة الهويات. بعض هذه الأحزاب كان يساريا متأثرا بسطوة الاتحاد السوفييتي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعضها الآخر كان قوميا عروبيا متأثرا بالتيار العروبي، خصوصا الناصري والبعثي، الذي راج في المنطقة في خمسينات وستينات القرن الماضي، أما الثالث فينتمي إلى الحركات الإسلامية التي كانت تنهل مراجعها الفكرية من المدارس الإسلامية المتعددة سواء في نسخها الإخوانية أو السلفية أو الصوفية.
والحقيقة أن مبدأ المشاركة السياسية لعرب 48 شكل صدمة لكافة القوى السياسية العربية في العالم العربي. حتى أن أكثر الدول العربية كانت ترفض استقبال شخصيات عربية في أراضي 48، بسبب حملها لجواز سفر إسرائيلي محظور دخوله إلى الدول العربية، فيما أن حمل صفة المواطنة الإسرائيلية لطالما كانت توصف بالعمالة سواء كان هذا الوصف عقائديا أو شعبويا انتهازيا.
يبقى أن النخب السياسية العربية في إسرائيل خاضت الانتخابات تحت عنوان الدفاع عن الهوية العربية. وقد برزت من داخل هذه النخب أسماء اعتبرت نفسها امتدادا للحركة الوطنية الفلسطينية التي راجت خصوصا بعد انطلاق حركة فتح عام 1967. ومع ذلك لا يمكن القول إن هذه المشاركة السياسية العربية من داخل المؤسسات السياسية الإسرائيلية قد قدمت الشيء الكثير للمواطن العربي داخل الدولة العبرية.
ورفض المشاركة في العملية الانتخابية الذي تتبناه شرائح سياسية ومدنية داخل المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، نابع من رفض مبدئي لتوفير مصداقية لنظام عنصري يعامل السكان الأصليين معاملة مواطنين من الدرجة الثانية، ويجعل من المجتمع الفلسطيني على هامش الحركة التربوية والاقتصادية والتنموية، وطبعا السياسية، للدولة التي يعيشون بها.
رفض المشاركة في العملية الانتخابية نابع من رفض مبدئي لتوفير مصداقية لنظام عنصري يعامل السكان الأصليين معاملة مواطنين من الدرجة الثانية
ويعتبر الرافضون للمشاركة أن إسرائيل تقدم نفسها دولة ديمقراطية تحترم كافة مكونات المجتمع السياسي من خلال المشاركة العربية الهزيلة والرمزية والهامشية للصوت العربي داخل الكنيست الإسرائيلي. ويضيف هؤلاء أن وجود شخصيات عربية، درزية، داخل الحكومات الإسرائيلية وفّر لإسرائيل صورة انفتاح تسوقها ضد الدول التي تدين الممارسات الإسرائيلية ضد العرب، سواء داخل إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ورفض المشاركة في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية لا ينبع فقط من حيثيات وأسباب مبدئية أو أيديولوجية، بل إنها أيضا وليدة التجربة الفاشلة، حسب وصف المعارضين لمسار المشاركة التي ارتأتها تيارات وأحزاب وشخصيات مستقلة داخل الكنيست. لا بل يعتبر الرافضون أن الانتخابات لطالما كانت أداة من أدوات تفتيت الحضور العربي في إسرائيل ومناسبة لتعزيز الانقسام الداخلي العربي في أراضي 48.
ويرى الرافضون للمشاركة في أي استحقاق انتخابي إسرائيلي، أن أمر انخراط “عرب إسرائيل” في تلك الانتخابات يمثل اعترافا ضمنيا بشرعية دولة إسرائيل وشرعية احتلالها لفلسطين وشرعية القرارات الدولية التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة وشرّعت لقيام دولة إسرائيل قبل أكثر من سبعين عاما.
كما أن هذه المشاركة حولت القضية الفلسطينية داخل أراضي 48 إلى قضية مطلبية تتعلق بتحسين شروط معيشة شريحة من مواطني الدولة العبرية، فيما تسقط المشاركة في الانتخابات دينامية المطالب الوطنية التاريخية الفلسطينية.
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل تنظم من خلال مشاركة العرب في هذا البلد عملية السيطرة الاستعمارية الكاملة التي تمارسها على الشعب الأصيل.
ويأخذ المعارضون للمشاركة في الانتخابات على القوى السياسية العربية المشاركة الالتهاء بخطاب تنافسي يعد بالإصلاح والتطوير على غرار ما يحصل داخل الدول “الطبيعية”، مغيبين بذلك الأسس الحقيقية للصراع مع إسرائيل. ويعتبر المعارضون أن عنوان المشاركة والاعتراض من الداخل قد فشل تماما، متسائلين عن طبيعة التقدم الذي أحرزه العرب في إسرائيل من خلال منابر نوابهم داخل البرلمان الإسرائيلي.