اليسار الفلسطيني يلم شتاته فهل ينجح في كسر قطبية فتح وحماس

المشهد السياسي الفلسطيني يحتاج إلى قوة ثالثة تملأ تصدعات الانقسام بين فتح وحماس.
السبت 2019/03/09
فرصة جديدة لتصحيح أخطاء الماضي

فشلت أحزاب اليسار الفلسطيني في اختراق النسيج المجتمعي بما يمكنّها من لعب أدوار رئيسية في القضية تجعلها فاعلة في المشهد وقادرة على كسر قطبية حركتي فتح وحماس. لكن، مؤخرا، بدت تظهر ملامح نشاط يساري فلسطيني جديد مع تطور نسق المتغيرات التي سرّعت من وتيرتها قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتصاعد وتيرة الاستيطان الإسرائيلي وتطلعات الحكومة اليمنية، وساعد على ذلك الانقسام الفلسطيني الحاد. في ظل هذا الوقع، تحاول فصائل اليسار الفلسطيني التحالف في جبهة سياسية جديدة نجاحها مشروط بالاتعاظ من تجارب مماثلة سابقة فشلت في أن تكون على قدر انتظارات الفلسطينيين.

القدس - لم تشفع الأدوار التاريخية التي لعبتها قوى اليسار الفلسطيني في خدمة القضية بأن يكون لها وزن سياسي يضاهي الحضور الذي تحظى به منذ عقدين كل من حركتي فتح وحماس. يعود هذا الغياب، في بعض أسبابه إلى تراكم العديد من الأخطاء التي تتعلق بالتشكيلات اليسارية وفشلها في جر الفلسطينيين وراء خطاباتها وبرامجها، وهو أمر تحتاج الفصائل اليسارية، التي تسعى اليوم إلى الاتحاد ضمن جبهة واحدة، أن تتجاوزه حتى تنجح في إعادة ترتيب صفوفها وتحقيق ما تتطلع إليه عبر إنشاء التجمع الديمقراطي الفلسطيني.

بالتزامن مع العديد من المتغيرات في المشهد السياسي الفلسطيني الذي ازداد انقساما وتأهب واشنطن لطرح خارطة صفقة القرن، أعلنت خمسة فصائل يسارية، وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية وحزب الشعب وحزب فدا، عن تأسيس التجمع الديمقراطي الفلسطيني.

ولئن بدت تصريحات القيادات اليسارية الفلسطينية متفائلة بهذا التقارب والتحالف الجديد – القديم الهادف إلى كسر النمطية في المشهد السياسي الفلسطيني الذي تسيطر عليه حركتي فتح وحماس، فإن هذا المشروع السياسي يصطدم في نفس الوقت بتساوي نسب النجاح والفشل خاصة أن مثل هذه التجربة تم خوضها في السابق ولكنها لم تعكس تطلعات الفلسطينيين.

مما لاشك فيه أن الفصائل اليسارية الفلسطينية تتسلح بباع وزخم تاريخي في أدق جزئيات القضية الفلسطينية، حيث ساهمت بشكل كبير ورئيسي في أحلك المحطات المفصلية والانعطافات السياسية الفلسطينية عبر مشاركتها في المقاومة والانتفاضات الفلسطينية، إلا أن هذه التشكيلات لم تكن مخالفة في تصوراتها عن بقية الأحزاب اليسارية العربية، حيث بقيت مكبلة بأزمات هيكلية حقيقية داخل بيتها الداخلي مما أصابها بوهن أدى إلى تراجع دورها الطلائعي، الأمر الذي صعب إمكانية طرح نفسها كبديل حقيقي لمشروع حركة حماس الإسلامية على وجه الخصوص.

واليوم يصطدم التجمع الديمقراطي الفلسطيني بمطب كسر هيمنة حركتي فتح وحماس على النظام السياسي الفلسطيني، حيث يجمع المحللون على أن نجاح التجمّع يبقى رهين عوامل عدة أبرزها تحقيق التفاف جماهيري حوله، وتغليب المصلحة الوطنية العامة على المصلحة الحزبية.

