شبه جزيرة الفاو أرض جدباء لا نخل ولا حناء

تشهد زراعة الحناء في شبه جزيرة الفاو جنوب مدينة البصرة تدهورا ملحوظا، بسبب شح المياه وملوحتها، ما أدى إلى تراجع عدد المزارع وصعوبة تزويد المناطق المجاورة ودول الخليج بمنتوجات هذه الشجيرة الحولية المهددة بالانقراض من المنطقة.
البصرة (العراق)- تحولت شبه جزيرة الفاو الواقعة بمحافظة البصرة جنوب العراق إلى أرض جدباء، بعد أن كانت هذه المناطق الخضراء المورقة تشتهر في الماضي بمزارع الحناء والنخيل بفضل التقاء نهريْ دجلة والفرات بها.
وأكد عباس عبدالحسن، مزارع أصيل المنطقة، وهو ينظر للنخيل اليابس، أن نقص الماء وما تلا ذلك من استخدام مياه مالحة من نهر شط العرب الملوث للري قضى على المناطق المزروعة بالحناء، التي تُستخدم أوراقها في صنع المعجون داكن اللون الذي يستخدم كصبغة.
وتابع عبدالحسن “هذه الأراضي كانت في السابق مليئة بأشجار الحناء، فكل دونم (وحدة قيس تعادل 2500 متر مربع) كان به ما يقارب 15 ألف شتلة حناء مزروعة”، مضيفا “موسم جمع الحناء يبدأ في الشهر الخامس من كل سنة أي مايو، وكنت أحمل بعد كل أربعين يوما من 250 إلى 350 كيلوغراما حناء إلى الجمعية، لكن الآن صار الوضع سيئا بسبب ارتفاع منسوب الماء المالح ولم تعد هناك حناء”.
والحناء شجيرة حولية أو معمرة تعمر حوالي ثلاث سنوات وقد تمتد إلى عشر، مستديمة الخضرة، غزيرة التفريع، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار. وقال فاضل فالح عبدالله، صاحب مزرعة في الفاو، إنه بعد أن كانت هناك نحو 425 مزرعة تنتج خمسة آلاف كيلوغرام من أوراق الحناء سنويا من أجل التصدير بشكل أساسي، تراجع هذا العدد الآن إلى نحو 50 مزرعة تنتج نحو 300 كيلوغرام.
وأدّت عقود من الحرب في العراق إلى تدمير المزارع. وكان العراق في الماضي منتجا رئيسيا للتمر قبل أن يحوّل تركيزه الاقتصادي من الزراعة إلى النفط. وعانت ثاني مدنه، البصرة، من دمار بسبب الحروب والصراع والإهمال منذ الثمانينات من القرن الماضي. وتضررت الفاو الواقعة على ضفة دلتا شط العرب قرب الخليج بشدة، بسبب موقعها على جبهة القتال في الحرب التي خاضها العراق ضد إيران في ما بين 1980 و1988.
وتعاني عدة مناطق ومحافظات عراقية السنوات الأخيرة من أزمة میاه حادة قد تؤدي بحسب خبراء إلى كوارث بیئیة كبیرة بسبب الجفاف الذي تتعرض له، حیث شهدت محافظات النجف والبصرة وذي قار ومیسان والمثنى نقصا حادا في مناسیب المیاه، ما تسبب في تعرّضها للجفاف ودمار المئات من الأراضي الزراعية.
وأشار عبدالعظيم محمد، معاون مدير الزراعة بالبصرة، إلى أن نحو 38 ألف نخلة ماتت في المنطقة منذ 2008. وأضاف محمد أن قلة المياه التي أدت إلى زيادة مد الماء المالح ألحقت ضررا بالزراعة في البصرة، وتسببت في تراجع عدد مزارع الحناء في الفاو.
