الحافلات ذاتية القيادة مستقبل النقل العمومي في المدن المزدحمة

تشهد المدن العربية الكبرى كثافة سكانية تزداد يوما بعد يوم وازدحاما مروريا يبدأ منذ الصباح بسمفونية منبهات مزعجة للمارة، لكن مع ذلك تبقى الحلول التي تسعى إليها الدول المتقدمة لتنظيم وتطوير قطاع المواصلات خاصة في المدن المكتظة من خلال الحافلات ذاتية القيادة غير مطروحة على الدول العربية، باستثناء الأمارات العربية التي دخلت في تجربة المواصلات الذكية والسعودية التي تبدي اهتماما بهذا النقل الذكي.
برلين – تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أنه بحلول العام 2050، سيعيش 70 بالمئة من سكان العالم تقريبا في المناطق الحضرية، ما سيجعل المدينة مكتظة الآن بالناس والعربات أكثر ازدحاما، وهو أمر دفع بالعديد من الدول إلى البحث عن تأمين مواصلات أكثر تنظيما وأمنا وأقل تلويثا للبيئة.
ويتوقع خبراء السيارات أن تغزو الحافلات ذاتية القيادة المدن المزدحة وتكون الحل الأمثل للكثافة السكانية، وظهرت مؤخرا العديد من المركبات الاختبارية، التي تعتمد على نظام القيادة الآلية من أجل تنقل أكثر أمانا وراحة وسرعة، ما يسهم في حل مشكلة التكدس المروري في الطرقات.
ووفقا لرابطة النقل العامة الأميركية، تسجل ولاية مثل نيويورك، على سبيل المثال، أكثر من 2.5 مليون مرة ركوب حافلات يوميا، وفي لوس أنجلس تسجل البيانات أيضا أكثر من مليون مرة ركوب يوميا، وهذه الحافلات تمثل جزءا حيويا من نظام النقل في أي مدينة، حيث تقوم بربط الناس بوظائفهم ومدارسهم وحاجتهم إلى التسوق.
ويعتقد هؤلاء الخبراء أن الحافلات ذاتية القيادة، تصبح أكثر فائدة للملايين من البشر، حيث ستعود بفائدة أكبر على قطاع أوسع من المستخدمين، وتوفر خدمات لتسهيل الحياة اليومية.
ويرى الخبير الألماني توماس موزر، أن الحافلات آلية القيادة ستكتب فصل النهاية للحافلات وسيارات الأجرة التقليدية في المستقبل القريب والتي ملأت المدن هواء ملوثا، موضحا أن الحافلات آلية القيادة تقوم بجمع الركاب، الذين قاموا باستدعائها عبر تطبيق على الهاتف الذكي، كما أنها تحسب مسارها لجلب أكبر عدد من العملاء في أقل وقت ممكن إلى هدف الوصول.
صحيح أن التكنولوجيا تنجح كل يوم في ترجمة ما كان خيالا علميا إلى واقع ملموس، لكن تبقى المشكلة المطروحة أمام نجاح المركبات ذاتية القيادة، هي البنية التحتية غير المهيأة حقيقة للنقل الذكي، والذي ستعتمد مركباته حتما على تجهيزات رادارية وعلى طرقات توفر السير الآمن لها.
وإذا كانت الدول المتقدمة قادرة على توفير بنية تحتية صالحة لمشاريع النقل التكنولوجية وخاصة شبكات الاتصالات وسرعة نقل المعلومات، فإن الدول النامية ستكون أمام مأزق حقيقي، خاصة وأن أغلب مدنها بنيت دون تخطيط لمواجهة الازدحام المروري.
تجارب الحافلات ذاتية القيادة فكرة انطلقت منذ سنوات في العديد من المدن المتفرقة في العالم المتقدم، فمنذ سنة 2015 استقبلت مدينة تريكالا اليونانية حافلة ركاب ذاتية القيادة، قالت عنها المواطنة ديسبوينا سمارة، “إنها لا تحدث ضوضاء بالمرة، هناك فقط صوت الجرس الذي يعلن قدوم الحافلة، إنه الصوت الوحيد الذي أتذكر سماعه، الحافلة تسير بسرعة مثيرة للإعجاب،لأني اعتقدت أنها أبطأ من ذلك، أطفالي معجبون بها كثيرا، إنها تتحرك بهدوء على الطريق”.
