الإمارات ترحّل موظفا أشاد بمذبحة نيوزيلندا

قرار دولة الإمارات العربية المتحدة ترحيل موظف من أراضيها بعد احتفائه بالعملية الإرهابية في نيوزيلندا، كان قرارا سياسيا منسجما مع الموقف المبدئي من الإرهاب بشتى أشكاله. الموقف من الإرهاب هو موقف من خطاب الكراهية الذي ينتجه، ورفض للقراءات التي تبرره أو تجد له مسوغات، وهو أيضا موقف من الأفكار التي تمده بالأرضيات الفكرية، وعلى ذلك فإن قرار ترحيل موظف على خلفية تدوينة مشيدة بالإرهاب ليس مجرد قرار قضائي أو قانوني، بل هو أعمق من ذلك إذ يتجه إلى محاصرة الإرهاب، فكرا وممارسة.
دبي – أعلنت شركة أمنية في دبي الأربعاء أنها طردت موظفا أجنبيا يعمل لديها قبل أن يجري ترحيله من الإمارات، بعدما احتفى عبر موقع فيسبوك بالهجوم على مسجدين في نيوزيلندا أدى إلى مقتل 50 شخصا.
وأعلنت “مجموعة ترانس غارد” في بيان أن الموظف نشر تصريحات “تحتفي بالهجوم المشين” على المسجدين عبر استخدامه حسابا على الموقع باسم مستعار. وتم التعرف إلى هوية الموظف بعد تحقيق داخلي وتم طرده وتسليمه للسلطات الإماراتية التي قامت بترحيله بعدها، بحسب بيان الشركة.
ولم توضح الشركة أي تفاصيل عن الموظف أو جنسيته أو هويته، ولم يكن بالإمكان الحصول على معلومات من السلطات الإماراتية.
ونقل البيان عن المسؤول في الشركة غريغ وارد تأكيده “لدينا سياسة عدم التسامح مطلقا مع الاستخدام غير الملائم لوسائل التواصل الاجتماعي، ونتيجة لذلك تم إنهاء عمل هذا الشخص فورا وتسليمه إلى السلطات لمواجهة العدالة”. وأكّدت الشركة أن قرارها يستند إلى قوانين الجرائم الإلكترونية في دولة الإمارات.
وذكرت الشركة أن حكومة الإمارات قامت بترحيل الموظف. ولم تذكر الشركة، التي تملكها مجموعة الإمارات، التعليقات التي كتبها الموظف أو اسمه أو جنسيته أو وظيفته في الشركة. ولم يرد مسؤولون في الحكومة الإماراتية على طلبات للتعقيب حتى الآن. وقالت متحدثة باسم مجموعة الإمارات إن الشركة ليس لديها ما تضيفه لبيان ترانس غارد.
يذكر أنه قُتل ما لا يقل عن خمسين شخصا إضافة إلى إصابة العشرات بعدما أطلق مسلح النار على مسجدين في كرايست تشيرش في نيوزيلندا أثناء صلاة الجمعة في ما وُصف بأنه أسوأ حادث قتل جماعي بالرصاص في التاريخ المعاصر للبلاد.
وعلى خلفية الجريمة تم توجيه تهمة القتل إلى الأسترالي برينتون تارانت (28 عاما)، المشتبه بكونه من المتطرفين المعتقدين بتميز العرق الأبيض، يوم السبت.
وعلى إثر تلك العملية الإرهابية، أجمع كل قادة العالم على التنديد بها واعتبارها منعرجا خطيرا يهدد التعايش الإنساني ويمثل خطرا على حرية المعتقد، حيث قالت مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه إن هذا الاعتداء “الإجرامي والإرهابي الناتج عن الرهاب من الإسلام تذكير آخر بأن العنصرية تقتل”، قبل أن يقف مجلس حقوق الإنسان دقيقة صمت خلال جلسة مخصصة لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة.
ويجدر التذكير بأن دولة الإمارات، التي اتخذت قرار ترحيل موظف أشاد بالعملية، كانت قد نددت بالعملية وبمرتكبها وبالخلفيات السياسية التي نهضت عليها، وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الثلاثاء اتصالا هاتفيا مع جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء جمهورية نيوزيلندا الصديقة أعرب خلاله عن خالص تعازيه ومواساته للحكومة والشعب النيوزيلندي الصديق وأسر ضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا وأسفر عن عشرات الضحايا القتلى والجرحى الأبرياء، سائلا المولى تعالى أن يتغمد الضحايا برحمته ورضوانه ويمن على المصابين بالشفاء العاجل.
وشدد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال الاتصال، على الضرورة الملحة لتكثيف الجهود الدولية لمحاربة التعصب والإرهاب الذي لا دين له ومواجهة كل أشكال العنف والتطرف بجانب تعزيز ونشر قيم التسامح والتعايش والسلام بين شعوب العالم.
من جانبها أعربت رئيسة وزراء نيوزيلندا عن خالص شكرها وتقديرها للشيخ محمد بن زايد آل نهيان على ما أبداه من مشاعر إنسانية صادقة تجاه نيوزيلندا وشعبها وأسر الضحايا في هذا الموقف الأليم. وجرى خلال الاتصال تأكيد علاقات الصداقة والتعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية نيوزيلندا والقيم المشتركة للتسامح والتعايش بين البلدين.
وتعليقا على معاني القرار الإماراتي أكد الباحث العراقي رشيد الخيون، أنه “إذا كانت الإشادة بهذه الجريمة النكراء تمر بلا حساب وعقاب وموقف صارم، فمعنى هذا أن الإرهاب صار سمة للعصر، هو الصحيح والتسامح والسلم هما الخطأ”.
وأضاف “في ما يخص بلدا مثل الإمارات أصدر قانونا يُعاقب دعاة العنف والعنصرية، ويعيش فيه نحو مئتي جنسية من شتى بقاع الأرض ومن مختلف العقائد، فلا يمكن أن يمر الاستهزاء بالدماء من أيٍ كان، بلا موقف صارم ضده”. واعتبر أن “الاحتفاء بمثل هذه الجريمة يشبه مَن يربت على ظهر الذئب أو التمساح وهو يفترس إنسانا. ولعل مرتكب الجريمة أكثر وحشية من الذئب والتمساح، فذاك يفترس بغريزة الجوع، وقد يعف عند الشبع، وهذا يفترس بغريزة الكراهية والحقد”.