روائح وألوان سوق البهارات في دبي تجذب الإماراتيين والمقيمين والسياح

أصناف من التوابل للمطابخ العربية والآسيوية والأوروبية يزخر بها سوق البهارات الذي يعرض بضائع تلبي جميع احتياجات زبائنه على اختلاف جنسياتهم وأذواقهم.
الأربعاء 2019/03/06
بضاعة من أصقاع العالم

تعج دبي القديمة بالأسواق التقليدية والتي تظل منطقة حية لا تخلو من حركة البيع والشراء منذ سنوات طويلة، بالرغم من انتشار أفخم وأرقى مولات التسوق الحديثة، ومن أهم هذه الأسواق التجارية التقليدية والتي تم ترميمها وإعادتها للحياة بتصاميم تراثية أنيقة، سوق البهارات الذي يجمع في دكاكينه الروائح والألوان التي تجذب الإماراتيين والمقيمين والسياح.

دبي – تقول أم أحمد الإماراتية التي لا تغيب عن السوق منذ كانت ببيت أهلها، “لا أحد من سكان دبي يمكن أن يستغني عن سوق التوابل الواقع على الضفة الشمالية لخور دبي، ففيه تجد الإماراتية ما تحتاج من البهارات لأعداد أكلاتها المفضلة، كما لا تحتار العراقية والتونسية واللبنانية وحتى الهندية والباكستانية في البحث عن مكونات التوابل التي تعد بها طبق بلادها الشعبي”.

وبعد ترميم السوق خلعت البهارات لباسها الشعبي، وتسلّلت من زوايا الممرات الضيقة في الأسواق العتيقة، والأجران الفخارية الكبيرة التي اهترأت أطرافها الدائرية، وانسحبت من لعبة تدرّج الألوان الحارة التي تُظهرها أشكال البهارات المخروطية التي يشكلّها الباعة أمام محالهم بدافع لفت النظر وترغيب الزوار.

وتضيف أم أحمد التي ما زالت حتى اليوم تشعر بالماضي، حين كانت طفلة تأتي برفقة الأهل، أن من لا يعرف السوق من زوار الإمارة، فرائحة الهيل والزعفران والمسك والبخور تقوده إلى السوق القديم المتميز ببساطة تصميمه التراثي، فالمحال كلها من طابق واحد ومغطاة بالدعائم الخشبية المصنوعة من سعف النخيل، ويقع على البحر مباشرة خلف سوق الذهب، وكانت البضائع تأتي من مختلف دول العالم إليه، حيث ترسو السفن في الخور وتنقل البضائع إلى داخل المحال.

وتقول مواطنتها بلقيس، “سأقوم بشراء الزعفران الذي يوضع في دلة الشاي فيعطيه نكهة جميلة ومميزة، واستخدمه أيضا في عمل الكبسة والبرياني واللقيمات”.

وتضيف، “أكثر ما أفضل شراءه من السوق الليمون الجاف الذي يدخل في طهي الأرز، وكذلك الهيل الذي يميز مجتمعنا الإماراتي ويدخل في إعداد القهوة والبرياني وصينية اللحم”.

وتلتقي في السوق الذي يسمى أيضا سوق “الحلول” أو سوق “الدويات”، أي الأدوية وجوه تنتمي إلى جنسيات مختلفة عربية وأوروبية وآسيوية جمعتهم الروائح الزكية، منهم من أتى لشراء البهارات التي يحتاجها ومنهم من يبحث عن أعشاب وزهور ومنكهات يحتاجها للدواء أو لإعداد الشاي أو الحلويات، ومن السياح من يأتي لشراء هدية يعود بها إلى أصدقائه متفاخرا بلوبان أو بخور أو تمر أشتراه من سوق يعود تاريخه إلى ما يزيد عن 160 سنة.

الأعشاب والنباتات تتشابه من حيث الفوائد الصحية العامة ولكنها تتميز ببعض الخصوصية في العلاج

ورغم صعوبة التواصل اللغوي بين الباعة والزبائن توجد لغة مشتركة هي حاسة الشم واللمس للتأكد من النوع، كما تعلّم الباعة حسن التواصل مع من لا يتقنون لغاتهم إذ يبادرون بشرح منافع ما تقع عليه يد أو أعين الزائر.

يقول محمد، بائع بهارات، “السوق موجود منذ سنوات بعيدة، ويأتي إليه المواطنون والوافدون لشراء أغراضهم، وأصبح يفد إليه الكثير من السياح خلال زيارتهم القصيرة إلى دبي، حيث يتميز برخص أسعاره وتنوع البضائع التي تلبي كل احتياجات الزبائن على اختلاف جنسياتهم وأذواقهم”.

ويضيف، “تكونت لدي خبرة كافية باحتياجات كل الزبائن، التي تتنوع طبقا لاختلاف جنسياتهم، وما تعودوا على استخدامه في طعامهم، بحيث تعطي النكهة المميزة لأكلاتهم، فالباكستانيون حريصون على شراء الصنوبر ويستخدمونه في الأرز، بينما الهنود يحتاجون إلى الكركم الذي لا يغيب عن معظم أكلاتهم، والبريطانيون يشترون مجموعة من البهارات المشكلة والموجودة في علبة واحدة وتحتوي على الكاري والكركم والزعفران”.

