رحلة مصر للطيران أم إس 804: الطائرة كانت غير صالحة للإقلاع

يلغي تقرير محققين فرنسيين في حادثة تحطم طائرة إيرباص إيه 230 التابعة لمصر للطيران خلال رحلة بين باريس والقاهرة، فكرة العمل الإرهابي التي اعتمدتها السلطات المصرية كفرضية أولى في حادثة الطائرة. ويؤكد الخبراء أن التاريخ يعيد نفسه مع شركة الطيران المصرية، حيث تغلب دائما فرضية الإهمال ونقص الصيانة. فقد واجهت الشركة اتهامات بإهمال أمن طائرتها وفشلها في التفطن إلى المشكلات الفنية قبل انطلاق الرحلات.
باريس - بعد ثلاث سنوات على تحطّم طائرة إيرباص إيه 230 التابعة لمصر للطيران خلال رحلة بين باريس والقاهرة، أصدر المحققون تقريرهم حول ملابسات الحادث، والذي يحمل المسؤولية بشكل صريح لشركة مصر للطيران، مشيرا إلى أن سبب الكارثة التي أودت بحياة 66 شخصا، الإهمال ونقص الصيانة.
سقطت الرحلة أم إس 804 في البحر المتوسط في 19 مايو 2016 بين جزيرة كريت اليونانية والساحل الشمالي لمصر، وكانت الطائرة سافرت إلى إريتريا وتونس وفرنسا قبل أن تختفي بشكل مفاجئ عن شاشات الرادار، وتنتهي بحادثة أسفرت عن مقتل 40 مصريا و15 فرنسيا.
في البداية، تحدثت القاهرة عن مؤشرات لتعرضها لاعتداء، ومال الجميع إلى تبني هذه الفرضية، خاصة وأن الحادثة جاءت والعالم سجل في تلك الفترة صعودا على مؤشر الأعمال الإرهابية، لكن، بعد فترة وجيزة بدأت باريس تتحدث عن فرضية وقوع خلل تقني، وبدا الأمر مقنعا أكثر خاصة وأن للشركة المصرية تاريخا مع الاتهامات بإهمال أمن طائرتها وفشلها في التفطن إلى المشكلات الفنية قبل انطلاق الرحلات.
وكلف قضاة التحقيق الثلاثة الذين يتولون القضية في باريس جهتي خبرة بإعادة تركيب سيناريو الكارثة. وسلّم التقرير الأول المرتبط بصيانة الطائرة للقضاء في يونيو، ويتضمن 76 صفحة، كشفت عنه صحيفة لو باريزيان الفرنسية.
وتحدّث الخبيران في تقييمهما عن وجود “نقص كبير في الدقة لدى الطواقم والخدمات الفنية لدى مصر للطيران” في تعاملها مع الملفات التقنية للطائرة. ويكشف التقرير عن عدم تبليغ الطيارين الذين تناوبوا على قيادة الطائرة عن عدة حوادث صادفوها وبالتالي لم تتبع ذلك عمليات صيانة.
وقالا إنه لم يتم الإبلاغ عن عيوب “إلا عند تواجد الطائرة في مركزها الرئيسي في القاهرة من أجل تفادي تأخيرها قبل عودتها (…) الوقت اللازم لإصلاحها”.
وقال أنطوان لاشونو محامي عائلة كليمان ديشنير-كورماري، الذي قتل عن 26 عاما في الحادثة، “عندما يجري تجاهل الإنذارات بشكل متكرر، يؤدي ذلك إلى سقوط الطائرة، ويصبح من المستحيل تأييد فكرة أن الأمر حصل بالصدفة. يجب، استنادا إلى ذلك التقرير وإلى التحقيقات، استخلاص النتائج المتعلقة بمسؤولية مختلف الأطراف المعنية”.
عيوب متكررة
يقول التقرير إن “التقييم بيَّن أن تلك الطائرة كان يجب أن تخضع لعمليات فحص بعد رحلاتها الأربع الأخيرة، ولم يكن من المفترض أن تغادر القاهرة بعد ظهور عيوب متكررة، لم تبلغ عنها الطواقم التي تناوبت على قيادتها”.