إحداث توازن

نحو كسر النمطية في المشهد السياسي الفلسطيني
نحو كسر النمطية في المشهد السياسي الفلسطيني

يضع هذا التجمع نصب أعينه، انحسار مشروعه، وتقلص أدواره على كافة المستويات، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، أي بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفيتي سابقا. ومع صعود قوى الإسلام السياسي على الساحة الفلسطينية عبر حركتي حماس والجهاد الإسلامي وبروز دورهما على الساحة الفلسطينية، واكتسابهما للتعاطف الشعبي بشكل كبير، يُطرح اليوم على طاولة اليسار الفلسطيني وجوب تركيز مشروع بديل يكون وطنيا ومتناغما مع قضايا الفلسطينيين بعيدا عن الاصطفافات الإقليمية، التي تلعبها على سبيل المثال حركة حماس بتقاربها الكبير مع المشروع الإيراني في المنطقة.

نظرة هذا التجمع اليساري، تبدو متفائلة خاصة أنه قال في أول بيان له إن هذه الخطوة تأتي “استشعارا لمخاطر التصفية التي تتعرض لها قضيتنا الوطنية بفعل الإجراءات الأميركية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس من استيطان وسن قانون القومية العنصري، وفي غزة من اشتداد للحصار”.

وتهدف الجبهة الجديدة إلى توحيد عمل جميع القوى والمؤسسات والشخصيات الحريصة على المشروع الوطني الديمقراطي، للجم التدهور الحاصل في الساحة الفلسطينية نتيجة الانقسام وممارسات الهيمنة والتفرد وتقويض أسس الشراكة الوطنية. وتأتي هذه الخطوة الجديدة، عقب تعذر تطبيق اتفاقات مصالحة عديدة بين الفرقاء السياسيين خاصة بين فتح وحماس.

جورج جقمان: إذا وسادت حالة من التصارع الحزبي، فسيفشل التجمع في كسر الهيمنة
جورج جقمان: إذا سادت حالة من التصارع الحزبي، فسيفشل التجمع في كسر الهيمنة

ويسعى التجمع الديمقراطي تدريجيا إلى كسر القطبية الثنائية، التي أوجدتها حماس وفتح في النظام السياسي الفلسطيني. ويقول طلال أبوظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، “إن هذه القطبية أوصلت الحركتين إلى حدّ الاحتراب”.

وأضاف أن مساعي التجمع الديمقراطي ستكون قائمة على “تطبيق لبرنامج التجمّع بشكل ناجح، حتى يصبح قوة قادرة على إحداث نوع من التوازن في النظام الفلسطيني وكسر حالة القطبية”.

وبيّن أبوظريفة أن التجمّع وضع “برنامجا متكاملا بدأ تنفيذه وسيستمر، على أن يأخذ بعين الاعتبار قضايا الانقسام والحريات والقضايا الحياتية والاجتماعية، بما فيها الاقتصادية، وأوضاع المؤسسات الفلسطينية وكيفية إعادة بنائها عبر الانتخابات”.

واعتبر أن ذلك البرنامج دليل على “مصداقية التجمّع في الشارع الفلسطيني، ما يجعله قادرا على بلورة تدريجية لقوة ثالثة قادرة على إحداث توازن بين القوتين الرئيسيتيْن حماس وفتح”.

وشدّد على أنه لنجاح التجمع لابد من توافر ثلاثة عوامل، هي “تجاوز أي تباينات قد تظهر في التجمّع بين القوى المشاركة”، مضيفا أن “العامل الثاني يكمن في خلق آلية لتمتين الالتفاف الجماهيري والوطني حول التجمّع وعناوين برامجه، أما الثالث فهو وضع خطوات عملية قادرة على أن تشكّل مرتكزا بتوسيع مساحة الالتفاف الشعبي وعناصر البرنامج بمعناها العملي، بعيدا عن البعد النظري”.

