مواجهة السنيورة لحزب اللّه: تعديل لمسار "الحريرية" أم دفاع عن النفس

سجال سياسي جديد يحيي أجواء فترة اغتيال رفيق الحريري، ومصالح مشتركة تمنع تيار المستقبل وحزب الله من إعلان القطيعة.
الاثنين 2019/03/04
مواجهة حزب الله.. مهمة صعبة

في سيناريو شبيه إلى حد بعيد بتلك الفترة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، أحيا تبادل الاتهامات مؤخرا بين حزب الله ورئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة معركة سياسية جديدة قديمة صارت واضحة المعالم بين الحزب الموالي لطهران وتيار المستقبل، وهو ما يطرح في الساحة السياسية اللبنانية عدة تساؤلات بشأن إمكانية تبدّل نسق خطوات رئيس الحكومة سعد الحريري وتياره السياسي لمواجهة حزب الله بوجه مكشوف أم أن تصعيد السنيورة سيبقى بمثابة الدفاع عن النفس غير القادر على جرّ الحريرية السياسية لمواجهة حزب الله.

بيروت - أعاد السجال الأخير بين حزب الله ورئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة، الأجواء التي عرفها لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005 من مواجهة مكشوفة بين الحزب وتيار المستقبل والحريرية السياسية عامة.

وذهب البعض إلى اعتبار الأمر شبيه بأجواء وخطابات تحالف 14 آذار القديمة لجهة التصادم ما بين منطق الدولة ومنطق الميليشيا.

واعتبر السنيورة أن “قصة الـ11 مليار دولار كلها عاصفة في فنجان”، مشيرا إلى أن “هناك من يحاول أن يحرف انتباه الناس نحو مسائل أخرى، ليغطي على ما يفعله ويمنع الإصلاحات الحقيقية”، مشددا على أن “الفاسد من يقيم دويلات داخل الدولة”.

غير أن العارفين بالشؤون السياسية اللبنانية لاحظوا أن الأمر لا يمثل تصدعا داخل التسوية الرئاسية التي تجمع حزب الله وتيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ، وأن المؤتمر الصحافي الذي عقده السنيورة الأسبوع الماضي، جاء دفاعا عن شخصه ضد الاتهامات التي طالته تلميحا إلى إثارة النائب عن حزب الله حسن فضل الله  لملفات الفساد في لبنان.

ورأى محللون أنه رغم تواجد النائب بهية الحريري، عمة زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري في الصفوف الأولى التي حضرت هذا المؤتمر، إلا أن أمر ذلك بدا وكأنه “أقل الواجب” ولا يمثل انعطافة كبرى لرئيس الحكومة وتياره في مواجهة الحزب.

ولاحظ المراقبون أن مطالعة السنيورة توخت الرد المحسوب والمدروس، والذي، وإن أخذ طابعا سياسيا منتقدا لسياسات حزب الله، لم يذهب إلى حدّ فتح مرحلة تصادمية بين الفريقين.

وقال السنيورة، ردا على اتهامات حزب الله لحكومته بالفساد، إن “الفساد الأكبر هو الفساد السياسي، ويعتبر فاسدا سياسيا كل من يقيم دويلات داخل الدولة ويسيطر على مرافقها، ومن يعطل الاستحقاقات الدستورية ويحول دون تطبيق القانون”.

حزب الله وتيار المستقبل لا يسعيان في هذه المرحلة للقطيعة، ففتح ملف الفساد، ضد السنيورة بالذات، هو ضرورة هدفها الضغط على سعد الحريري لتبني خطاب مدافع عن حزب الله في مواجهة الضغوط الدولية

واللافت أن حزب الله وتيار المستقبل لا يسعيان في هذه المرحلة للقطيعة، بل إن مصالح مشتركة تجمعهما داخل الحكومة الحالية، وأن أمر فتح ملف الفساد من قبل الحزب، وضد السنيورة بالذات، هو ضرورة هدفها سوق جمهور الحزب نحو جبهات داخلية جديدة من جهة، والضغط على الحريري نفسه من جهة ثانية من أجل تبني خطاب حكومي مدافع عن الحزب في مواجهة الضغوط الدولية الراهنة والمقبلة، والتي تجلت واجهاتها الأولى في قرار الحكومة البريطانية وضع حزب الله بجناحيه السياسي والعسكري على لوائح الإرهاب.

وقال السنيورة “أعددت دراسة كاملة سأزود بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس الوزراء ومجلس النواب توضح كل التفاصيل، للانتهاء من القصص التي تشوه عقول الناس وليكون الأمر واضحا لدى الجميع”.

ويجزم قريبون من دوائر تيار المستقبل أن رد السنيورة في شكله ومضمونه ولهجته جاء متجاوزا الخطاب الرسمي الذي اعتمده الحريري منذ انخراطه في التسوية التي أتت بميشال عون رئيسا للجمهورية.

ويرى هؤلاء أن خطاب السنيورة يمثله شخصيا والمزاج الشعبي الواسع لتيار المستقبل، وأنه كان ضروريا لوضع النقاط على الحروف حول هذا الملف وملفات أخرى مرتبطة بالسنيورة يتم رفعها وخفضها وفق الأجندة السياسية لحزب الله وحلفائه.