ووفق التقرير، لم يكن التقني المعنيّ قادرا على منعها من الطيران قبل إقلاعها من مطار رواسي شارل ديغول في باريس، لجهله بعيوبها السابقة.
وألقى الخبيران (وهما تقني ومحقق جوي) الضوء على ثغرات محتملة في كفاءات وأهلية التقني الذي كان مكلفا بصيانة الطائرة في باريس. وخلصا إلى أن الطائرة ما كان ينبغي أن تقلع بسبب “عيوب متكررة”.
ومع ذلك، رفض الخبيران الخروج بأي خلاصة نهائية، لكنهما يؤكدان ما راج في تقييمات سابقة من أن سبب الحادثة الرئيسي هو “خلل كهربائي كبير”.
ويطرح الخبيران تساؤلات أيضا بشأن استبدال صندوق يحتوي على قناع الأوكسجين الخاص بمساعد الطيار ولأسباب مجهولة، ثلاثة أيام قبل التحطم. ويوضحان أن “استبدال هذه المعدات يتطلب فحصا شديد الدقة كون تسرب الأوكسجين خطيرا بحد ذاته”.
وفي تقرير نشر في صيف 2018، أكد مكتب التحقيقات الفرنسي لسلامة الطيران المدني أن فرضيته “الأكثر ترجيحا” هي “نشوب حريق في قمرة القيادة.. حريق تطوّر بسرعة وأدى إلى فقدان السيطرة على الطائرة”.
ومن المقرر أن يحدّد تقييم خبرة جديد طلبه القضاء ما إذا كانت هواتف ومعدات ذكية موجودة في قمرة القيادة السبب في ارتفاع سريع في الحرارة تسبب في نشوب حريق. وبحسب مصدر قريب من الملف، بدأ المحققون في تحليل نسخة من التسجيلات الصوتية في قمرة القيادة المستخلصة من أحد الصندوقين الأسودين.

وتمكن القضاء، بعد انتظاره تلك المعطيات طويلا، من الحصول عليها الخريف الماضي خلال تفتيش مكتب التحقيقات الفرنسي لسلامة الطيران المدني.
وفي الجانب المصري، أنهت السلطات في عام 2016 تحقيقاتها الأمنية، ونقلت الملف إلى القضاء المصري، دون صدور أي جديد حتى الآن بشأن الملف.
وأكدت القاهرة في ديسمبر 2016 عثورها على مخلفات متفجرات على أشلاء الضحايا، وهو ما شكك به الجانب الفرنسي، مع عدم تبني أي تنظيم عملية إسقاط الطائرة.
ولا تجد التبريرات المصرية صدى قويا، خاصة وأن للشركة المصرية تاريخا مع حوادث الطيران، التي يرجع خبراء وتحقيقات سابقة أن من بين أسبابها الرئيسية أن “الطيارين المصريين لا يبلغون عن المشكلات التي قد تطرأ على الطائرة إلا في القاهرة تجنبا لإصلاح الطائرة في بلد آخر”، ما قد يعتبر استهانة بحياة الناس.
وتضاف كارثة الرحلة أم أس 804 إلى قائمة طويلة من الحوادث من أشهرها حادث تحطم الطائرة ماكدونل دوغلاس دي سي 9-32 المتجهة من القاهرة نحو عدن في مارس 1972 ما أسفر عن مقتل 42 شخصا. وفي يوم عيد الميلاد سنة 1976، تحطمت طائرة بوينغ 707 التابعة لشركة مصر للطيران ومتجهة إلى مطار دون موينغ الدولي في بانكوك وقتل جميع الركاب بالإضافة إلى 19 شخصا كانوا في مكان سقوطها. لام المحققون الطيار، بينما اتهمت مصر برج المراقبة التايلاندي وحملته مسؤولية الفشل في تحذير الطاقم من سوء الطقس.
وسنة 1999 تسببت حادثة الرحلة 990 في توتر العلاقة بين واشنطن والقاهرة. إذ تحطمت الطائرة بوينغ 767، التابعة للخطوط المصرية، بعد أن اختفت فجأة عن أجهزة الرادارات بعد نحو ساعة من إقلاعها، قبالة ساحل ماساتشوستس الأميركية. وأحاط الغموض بهذا الحادث الذي وقع بتاريخ 31 أكتوبر 1999 وأسفر عن مقتل 217 شخصا.