وفي عام 2016 تم إطلاق أول حافلتين ذاتيتي القيادة، حيث بدأتا بالتجول في شوارع العاصمة الفنلندية هلسنكي، التي تطمح لأن تصبح مدينة خالية من السيارات في السنوات العشر المقبلة.
وبعد ذلك تتالت التجارب في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا ودول آسيا مثل اليابان والصين، أما في الوطن العربي فقد توقفت تجارب الحافلات ذاتية القيادة على الإمارات العربية المتحدة، فمنذ 2016 أعلنت دبي عن استراتيجية تجعل ربع المركبات في الإمارة ذاتية القيادة بحلول عام 2030، وبدأت حافلة تتسع لعشرة ركاب رحلاتها على شوارع دبي.
ودشنت عجمان في الشهر الثاني من السنة الجارية أول حافلة ذاتية القيادة تسير في شوارع الإمارة في إطار مشروع يمكن حافلات المواصلات العامة من استخدام تقنيات القيادة الذاتية ودمج كل من الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء للتحكم الكامل في الحافلة دون أي تدخل بشري.
قد تنجح هذه التجربة في دول خليجية أخرى مثل السعودية التي تبدي اهتماما بهذا النوع الجديد من المركبات وتخطط لاستخدامها مستقبلا، لكن في بقية الدول العربية الأخرى سيظل المشروع ضربا من أضغاث الأحلام، إذ كيف ستسير مثل هذه الحافلات في عواصم مكتظة كبغداد والقاهرة وتونس والجزائر أو طرابلس.
يصر الخبراء على أن الحافلات ذاتية القيادة ستقلل من معدل الحوادث المرورية بشكل كبير، بما ستوفره من أنظمة اتصالات ذاتية بينها وبين السيارات الأخرى التي تعمل بنفس النظام على الطريق، لتفادي الحوادث، وتفادي الطرق المزدحمة وأماكن الاختناقات أيضا، إلا أن هذا ربما سيحتاج إلى الكثير من العمل على تطوير البنية التحتية لشبكات الاتصالات ونقل المعلومات.
ويتوقع فولفغانغ بيرنهارت، من مؤسسة الاستشارات “رولاند بيرغر” الألمانية، أن تحدث الحافلات آلية القيادة ثورة في وسائل النقل العام خلال العقد القادم، لما تتمتع به من مزايا عديدة، مثل التنقل الأكثر أمانا وراحة والأقل وقتا وتكلفة، وسيعود انخفاض عدد المركبات على الطريق بالنفع على تدفق حركة المرور وانسيابها، فضلا عن خفض الانبعاثات الضارة بالبيئة.
وفي هذا الإطار كشفت العديد من الشركات عن حافلات اختبارية، أبرزها الحافلة مرسيدس “فيجين أروبانتيك”، والتي قامت بالفعل بأداء رحلة حقيقية بمدينة لاس فيغاس الأميركية، جمعت خلالها 12 راكبا وأوصلتهم إلى هدف محدد. ومن الشركات الأخرى، التي تعكف على تطوير حافلات آلية القيادة، شركة بوش وكونتيننتال، وشركة إي.جي.أو الألمانية الناشئة، والتي أعلنت مؤخرا عن دخول الحافلة الكهربائية آلية القيادة مرحلة الإنتاج القياسي في 2019.
ومن شأن هذه المركبات أن تستخدم سيارات أجرة خاصة على المدى الطويل لاصطحاب الزبائن من منازلهم وإيصالهم إلى المحطات، لكن الطرقات العامة ليست معبدة بالورود لتسير عليها الحافلات ذاتية القيادة بكل أمان، فعلى الرغم من نجاح تجارب كثيرة لهذا النوع من المركبات، إلا أن تجارب أخرى منيت بالفشل وتعرضت لحوادث جعلت السؤال المتعلق بنجاح التكنولوجيا في تنظيم سير الحافلات ذاتية القيادة قائما خاصة بالنسبة إلى الناس الذين ما زالوا لا يثقون كثيرا في فوز التكنولوجيا على مخاوفهم.