وأوضح أن “ارتفاع منسوب الماء المالح بمثابة القشة التي قصمت ظهر قطاع الزراعة في محافظة البصرة، حيث شملت كل القرى والمناطق المحيطة بها، فهي تجاوزت الفاو والسيبة جنوبا، إلى منطقة الهارثة والدير والقرنة شمالا، مما أثّر بشكل كبير جدا على المزروعات بصورة عامة”.
وتابع “لو أننا تطرّقنا إلى بعض المحاصيل التي كانت تميز محافظة البصرة، ومنها على سبيل المثال محصول الحناء، فإننا نجد أن من أفضل وأحسن محاصيل الحناء تلك التي تزرع هنا في منطقة الفاو، وذلك لعدة أسباب من بينها الظروف البيئية المناسبة لزراعة هذا المحصول”، مشددا على أن هذا المحصول يمكن اعتباره انقرض حقيقة من قاموس الزراعة بالمنطقة.
وأكد مختصون أن تميّز شبه جزيرة الفاو بزراعة الحناء يعود إلى مناخها الرطب كونها تطل على الخليج العربي من أقصى جنوبها، فيما يحدها شط العرب من الشرق، وقناة خور الزبير الملاحية من الغرب، وتعتمد جميع الأنشطة الزراعية في القضاء على مياه شط العرب.
وهذه المياه لم تعد صالحة للري خلال فصل الصيف بسبب ظاهرة طبيعية كانت تعتبر نادرة الحدوث، وهي تقدم اللسان الملحي (الجبهة الملحية) القادم من الخليج في مجرى الشط من جراء قلة الإيرادات المائية الوافدة من دجلة والفرات، بحيث عادة ما تصل خلال فصل الصيف نسبة التراكيز الملحية الذائبة في مياه الشط إلى أكثر من 4000 جزء بالمليون بالقرب من مركز المحافظة (مدينة البصرة)، وتزداد هذه النسبة طردياً كلما تم الاتجاه جنوبا باتجاه الفاو.
وحاول مشروع للحكومة المحلية إحياء تلك المزارع خلال العامين الماضيين من خلال إقامة مزرعة في شمال البصرة. ويتم خلال موسم الحصاد في ما بين يناير وأبريل ثم مايو بعد ذلك جني الأوراق كل 45 يوما وبيعها في الأسواق المحلية.
وقالت عالية يعقوب، مسؤولة البستنة والغابات في البصرة، إن “وزارة الزراعة ارتأت أن تنشئ مشروعا تعويضيا لصنف حناء الفاو، في كوت الزين، حيث أنشأنا بستانا بعشرة دونم، لكن بسبب ظروف المياه المالحة فشل المشروع، فانتقلنا إلى منطقة الهارثة شمال البصرة”.
ووصفت سارة إبراهيم في صالون للتجميل بالبصرة حناء الفاو بأنها “تراث”، قائلة بعد أن خضبت يديها بالحناء، إن العراق اعتاد تصدير حناء الفاو إلى دول الخليج، ولكن حاليا يصعب الحصول عليها.
وأضافت إبراهيم أن “الحناء أولا وقبل كل شيء تشكل جزءا لا يتجزأ من التراث، فهي من وسائل الزينة منذ القديم، فنحن والكويت والبحرين والإمارات والسعودية نعتبر إلى اليوم أنها زينة أساسية للمرأة حتى وأن صرنا نخضبها بطرق أكثر حداثة”، فللحناء نوع من القدسية عند الكثير من الشعوب الإسلامية، إذ يستعملونها في التجميل بفضل صفاتها فتخضب بمعجونها الأيدي والأقدام والشعر، كما يفرشون بها القبور تحت موتاهم. وتستعمل في دباغة الجلود والصوف.
ولفتت إلى أن “الحناء العربية الأصيلة التي تسمى حناء الفاو وكانت تصدر إلى دول الخليج، نحن لم نستغن عنها، لكنها أصبحت نادرة أو من الصعب الحصول عليها”.