لكن، على عكس سيناريو الرحلة أم أس 804، رجحت السلطات الأميركية فرضية العمل الإرهابي ووجهت أصابع الاتهام إلى مساعد قائد جميل البطوطي، في حين ردت السلطات المصرية بأن سبب الحادث خطأ تقني.
ويستعيد الصحافي الكندي دروين غاريغر تفاصيل هذه الحادثة، مشيرا إلى أنه جاء في التقرير أن البطوطي لم يكن متفاجئا عندما بدأت مقدمة الطائرة تغوص، وكذلك لم يجب على تساؤلات قائد الطائرة محمود الحبشي عندما عاد من دورة المياه إلى قمرة القيادة بعد 14 ثانية من بدء الهبوط الحاد. ومن ناحيتها، أصرت هيئة الطيران المدني المصرية على أن الخطأ كان ميكانيكيا، ورفضت قبول التحقيق الأميركي باعتباره منحازا، ومازالت تنفي رسميا انتحار البطوطي.
حوداث متكررة

تكررت الحوادث، ففي 7 مايو 2002 أقلعت طائرة مصر للطيران رحلة 843 من مطار القاهرة الدولي متوجهة إلى مطار تونس قرطاج الدولي بتونس، وقبل هبوط الطائرة بدقائق، وعلى بعد 6 كم فقط من المطار اصطدمت الطائرة بإحدى التلال المرتفعة المحيطة بالعاصمة التونسية، ونتج عن الحادث مقتل 15 شخصا وإصابة 49 آخرين.
وفي 29 يوليو 2011، تعرضت طائرة تابعة لمصر للطيران، متجهة من القاهرة إلى جدة، لعطل فني، وكان على متنها 307 ركاب و10 من أفراد الطاقم وجرح 7 أشخاص. ونجا جميع الركاب والطاقم.
واليوم، تخضع مصر مرة أخرى للتدقيق بسبب الغموض الذي أحاط بحادثة الرحلة أم إس 804، فيما يسلط التقرير الفرنسي الضوء على سوء إدارة السلطات المصرية والشرطة الطيران التابعة لها، أزمات الحوادث.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت، في تغطية بعد أيام قليلة من الحادث، عن مسؤولين مصريين أن الطائرة تحطمت في الهواء بعد اندلاع حريق داخلها، وجاء ذلك بعد عثورهم على آثار مواد متفجرة على ضحايا الحادث، وفي الوقت الذي عجزت فيه هيئة سلامة الطيران في فرنسا عن تحديد أدلة تفيد سبب الحادث.
لكن، دروين غاريغر يؤكد أنه “على عكس الكوارث الجوية المصرية السابقة، رجحت الحكومة المصرية فرضية الحادث الإرهابي، في الوقت الذي كانت فيه البيانات غير واضحة ولم تعلن أي جماعة إرهابية مسؤوليتها”، مضيفا أن “القاهرة كانت ترغب في تحويل اللوم على الدول الأخرى. فمن شأن أي هجوم إرهابي أن ينعكس على أمن المطارات في فرنسا، في حين ستوجه مسؤولية أي خلل فني في الطائرة إلى شركة مصر للطيران”.
وانتقد رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، آدم شيف، عدم تعاون مصر في التحقيقات الدولية عبر السنين، وقال إنها “سعت إلى التحكم في الوصول إلى الحطام وتدفق المعلومات أثناء التحقيق”.
ويقول خبراء إن أساليب تحويل اللوم في مصر هي وسيلة لحماية الاقتصاد الهش في البلاد وقطاع السياحة فيها، لكنهم يحذرون المسؤولين من أن التقرير الفرنسي الأخير قد يضر بسمعة الشركة المصرية، التي تعد واحدة من أقدم شركات الطيران في العالم، فلا أحد قد يغامر بقطع تذكرة رحلة على متن خطوطها قد لا تكون بلا عودة، في وقت يسجل فيه العالم تصاعدا في عدد حوادث الطيران.
