أردوغان يستحضر خطابه المتشنج: سنذكر آيا صوفيا كمسجد لا كمتحف

الرئيس التركي يتقن ويستحسن الإدلاء بتصريحات تثير الحماسة الدينية وتغازل القواعد الإسلامية في تركيا، خاصة أثناء المناسبات السياسية.
الجمعة 2019/03/29
آيا صوفيا الذي يستغله أردوغان في دعايته الانتخابية

أنقرة - قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مساء الأربعاء، إنه “لن يتم ذكر آيا صوفيا كمتحف، حيث سيخرج من وضعه هذا، وسنذكره كمسجد”.

جاء ذلك في تصريحات أدلى بها أردوغان خلال مشاركته في مقابلة تلفزيونية مشتركة مع محطتين محليتين، تطرق خلالها إلى الحديث عن آخر التطورات الراهنة على الساحتين المحلية والدولية.

وشدد الرئيس التركي على أن مسألة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد “مطلب يتطلع إليه شعبنا والعالم الإسلامي، أي هو مطلب للجميع، فشعبنا مشتاق منذ سنوات لأن يراه مسجدا”.

وتابع قائلا “لقد كانت مسألة تحويل اسم هذا المكان إلى متحف خطأ كبيرا، وقد آن الأوان لاتخاذ خطوة لتغيير هذا الوضع، وبناء عليه لن يتم ذكر آيا صوفيا كمتحف، حيث سيخرج من وضعه هذا، وسنذكره كمسجد”.

وأضاف “سيأتي السياح من كل مكان ليزورا مسجد آيا صوفيا، وليس متحف آيا صوفيا كما يزورون مسجدي السلطان أحمد، والسليمانية بإسطنبول”.

واستطرد قائلا “البعض يخرج علينا ليطلب منا ألا نفعل ذلك، وهم لا ينبسون ببنت شفة حيال ما يحدث من اعتداءات تحدث بالمسجد الأقصى حيث يدخله الجنود ببنادقهم، ويلقون بالمصاحف على الأرض، فنحن مسلمون ومثل هذه الأمور تضايقنا، لذلك على الصامتين حيال ذلك ألا يخرجوا ليعلمّونا ما نفعل أو ما لا نفعل”.

وسبق أن ذكر الرئيس التركي أنه سيتم التخطيط بعد الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها الأحد المقبل، “لإعادة آيا صوفيا إلى أصله، وليس جعله مجانيا فقط، وهذا يعني أنه لن يصبح متحفا، وسيسمى مسجدا”.

يذكر أن متحف آيا صوفيا يمثل معلما تاريخيا ذائع الصيت في إسطنبول، وكان في الأصل كاتدرائية أرثوذكسية شرقية سابقا، في الحقبة البيزنطية، قبل أن يتم تحويله إلى مسجد على يد السلطان محمد الفاتح، ثم إلى متحف ديني في العام 1935، أثناء رئاسة الزعيم التركي العلماني مصطفى كمال أتاتورك.

الواضح أن أردوغان يتقن ويستحسن الإدلاء بتصريحات تثير الحماسة الدينية وتغازل القواعد الإسلامية في تركيا، خاصة أثناء المناسبات السياسية التي يقدر أنها تحتاج رفع نبرة الهوية والانتماء الإسلامي، من قبيل الانتخابات البلدية التي تستعد تركيا لتنظيمها الأحد القادم.

ويدخل أردوغان هذه المناسبات السياسية مدججا بجملة من المواقف المتوترة، على شاكلة قضية فلسطين أو الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا، أو من خلال مهاجمة التظاهرات النسوية، أو مؤخرا من خلال العزف على وتر مسجد آيا صوفيا.

في مطلع الشهر الجاري، نشر رئيس مكتب الاتصال في الرئاسة التركية، لقطات لأردوغان، وهو يقرأ أبياتا من الشعر في ميدان عام بولاية سيرت، وهو المكان الذي قال فيه عبارات عام 1997 وتسببت في اعتقاله.

وعاد أردوغان بعد هذه السنوات إلى الميدان ذاته، خلال لقاء بحشد انتخابي من مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم، وقال “الديمقراطية هي مجرد القطار الذي نستقله للوصول إلى الهدف. مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. والمؤمنون جنودنا. هذا هو الجيش المقدس الذي يحرس ديننا”، وهي أبيات الشعر ذاتها التي تسببت في محاكمته وسجنه بتهمة التحريض على الكراهية الدينية.

وقد عاد أردوغان في 8 مارس الجاري ليكرر الخطاب نفسه في ما عدّ مغازلة للإسلاميين، وثأرا من تلك المرحلة التي سجن خلالها والقوانين التي حوكم بناء عليها.

Thumbnail

لا يمكن عزل تصريح أردوغان الأخير، المتعلق بآيا صوفيا، عن غيره من التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي في هذا التوقيت الحساس، سواء تركيا وعالميا.

هناك حساسية داخلية يمكن تبينها من أن أردوغان يلجأ دائما في الاستحقاقات السياسية الكبيرة، إلى المراهنة على الخطاب المتشنج القائم على إثارة العواطف والانتماءات الدينية. وحساسية عالمية تقوم على ما استجد مؤخرا سواء في حادثة نيوزيلندا الإرهابية، أو من خلال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية.

حساسيات متداخلة كان خلالها أردوغان وفيا لنفسه، في استعمال الخطابات والتصريحات النارية، التي يؤجج عبرها العواطف الدينية. في ما يتصل بعملية نيوزيلندا، أثار أردوغان غضبا أستراليا وتنديدا نيوزيلنديا حين حذر من أن الأستراليين المناهضين للمسلمين، مثل منفذ مجزرة المسجدين في مدينة كرايست شيرش النيوزيلندية، “سيرسلون في نعوش مثل أجدادهم إثر معركة غاليبولي في الحرب العالمية الأولى”.

ولذلك استدعت أستراليا مبعوث تركيا للاحتجاج على هذه التصريحات، واحتجّ نائب رئيسة الوزراء النيوزيلندي، وينستون بيترز، محذرا من أنّ تسييس المجزرة “يعرض للخطر مستقبل وسلامة الشعب في نيوزيلندا والخارج، وهو غير منصف إطلاقا”، ما اضطر مسؤول الإعلام في الرئاسة التركية، إلى تبرير تصريح الرئيس التركي بالقول إن تصريحات أردوغان، “أُخرجت من سياقها”.

يراهن الرئيس التركي على إثارة حماسة الرأي التركي بشكل خاص، والإسلامي بشكل عام، باتخاذ مواقف متشنجة مجانبة للواقع وللتاريخ، وللنظام السياسي للدولة التي يرأسها.

مواقف من شأنها إثارة المزيد من الانقسامات في المجتمع التركي بين مسلمين وغير إسلاميين، ثم بين إسلاميين وعلمانيين، فضلا عن اللعب على الانقسامات الأخرى السائدة بطبعها.

إن الهمّ الانتخابي يسبق الانشغال بالوحدة الوطنية لدى الرئيس التركي، لذلك يلاحظ تصعيده خلال المواسم السياسية، والتقاطه لكل فرصة يرى أنها مناسبة للتوظيف الديني.

13