هل ينقذ أصحاب المليارات الصحافة مجانا

بات تمويل وسائل الإعلام عبر هبات من مؤسسات أو أشخاص أمرا مألوفا في الصحافة العالمية، غير أن هذا النموذج من التمويل يثير المخاوف من أن أصحاب المليارات يريدون تحسين صورتهم، ولكن الأكثر خطورة هو تهديد استقلالية الصحافة عبر تشجيع أجندات سياسية بشكل غير مباشر.
بيرودجا (إيطاليا) - أمام الأزمات المالية التي تواجهها الصحافة ووسائل الإعلام العالمية، باتت مسألة الدعم المالي والمنح من قبل شركات أو مؤسسات متعددة أمرا مألوفا، لكن المخاوف تتزايد بشأن ضمان استقلالية الصحافة ونزاهتها في هذا النموذج الاقتصادي.
وتجبر تحديات الواقع الرقمي الراهن، عددا كبيرا من وسائل الإعلام على قبول دعم مؤسسات، في سياق البحث عن نموذج اقتصادي جديد يضمن لها الاستمرارية في شراكة يمكن أن تثير مسائل أخلاقية وكذلك ارتياب الرأي العام.
وذكرت مؤسسة “فاونديشن سنتر” الأميركية غير الحكومية أن أكثر من 13 مليار دولار وزعت في العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، حول رهانات على صلة بالإعلام.
وفيما تتراجع العائدات الإعلانية ويتقلص عدد الصحف وتقفل أو يتم شراؤها، فإن تمويل وسائل الإعلام عبر الهبات بات أمرا مألوفا في الولايات المتحدة، كما على صعيدي الصحة والتعليم.
وقد نوقش هذا الموضوع نهاية الأسبوع الماضي في المهرجان الدولي الثالث عشر للصحافة في مدينة بيرودجا الإيطالية، حيث توافد عدد كبير من أصحاب وسائل الإعلام والمؤسسات للتباحث حول مستقبلها والبحث أيضا عن الطرق الكفيلة لتمويلها.
وفي المؤتمر قالت فيفيان شيللر، المسؤولة السابقة عن الإذاعة الأميركية العامة “إن بي آر” التي تلقت هبة قياسية بلغت 200 مليون دولار من أرملة مؤسس ماكدونالدز، إن “الصحافة المستقلة والقائمة على الوقائع مهددة في العالم أجمع. هذا ما دفع عددا كبيرا من الناس إلى دعمنا”.
وهذه المبالغ الطائلة التي تُضاف إليها مساهمات القراء والمانحين الآخرين، ستحيي في الولايات المتحدة، صحافة محلية تزداد تشرذما وتتيح إجراء تحقيقات حول موضوعات مهملة. كما أن تطوير وسائل التصدي للمعلومات المضللة والبحث عن نماذج اقتصادية مستقرة جديدة للصحافة، هما أيضا من الأولويات.
الهبات والمساهمات ودعم القراء والمانحون يحييون الصحافة المحلية في ظل تراجع عائدات الإعلانات وتقلص عدد الصحف
وفي فرنسا حيث تدعم الدولة تعدد وسائل الإعلام، تلقت صحيفة لوموند أيضا أكثر من مليون دولار من مؤسسة “بيل وميليندا غيتس”، من بين مانحين آخرين، لدعم موقعها “لوموند أفريك”. وساهم الزوجان غايتس أيضا بطريقة غير مباشرة في نشر “وثائق بنما” من خلال دعم الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
وفي أوكرانيا وطاجيكستان وشرق أفريقيا أيضا، تدعم مؤسسة “أوبن سوسايتي” (المجتمع المفتوح) التي يرأسها جورج سوروس، وسائل إعلام أو منظمات غير حكومية ناشطة في المجال الإعلامي.
وقد منح كريغ نيومارك، المؤسس الملياردير لموقع “كرايغس ليست”، عشرين مليون دولار إلى موقع “ذي ماركاب” الذي يجري تحقيقات حول التكنولوجيا الرفيعة المستوى. وأصبحت للرجل، الذي حول إلى الإنترنت الإعلانات الصغيرة التي كانت تمول الصحافة المحلية، مدرسة في الصحافة تحمل اسمه في نيويورك، ويشارك في تمويل مهرجان بيرودجا مع غوغل وفيسبوك. مشددا أن “صحافة جديرة بالثقة تُشكل منظومة حصانة للديمقراطية. وعلى الذين حالفهم الحظ دعم ذلك”.
والسؤال الذي يطرح في هذا الحال: كيف يقاس تأثير الأموال المدفوعة؟ ويقول نيومارك “لا أعرف حتى الآن، وما زلت أتعلم”.
وتخضع هذه التأثيرات لمناقشات كثيرة. ويُشتبه في أن أصحاب المليارات يريدون تحسين صورتهم، ولكن خصوصا تشجيع أجندات سياسية غير واضحة.
وأعرب عالم الاجتماع الأميركي رودني بينسون عن قلقه في مقالة نشرها في 2017، من خطر تواجهه وسائل الإعلام جراء “الانخراط في الأجندة السياسية للمؤسسات، وتضاؤل قدرتها على التحقيق في موضوعات مهمة”.
ويقول نيشانت لالواني، من مؤسسة “لومينايت” لمؤسس موقع إي باي، بيار أوميديار “نحاول بناء مجتمعات أقوى في البلدان التي نعمل فيها”. وأضاف “نحن نعمل خصوصا في البلدان التي يصعب فيها إصلاح الأنظمة السياسية”.
وتعطي المؤسسات الكثير من المنح الدراسية حول المسابقات التي تعلمت وسائل الإعلام والصحافيون الترشح إليها.
لكن الشراكات الكبرى بين المؤسسات ووسائل الإعلام، تحصل بطريقة غير رسمية، وأحيانا بتدخل وسطاء موثوق بهم. ويُعد آدم توماس مدير المركز الأوروبي للصحافة، واحدا منهم. وقال إن تمويل المؤسسات يؤدي إلى تطوير دور الصحافيين. وأضاف “يعتقد البعض أن ليس من واجبهم تغيير أي شيء، وأن دورهم هو البقاء على الحياد.
ويعترف رئيس التحرير السابق لصحيفة الغارديان آلان روسبريدغر، بأن على الصحافيين توخي الحذر، مثل النموذج الحالي القائم على الإعلان، لكن “إذا كانت لديك قواعد وكنت شفافا، فمن المفترض ألا يكون ذلك مشكلة”.