تحركات الجيش الليبي تشتت انتباه المتطرفين بين سرت وترهونة

تزاديت مخاوف التيار المتطرف المسيطر على مدينة مصراتة ذات الثقل السياسي والعسكري غرب ليبيا، من وصول الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر إلى العاصمة طرابلس، وهو ما دفعه إلى التحرك في اتجاه سرت وترهونة وهما المدينتان اللتان يخشى المتطرفون عبور الجيش من إحداهما.
وتسود حالة من الترقب في ليبيا بعد اللقاء الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والمشير خليفة حفتر في أبوظبي نهاية فبراير الماضي. واكتفت البعثة الأممية التي أشرفت على اللقاء بالتأكيد أن الطرفين اتفقا على إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات عامة، إلا أن مراقبين يتوقعون أن يكون قد جرى الاتفاق بين الطرفين أيضا على دخول الجيش إلى العاصمة وتأمينها استعدادا للانتخابات.
وعقب ذلك اللقاء بنحو أسبوع، أعلن المكتب الإعلامي للقيادة العامة للجيش عن خروج أرتال عسكرية ضخمة دون أن يذكر وجهتها، وهو ما أحاط الوضع بالكثير من الغموض.
وتحشد قوات تابعة للجيش قرب سرت منذ نحو أسبوعين، ما دفع ميليشيات البنيان المرصوص (قوة تشكلت في 2016 لتحرير سرت من داعش) إلى إطلاق تصريحات تحذيرية.
وقال المتحدث باسم عملية “البنيان المرصوص” اللواء محمد الغصري إن أي محاولة اعتداء على سرت (شمال) هي بمثابة “إعلان حرب” ستكون عواقبها كارثية ونحن مستعدون لها.
والأربعاء، زار رئيس مجلس الدولة السابق المقرب من الإسلاميين عبدالرحمن السويحلي مدينة سرت، وهي الخطوة التي طرحت عدة تساؤلات بشأن هدفها.
وقال السويحلي المنحدر من مدينة مصراتة، في تغريدة على صفحته بموقع تويتر عقب الزيارة “التقيت اليوم في سرت أسود البنيان المرصوص المرابطين ضمن قوة حماية سرت وتأكدت من عزيمتهم الصلبة في مواجهة تحديات بناء ليبيا المدنية الديمقراطية سواء كانت تنظيمات إرهابية أو مشاريع عودة الاستبداد وحكم الفرد” في إشارة إلى الجيش الوطني وقائده حفتر.
هناك تحالفا غير معلن بين الإخوان وتحديدا حزب العدالة والبناء بقيادة محمد صوان ومجموعة من النشطاء السياسيين ورجال الأعمال (التيار المدني)، في مواجهة التيار المتطرف الذي يعد السويحلي أحد وجوهه
وأضاف “هناك تضحيات جسام تقابل عمليا بجحود وإنكار ودعم ضئيل من مجلس رئاسي عاجز يهدر المليارات”، في إشارة إلى رفض المجلس دعم “البنيان المرصوص” لوجستيا وعسكريا وهو ما يعكس وجود توتر أو غياب ثقة بين الطرفين.
ولم يسجل المجلس الرئاسي أي موقف بشأن تحشيد الجيش قرب سرت، ما يعمق مخاوف الإسلاميين من وجود موافقة على دخول حفتر إلى المدينة، على غرار ما جرى في الجنوب حيث استجاب السراج متأخرا لضغوط الإسلاميين للتصدي لسيطرة الجيش على المنطقة التي تسمى تاريخيا بإقليم فزان.
وتحظى سرت بأهمية على المستوى الاستراتيجي حيث تتوسط المسافة بين طرابلس غربا ومدينة بنغازي شرقا، وتوجد بها قاعدة جوية (القرضابية)، التي لا تبعد عن مصراتة، سوى بنحو 250 كلم فقط. كما أن أغلب سكانها من قبيلة الفرجان نفس القبيلة التي ينحدر منها حفتر.
ورغم أن التيار الإسلامي ما زال يسيطر على مصراتة، إلا أن الخلافات التي نشبت داخل المدينة خلال السنوات الماضية وتحديدا منذ دخول المجلس الرئاسي إلى طرابلس، نجحت في إحداث انقسامات وتصدعات داخل المدينة.
ويبدو أن هناك تحالفا غير معلن بين الإخوان وتحديدا حزب العدالة والبناء بقيادة محمد صوان ومجموعة من النشطاء السياسيين ورجال الأعمال (التيار المدني)، في مواجهة التيار المتطرف الذي يعد السويحلي أحد وجوهه.
ولا يرفض التحالف المذكور التعاون مع حفتر وهو ما تؤكده تحركات فتحي باشاغا وزير الداخلية الذي أطلق مفاوضات مع سلطات الشرق لتوحيد المؤسسة الأمنية عقب توليه المنصب في أكتوبر الماضي.
وتسهل كل هذه المعطيات مهمة دخول الجيش إلى سرت وهي الخطوة التي إن تمت ستفتح له الطريق نحو طرابس، لكن مراقبين يستبعدون إقدامه عليها لاعتبارات تتمثل في دخول سرت في نطاق النفوذ الأميركي، وسيطرة الجيش عليها تساعد فرنسا الداعم القوي لحفتر، في بسط نفوذها على المدينة.
ويعتبر هؤلاء المراقبون أن تحشيد الجيش على تخوم سرت هدفه التصدي لهجوم محتمل على الجفرة من قبل فلول “سرايا الدفاع عن بنغازي” والآمر السابق لحرس المنشآت النفطية إبراهيم الجضران، وتشتيت انتباه معرقلي التسوية عن تحركات الجيش نحو العاصمة.
وتشهد مدينة ترهونة منذ أيام حالة استنفار عقب تحشيد ميليشيات طرابلس جنوب شرق العاصمة لشن هجوم على المدينة، بتهمة دعم الجيش.
وقالت مصادر من غرب ليبيا لـ”العرب” إن وفدا من مدينة مصراتة زار الثلاثاء مدينة ترهونة، تزامنا مع انتهاء مهلة منحتها ميليشيات طرابلس للمدينة لتحديد موقفها من الجيش، وتسليم اللواء السابع لسلاحه، بسبب مخاوف من إمكانية دخول الجيش إلى طرابلس عن طريق ترهونة.
ويعد اللواء السابع خصما لميليشيات طرابلس، التي هاجمها نهاية أغسطس الماضي، لتنتهي الاشتباكات بينهما بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار رعته البعثة الأممية.
وقال اللواء السابع حينئذ إن هجومه على طرابلس يهدف إلى تخليصها من “دواعش المال العام” في إشارة إلى الميليشيات المسيطرة على العاصمة.
ويتكون اللواء من ميليشيا الكاني وعسكريين نظاميين قاتلوا إلى جانب النظام حتى سقوطه في 2011، وهو الأمر الذي يثير مخاوف المتطرفين من إمكانية تحالفه مع الجيش. كما تنبع مخاوف المتطرفين أيضا من كون ترهونة مسقط رأس المشير خليفة حفتر.
وتزايدت حدة تلك المخاوف عقب أنباء عن تكليف حفتر للواء عبدالسلام الحاسي بقيادة غرفة عمليات طرابلس بعد انتهاء المعارك في الجنوب، وسط أنباء عن بدء ممارسة مهامه من قاعدة الوطية العسكرية.