روما على طريق الحرير الصيني.. نفوذ بكين يتمدد إلى قلب أوروبا

روما - وسط أجواء مشحونة برفض أميركي وأوروبي، يبدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ، هذا الأسبوع، جولة أوروبية يكون منطلقها إيطاليا ومن ثمة موناكو وفرنسا، وقد تفضي إلى انضمام إيطاليا إلى مبادرة “طريق الحرير”.
ومن المتوقع أن يتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الصين وإيطاليا، لتكون أول دولة عضو في مجموعة السبع لكبرى الدول الصناعية في العالم تنضم إلى المبادرة المعروفة باسم “طريق الحرير” خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لروما نهاية الأسبوع الجاري.
ويهدف مشروع “طرق الحرير الجديدة”، بحسب بكين، إلى تعزيز الترابط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا ويقضي بتمويل بنى تحتية برية وبحرية تضم طرقات وسكك حديد وموانئ، تزيد كلفتها الإجمالية على ألف مليار دولار.
وتثير هذه الخطة التي باشرتها الصين في 2013 انقساما في أوروبا، مع انضمام بعض البلدان مثل اليونان وعدد من دول أوروبا الشرقية إليها.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اعتبر الأسبوع الماضي أنه بات على الأوروبيين اتباع “مقاربة منسقة” مع الصين.
وتسعى الصين إلى تأسيس شراكات مع دول أخرى لإقامة موانئ وخطوط سكك حديدية ومحطات للطاقة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات معها في مجالات التعليم والبحث العلمي والثقافة.
ويصف مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أميركي رائد، “طريق الحرير” بأنه “أكثر مشروعات الاستثمار طموحا في مجال البنية التحتية عبر التاريخ”.
وتشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقلق إزاء التداعيات المحتملة حال انضمام إيطاليا بالفعل إلى المبادرة الصينية، حيث سيسمح ذلك لبكين بتوسيع نطاق وجودها ونفوذها في قلب أوروبا.
وغرد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جاريت ماركيز على موقع “تويتر” قائلا إن “الموافقة على مبادرة الحزام والطريق تعطي شرعية لنهج الصين الشره في مجال الاستثمار ولن تجلب نفعا للشعب الإيطالي”.
أما رئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي فقد قال إن “الاتفاق مع الصين سيكون ‘اقتصاديا وتجاريا’ تماما، وليست له أي تداعيات علىالسياسة الخارجية”.
وأضاف، في مقابلة مع صحيفة “كوريا ديلا سيرا” الإيطالية، أن المطروح على الطاولة هو مذكرة تفاهم، وليس اتفاقية دولية ملزمة، وهي تضع “إطارا للأهداف والمبادئ وأنماط التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق”.
من جهته، أكد ميشيل جيراسي، وزير الدولة بوزارة التنمية الاقتصادية الإيطالية لصحيفة “إل ميساجارو”، أن مذكرة التفاهم تتعلق بقواعد توفير الحماية للشركات الإيطالية التي لها علاقات تجارية مع الصين. وينظر إلى جيراسي على نطاق واسع على أنه يقف خلف المحور “الصيني-الإيطالي”.
ويقول نيقولا كاساريني، الخبير في شؤون الصين بمركز “آي أي آي” الإيطالي للأبحاث، “القول إن مذكرة التفاهم اقتصادية وتجارية بحتة ليس صادقا من الناحية العقلية. يرى كل شخص، بداية من الصينيين، التوقيع (على المذكرة) على أنه إيماءة سياسية على موافقة إيطاليا” على مبادرة “الحزام والطريق”.
وترى الصين في مشروع طريق الحرير أداة لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي وتعزيز العلاقات التجارية وتنصيب نفسها زعيمة لقارة آسيا.
ويندد معارضون بمبادرة “الحزام والطريق” حيث يرونها تمثل شكلا من أشكال “دبلوماسية الديون”، فقد اضطرت سريلانكا العام الماضي إلى تسليم موانئها إلى الصين بعدما عجزت عن دفع ديونها لبكين. وانسحبت ماليزيا من المشروع خشية عبء الديون.
وأشارت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي إلى أن الاستثمارات الصينية “كثيرا ما تتجاهل الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والمالية، وقد تنجم عنها مستويات مرتفعة من الديون، وتحول في السيطرة على الأصول والموارد الاستراتيجية”.
وعلى الرغم من ذلك، أبرمت العشرات من الدول، وبينها 13 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي من وسط القارة، اتفاقيات مع الصين لدعم مبادرة “الحزام والطريق”.
ويقول كاساريني إن انضمام إيطاليا إلى القائمة سيمثل “نجاحا دعائيا لا يقدر بثمن” لبكين.
وتقول آليسيا أميجيني، كبير محللي الشؤون الآسيوية بمركز “آي أس بي آي” البحثي في إيطاليا، إن موافقة روما ستكون “نجاحا يعتز به” بالنسبة للصين و”تحركا مثيرا للشقاق” بالنسبة لأوروبا و”مجموعة شمال الأطلسي”.
وتضيف أميجيني أن توقيع الصين اتفاقيات ثنائية مع دول أوروبية منفردة يمثل جزءا من استراتيجية “فرق تسد” التي تقلل من مخاطر التعامل مع الاتحاد الأوروبي كتكتل.
وتطرح العديد من الأسئلة حول قبول إيطاليا بالانضمام إلى هذه الاتفاقية، ويقول كاساريني إن هناك ثلاثة أسباب: الأول هو أن روما تأمل في زيادة صادرات المنتجات الإيطالية إلى السوق الصينية، وتشديد الضوابط على تقليد البضائع الإيطالية في الصين. ثانيا، تأمل روما تحت مظلة مبادرة “الحزام والطريق” في جذب المزيد من الاستثمارات الصينية إلى الاقتصاد الإيطالي الذي يعاني من الانكماش.
ثالثا، في ظل المخاوف من أن تتعرض إيطاليا لهجوم من الأسواق المالية بسبب ديونها الضخمة وتراجع معدلات الإنتاج، تريد الحكومة الإيطالية ضمانات من الصين بأنها يمكن أن تشتري الديون السيادية الإيطالية، حتى في أوقات الاضطرابات المالية.
ويقول كاساريني “لا تتضمن الاتفاقية (مذكرة التفاهم) شيئا من هذا، إنها مقامرة واضحة: تصدر الحكومة الإيطالية إيماءة ودودة إلى بكين، أملا في تنفيذ الوعود التي تتم خلف الكواليس”.
في المقابل، فإن الثمن سيكون استعداء حلفاء روما التقليديين، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما يبدو أن حزب “الرابطة” الشريك في الائتلاف الحاكم في إيطاليا يعيد التفكير بشأن التقارب مع الصين.