ثورية ولكن…

منذ عقدين تقريبا توجّه العديد من الانتقادات للفصائل اليسارية الفلسطينية بأنها بعيدة، رغم نفسها الثوري، عن طموحات الشعب وغير منسجمة مع مبادئه وقضيته ما جعلها لا تملك خزانا شعبيا يمنحها وزنا سياسيا تقارع به حركتي فتح وحماس.

ويقول جورج جقمان، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إن تجربة التجمّع الديمقراطي ما زالت حديثة ما يعني أن احتمالات الفشل والنجاح واردة، مضيفا أن نجاح التجمّع في كسر القطبية الثنائية التي أوجدتها فتح وحماس في النظام السياسي الفلسطيني، يستند إلى عاملين هامين: العامل الأول يكمن في نجاح التجمّع في تحقيق الالتفاف الجماهيري حوله، حيث يوجد جمهور كبير لا يقف لا مع فتح ولا مع حماس، وحسب استطلاعات الرأي توجد نسبة كبيرة منهم تتراوح بين 30 و50 بالمئة غير منتمين لأي من الفصيليْن، بل إن هذه الجماهير تلوم حاليا فتح وحماس على الوضع الذي وصل إليه الحال الفلسطيني.

أما العامل الثاني، حسب جقمان، فهو تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الفئوية الضيقة، مشيرا إلى أنه إذا فشل التجمّع في تغليب المصلحة الوطنية، وسادت حالة من التصارع الحزبية، فسيفشل في كسر تلك الهيمنة.

هاني المصري: يوجد أفق أمام التجمع للعب دور أساسي في كسر الاستقطاب الثنائي الحاد
هاني المصري: يوجد أفق أمام التجمع للعب دور أساسي في كسر الاستقطاب الثنائي الحاد

رغم أن الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها تتفق على وجود العديد من المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية عبر اتفاقها جميعا في اجتماع أخير بموسكو على رفض صفقة القرن الأميركية، فإن انقساماتها تحّد من إمكانية توحيد الفلسطينيين وراء مشروع سياسي جامع ينطق باسم قضيتهم.

ويؤكد هاني المصري، مدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، أنه يوجد “أفق أمام التجمّع للعب دور أساسي في كسر الاستقطاب الثنائي الحاد بين الحركتين، الذي أدى إلى الانقسام ومواصلته وتعميقه”.

وأرجع المصري ذلك، في تقرير نشره على موقع المركز، إلى “المأزق الشامل الناجم عن الانقسام والاستقطاب، وغياب الرؤية والاستراتيجية القادرة على توحيد الشعب وتحقيق أهدافه وحقوقه الوطنية”.

واعتبر أن معيار نجاح التجمّع “يكمن في عدم بقاء هامش كبير لديه للمناورة؛ مما قد يساعد على تقديمه نموذجا آخر جديدا في القول والعمل، في السياسة، وفي تناول مختلف القضايا، لكي يحدث التوازن”.

لكن ذلك يتطلب شروطا منها مراجعة التجارب السابقة واستخلاص الدروس والعبر، فمن دون ذلك سيلاقي التجمّع مصير سابقيه، وتحديدُ موقف التجمّع هل هو يساري أم وطني ووضع خطة عمل ملموسة وبلورة الاتفاق على بعض القضايا المهمة والحساسة، التي يهدد عدم الاتفاق عليها التجمّع بالفشل، وأن يتصرف على أساس أنه يهدف إلى إحداث فرق جوهري في المعادلة الفلسطينية القائمة، وليس الحصول على مجرد حصة أكبر.

في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية، يمثل تواجد اليسار الفلسطيني على الساحة خطوة هامة، لكن التقدم فيها يحتاج إجراء خطوة إلى الوراء لمعرفة مكامن الفشل الذي استغلته منذ أكثر من عقدين حركة حماس التي راهنت كغيرها من الأطروحات الإسلامية على خطابات العواطف الدينية لحشد الأنصار وهو ما يستدعي من منافسيها ضرورة التعامل مع الراهن بواقعية أكثر.

6