وتعج المحلات بأنواع البهارات المختلفة أو “البزار”، تقول إحدى الزبونات التي دأبت على اقتناء بهاراتها من السوق، “البزار كلمة محلية تطلق على مجموعة من البهارات التي تطحن وتخلط مع بعضها بنسب متفاوتة وتضاف إلى الطعام حسب الرغبة، ومن هذه البهارات الكركم، والفلفل الأسود والأحمر وبذور الكزبرة والقرفة والهيل والحلبة والمسمار والكمون وتختلف أسعار البزار حسب نوعيته”.

يقول البائع مجيد، “هناك مطيبات طعام أخرى، مثل الليمون اليابس المستورد من عُمان، والذي يُضاف إلى نوعيات من الوجبات المحلية بهدف إضافة نكهات مختلفة، كذلك الزعفران الإيراني، والذي يعد الأفضل على الإطلاق”.

ويلعب السوق دورا مهما في استقطاب السياح، فبعد أن رممته بلدية دبي أصبح مدرجا على لائحة اليونسكو للتراث، حيث تتوسطه باحة كبيرة يمكن من خلالها رصد التفاصيل التراثية للمبنى.

الجميع يأتي لشراء التوابل التي تعد من أساسيات إعداد الطعام، وتميز نكهاتها المختلفة المطابخ عن بعضها، فالمطبخ العربي يختلف عن الآسيوي أو الأوروبي باختلاف النكهات التي تضيفها هذه التوابل للطعام.

لوحة البهارات والتوابل
لوحة البهارات والتوابل

تقول فطيمة المغربية المقيمة في دبي، “جئت لشراء أشياء ضرورية لا يخلو منها أي مطبخ ومنها بهارات السمك واللحم والدجاج واشتريت أيضا بعض الزعفران الذي استخدمه في عمل الكبسة والمحاشي وبعض المكسرات مثل الجوز واللوز والبندق التي تعطي الجسم الطاقة”.

وتضيف قائلة، “سأشتري أيضا بذر الكتان، وهو متعدد الاستخدامات عندنا في المغرب، فمن الممكن أن يغسل ويطحن ثم يؤكل سليما وهو مفيد لمرضى الكولسترول، والصبايا يستعملنه لتغذية الشعر بعد طبخه لعمل ماسك للشعر”.

ويحظى سوق التوابل والبهارات باهتمام كبير من الزوار والسياح، إذ يستطيع الزائر أن يجد ما يشتهي من التوابل النادرة التي قد لا يجدها في أي منطقة أخرى بسهولة.

تقول البريطانية صوفيا عن السوق، الرائحة هنا مُميّزة، تختزل الحضارات والثقافات والماضي وثروات الطبيعة، أما الصورة فهي عبارة عن لوحة ساحرة، ألوانٌ مختلفة وأشكالٌ متنوّعة جعلت من المكان تحفة جميلة، حتى الضجيج الناتج عن الباعة الذين ينادون زبائنهم لا يزعج، فتسمعهم يشيدون بما لديهم من منتجات طبيعية ويطيلون شرح منافع الزعفران أو اللبان وغيره وهي بمثابة دروس في فن الطبخ وطب الأعشاب”.

وتضيف، “أن بضائعه لا تختلف عن البضائع الموجودة في بريطانيا، إلا أن هناك بعض الأنواع العربية المميزة، سأشتري الملح الجاف والقرفة والبهارات وهذه الأخيرة تعطي نكهة مميزة لطبق الشوربة، وجذبني الليمون الجاف والذي لا يوجد مثله في بريطانيا، وسألت البائع عنه وأخبرني أنه يستخدم مع الأرز”.

ويتميز السوق باتساعه وتنوع معروضاته، التي لا تقتصر على البهارات، بل يضم بعض المحال المتخصصة في بيع السجاد والأقمشة والأواني والهدايا التذكارية، لكن الأعشاب تحتل الجزء الأكبر من السوق والتي يقول عنها أحد الباعة إن هذه الأعشاب والنباتات تتشابه من حيث الفوائد الصحية العامة ولكنها تتميز ببعض الخصوصية في العلاج.

الكثير من السياح يخرجون من السوق ببهارات ستثري مطبخهم الأوروبي أو الأميركي أو غيره، يقول توم صديق صوفيا، “اشتريت بعض الأشياء المميزة والتي نادراً ما نجدها في أسواقنا ومنها بعض الزهور التي توضع في الشاي وتعطيه نكهة مميزة وبعض البخور والمكسرات وليفة مغربية للاستحمام وتمور محشوة بالمكسرات والحنّة وسلة من القش، وهي مجموعة هدايا للعائلة والأصدقاء”.

الجولة في سوق البهارات والأعشاب تترك في النفس شعوراً بأن الطبيعة تفوح من ممراته ودكاكينه الصغيرة الموجودة تحت سقفه الخشبي الذي يختزل الرطوبة ويبعث بعض القضبان الضوئية التي تنير المكان.

20