ويرى مراقبون أن رد السنيورة جاء حادا، أعاد التذكير بأسلوب رئيس الوزراء الأسبق في مواجهة حزب الله في أكثر المراحل توترا، وأن استهداف الحزب للسنيورة بالذات يكشف عن حقد لم يستطع حزب الله تجاوزه ضد من قاد السفينة اللبنانية بعد اغتيال الحريري الأب، لاسيما أثناء فترة الحرب الإسرائيلية ضد لبنان عام 2006. ويضيف هؤلاء أن المناسبة أتاحت إبراز تأييد للسنيورة ودعم له من قبل شخصيات داخل تيار المستقبل وتحالف 14 آذار، وأن الدعم جاء عابرا للطوائف وللحدود.

ولفتوا إلى أن بث وسائط التواصل الاجتماعي لصورة جمعت السنيورة مع سفيري السعودية والإمارات في لبنان أوحى بدعم عربي لشخص السنيورة، وأثار ردود فعل غاضبة من قبل المنصات الإعلامية التي تدور في فلك حزب الله.

وزار سفيرا دولة الإمارات العربية المتحدة د. حمد سعيد الشامسي، والمملكة العربية السعودية د. وليد بخاري، الرئيس فؤاد السنيورة، وكان لقاء أشادا فيه بـ“الدور المفصلي الذي لعبه في حماية لبنان وسياسته المالية والنقدية، ووقوفه إلى جانب قضايا العرب والعروبة، ودفاعه عن الأسس والثوابت الوطنية”، في رسالة دعم واضحة من الدول الخليجية للرئيس فؤاد السنيورة .

حزب الله يود استمرار التعامل مع سعد الحريري والاستمرار في الضغط عليه وإضعافه
حزب الله يود استمرار التعامل مع سعد الحريري والاستمرار في الضغط عليه وإضعافه

واعتبرت بعض المصادر أن حزب الله ارتكب خطأ كبيرا اضطره إلى التأكيد أنه لم يسمِّ السنيورة شخصيا في اتهاماته، مستغربا شخصنة الموضوع من قبله. ورأت المصادر أن خطأ الحزب أتاح تعويم السنيورة وخطابه، خصوصا بعد فترة عاش فيها في الظلال. وأن الرجل الذي حافظ على موقفه ضد حزب الله وجاهر باعتراضه على صفقة الحريري لانتخاب عون رئيسا للجمهورية وعارض النظام الانتخابي ودفع ثمن ذلك خروجه من عضوية البرلمان، وجد في هذه المناسبة منبرا شرعيا لا يستطيع تيار المستقبل حرمانه منه.

واعتبر السنيورة أن حزب الله هو “من أدخل نفسه في مأزقه السياسي وفي نزاعات المنطقة وأخذ الدولة رهينة لصراعاته ومنع دوران العجلة الاقتصادية وحجب أموال الجمارك عن الدولة عبر عدد من المعابر الخاصة وخاض حروبا منهكة للخزينة حالت دون تحقيق النمو المستدام منذ العام 2011 كما حصل عجز في ميزان المدفوعات، وهو لم يصرح عن المساعدات الإيرانية المباشرة دون علم الدولة، وهو الذي اعتدى على حياة المواطن والوطن، ومن فعل ويفعل ذلك لا يحق له توزيع الاتهامات”. وأكد أن “من عاش في كنف الدولة لا تشغله هذه الهجمات، ومن صد هذه الحملة مرة فهو مستعد لصدها في كل حين”.

وتقول بعض المصادر البرلمانية إن حزب الله يود استمرار التعامل مع سعد الحريري، والاستمرار في الضغط عليه، وإضعافه، من خلال انتقاد السنيورة وما يمثله من روحية للحريرية السياسية بنسخة المؤسس رفيق الحريري. غير أن هذه المصادر لا تتوقع أي تصعيد جذري كبير، وترى أن مماحكات الحزب ستبقى محسوبة بما لا “يكسر الجرة” مع سعد الحريري طالما أن مصالح الحزب تحتاج له رئيسا للوزراء وتحتاج لرعاية التحالف مع رئيس الجمهورية وفريقه السياسي داخل البيئة المسيحية اللبنانية.

وتؤكد مصادر دبلوماسية في بيروت أن الحريري سيسعى إلى وقف التصعيد وتبريد الأجواء في هذا الملف واعتباره “حكيا سياسيا غير مفيد”، وفق ما يردد، وأن همه سينصب على الملفات الاقتصادية المرتبطة بمؤتمر “سيدر”.

وتضيف المصادر أن المجتمع الدولي مهتم برفد الحكومة اللبنانية وإنجاح خططها لإخراج البلد من مأزقه المعيشي والاقتصادي، وأن وجود موفد فرنسي في بيروت مؤخرا لمتابعة قواعد وشروط “سيدر” مع الحكومة اللبنانية، يعكس جدية دولية في متابعة الشأن اللبناني، كما يعكس عزما على التعايش مع معضلة حزب الله وتجاوزها لتنفيذ مقررات “سيدر”، بغض النظر عن السجال الداخلي للأطراف الحكومية وأجندات حزب الله وحسابات خاصة.

7