لغم زرعه بوش يمنع بغداد من طرد القوات الأميركية

بغداد - تزامنا مع تصاعد أصوات بعض الكتل النيابية الشيعية الموالية لطهران في البرلمان العراقي الداعية إلى وجوب طرد القوات الأميركية بحجة القانون من العراق، تصطدم السلطة العراقية بالعديد من المطبّات التي من المتوقّع أن تنهيهم عن السير نحو اتخاذ مثل هذا القرار عير محسوب العواقب.
ورغم تصاعد معاداة واشنطن، خاصة من قبل أذرع ايران في العراق وفي مقدّمتها وحدات الحشد الشعبي، تتعزز بالتوازي مع ذلك مخاوف العديد من العراقيين من تدهور الوضع الأمني في البلاد، وهو ما قد يمكّن إيران من الاستحواذ الكامل على القرار السياسي العراقي.
وفي خضم العلاقات العدائية المتزايدة بين واشنطن وطهران، خاصة بعد أن رفّعت واشنطن من عقوباتها التجارية ضد طهران في الأشهر الأخيرة، يحاول العراق تحقيق التوازن بين التعاون الأميركي الذي أصبح ضروريا، وعلاقته الوثيقة والاقتصادية والأمنية المعقدة مع إيران.
من أهم العوائق والقيود السياسية التي قد تمنع السلطة العراقية من المشي وراء مطامع إيران المتواصلة في التمدد بالعراق، تحدث عنها مركز ستراتفور الأميركي للأبحاث الأمنية والاستراتيجية، في تقرير أكد عبره أن مطالب المشرّعين العراقيين لن تنجح في إعادة تقييم علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن مدى تزايد حدة التوتر بين إدارتيْ البلديْن.
ويكشف المركز أن أيّ مشروع قانون عراقي يهدف إلى طرد قوات الولايات المتحدة من العراق يتطلب وجوبا تعديل اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين، التي وقعها الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش سنة 2008.
وتنصّ الاتفاقية على أن وجود القوات الأميركية في العراق هو فقط بناء على دعوة من الحكومة العراقية.
طرد القوات الاميركية من العراق يتطلب وجوبا تعديل اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة التي وقعها الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش عام 2008
ولذلك عبّر الرئيس العراقي برهم صالح عن رغبته في الاحتفاظ بالاتفاقية وبعلاقات بغداد الثنائية مع واشنطن. ويعني هذا أن القرار النهائي سوف يذهب إلى المحكمة العليا في العراق لأنه ينطوي على أمور تتعلق بالأمن القومي، حتى لو وافق البرلمان على مشروع قانون معدّل للاتفاقية (لا يبدو دعم الأغلبية أمرا ممكنا حاليا).
ومع تصاعد خطابات وتصريحات الميليشيات الموالية لطهران والدافعة إلى طرد القوات الأميركية من العراق، تخطط عدة كتل سياسية شيعية، منها ممثلة لفصائل الحشد الشعبي، لانتزاع قرار من مجلس النواب العراقي للدفع باتجاه مغادرة القوات الأميركية أو على الأقل معرفة أماكن انتشارها وعددها ومهماتها، والحدّ من نشاطاتها خارج ما اتفق عليه مع الحكومة العراقية بتدريب القوات الأمنية والشراكة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
ومن المتوقع في حال تصويت أعضاء مجلس النواب على قرار يطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها، فإنّ قرارا كهذا سيحظى بالأغلبية نظرا إلى أن الأعضاء الشيعة هم الأكثرية، كما أن كتلا سنية متحالفة في ائتلافات يقودها شيعة هم قيادات في الحشد الشعبي، مثل “ائتلاف البناء” برئاسة هادي العامري الذي يضمّ جزءا من تحالف المحور الوطني (سني) وأعضاء سنّة مستقلين أيضا.
كما يشير التقرير إلى أن الجدل في بغداد سيستمر في إثارة الانقسامات بين القادة السياسيين الشيعة الذين يتحالفون مع الجانبين المتنافسين أي طهران والولايات المتحدة. ويوضح أن من العوائق الأخرى هي تردي الأوضاع الأمنية عقب انسحاب القوات الأميركية إن حصل ذلك، حيث إن حكومة عادل عبدالمهدي ستجد نفسها تكافح أيضا لمواجهة الاضطرابات في المحافظات الجنوبية في العراق، والتي من المتوقع أن ترتفع هذا الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة وعندما يصبح نقص المياه والكهرباء أكثر حدة.
وعلى عكس ما تروّجه الميلشيات الموالية لطهران بأن مهمة القوات الأميركية قد انتهت مع اقتراب نهاية داعش، فان الحفاظ على الهدف المشترك المتمثّل في القتال ضد الإرهاب سيكون مؤثرا في مستقبل العلاقات بين العراق والولايات المتحدة. وتشير وزارة الدفاع الأميركية أن المجموعة الإرهابية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية لا تزال قوة فعّالة في العراق، ويمكن أن تعيد بناء نفسها في سوريا في حالة غياب القوى المناسبة لإبقائها ضعيفة.
ويستخلص التقرير الأميركي أن كل هذه التقييمات الواقعية أدّت إلى ترسيخ اعتماد العراق على كل من القوات الأميركية والميليشيات المدعومة من إيران، وكلاهما جزء داعم لبغداد في قتالها الصعب ضد مختلف الجماعات. لذلك، ما دامت التهديدات الأمنية موجودة في العراق، فمن غير المحتمل أن تنهار علاقات البلد مع واشنطن.