قلق أميركي من تحوّل ميزان القوى في الفضاء لصالح روسيا والصين

واشنطن - يعمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إنشاء فرع جديد للجيش ليكون القوة الرئيسية السادسة في القوات المسلحة الأميركية ومهمتها ضمان السيطرة الأميركية على الفضاء، لتتحول حرب النجوم إلى واقع يعيشه العالم اليوم من خلال التنافس بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، على فرض الهيمنة الفضائية.
ويبرز تقرير صدر مؤخرا عن جهاز المخابرات العسكري الأميركي كيفية نظر الولايات المتحدة إلى هذه البرامج، لاسيما تلك الخاصة بروسيا والصين اللتين تشكلان تهديدا مستقبليا. ومازالت هذه القوة الفضائية، التي تتطلب موافقة الكونغرس، بعيدة، لكنها ليست ضربا من الخيال.
وكان ترامب أمر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بالاعتراف بقوة الفضاء كفرع جديد للجيش الأميركي.
وقال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إن بلاده حددت موعدا لإنشاء فرع جديد سادس من الجيش الأميركي يعرف باسم “قوة الفضاء”، وقال إنها تعمل لحشد الدعم اللازم في الكونغرس لخطة الرئيس دونالد ترامب.
وأضاف بنس أنه “يتعين حتما على الكونغرس أن يتحرك لإنشاء هذه الإدارة الجديدة التي ستنظم وتدرب وتجهز قوة الفضاء الأميركية”، قائلا إن “قوة الفضاء فكرة حان وقتها”.
مسرح جديد للحرب
يبدأ مشروع القوة العسكرية الأميركية بإنشاء وكالة للتطوير الفضائي بعدما بدأت بالفعل القوات الجوية الأميركية في العمل على مركزها للفضاء والصواريخ، وهو القطاع الذي سيكون نواة لبناء الوكالة المشتركة للتطوير الفضائي.
وسيتم تكوين قوة عمليات الفضاء التي ستزود المقاتلين الأميركيين بخبرات عن الفضاء والتأكد من إتاحة كافة إمكانيات وخبرات القوة الفضائية وقتما اقتضت الظروف الطارئة. ويمكن أن تتنقل الحرب الدائرة بينهم اليوم من الأرض إلى الفضاء، لتتحول أفلام هوليوود إلى واقع قد يأتي في وقت أقرب مما يتوقعه الناس.
وعلق بن ريلي سميث، محرر الشؤون الأميركية في صحيفة ديلي تلغراف في تقرير قائلا، إن الرئيس الأميركي نقل معاركه إلى الفضاء بعدما أطلق برنامج “حرب النجوم” الفضائي الجديد، مشيرا إلى أن ترامب يحول الفضاء إلى “مسرح جديد للحرب”، فيما كتب مايكل إيفانز، أن الولايات المتحدة قلقة من تحول ميزان القوة في العالم.
ويقول الخبير في الشؤون العسكرية كيلي موزكامي، إن وجود هذه القوة والجدوى من إنشائها مازالا يشكلان لغزا غامضا للكثيرين، مضيفا أنه للنظر في كيفية تبرير المؤيدين للقوة الفضائية، من المفيد النظر إلى خصوم الولايات المتحدة المحتملين، وخاصة منهم روسيا والصين، وما تدعي الحكومة الأميركية أنهم يفعلونه في الفضاء.
وتعتبر روسيا خصم الولايات المتحدة الأساسي في مجال القوة العسكرية الفضائية. ويمتد تاريخ هذا التنافس إلى أيام الحرب البادرة. وتعتبر وكالة الفضاء الروسية من أكثر وكالات الفضاء نشاطا. كما تمتلك البلاد أجهزة فضائية خارجية نشطة.
ولم يرسل الاتحاد السوفييتي روادا إلى القمر، ولم يطلق مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام مثل المكوك الفضائي، ولكنه كان أول بلد يرسل رجلا إلى الفضاء (وعلى عكس الولايات المتحدة، يمكن لروسيا فعل ذلك اليوم). كما أطلقت روسيا محطَة “مير” الفضائية المأهولة، وحامت في المدار لمدة 15 سنة. وأطلقت هذه المحطة سنة 1996، قبل إطلاق محطة الفضاء الدولية سنة 1998.
ويمكن اعتبار الاتحاد السوفييتي أول من قام بعسكرة الفضاء، مع محطة ساليوت 3، التي أُطلقت سنة 1974، وزودت بالعديد من حساسات الاستطلاع، وأجريت اختبارات على متنها لمدفع طائرة حقق أهدافه. وتواصل روسيا إلى اليوم تجاربها الفضائية.
ويتابع البنتاغون بحذر نوايا روسيا. ويرى أن البرنامج العسكري الروسي المضاد لقوات الفضاء موجه إلى الولايات المتحدة مباشرة.

ويشير تقرير لوكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، الذي نشر في فبراير 2019، إلى أن “روسيا تنظر إلى اعتماد الولايات المتحدة على الفضاء كنقطة ضعف للقوة العسكرية الأميركية، والتي يمكن استغلالها لتحقيق أهداف ضدها”.
وتتبع روسيا أنظمة لتحييد أو رفض الخدمات الفضائية الأميركية العسكرية والتجارية، كوسيلة لموازنة ميزة عسكرية أميركية متطورة. كما تقوم بتطوير مجموعة من الأسلحة المصممة للتدخل أو تدمير أقمار خصومها الصناعية.
وللقيام بذلك، يشير كيلي موزكامي إلى أن موسكو تحتاج إلى درس النقاط الفضائية الأميركية التي ستستهدفها في حال نشوب حرب. فعلى الرغم من خسارة نسبة هامة من قوة الاتحاد السوفييتي الاقتصادية والعسكرية، مازالت روسيا تحتفظ بشبكة من التلسكوبات والرادارات وغيرها من أجهزة الاستشعار القادرة على اكتشاف وتتبع الأقمار الصناعية الأميركية وغيرها من الأجسام الفضائية.
تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية يشير إلى أن روسيا تنظر إلى اعتماد الولايات المتحدة على الفضاء كنقطة ضعف للقوة العسكرية الأميركية والتي يمكن استغلالها لتحقيق أهداف
ومن المرجح أن تطارد روسيا أقمار نظام التموضع العالمي، المكون من 30 قمرا صناعيا (24 قمرا مفعّلا و6 أقمار احتياطية) والذي يعمل تحت إشراف الجيش الأميركي، والأقمار الصناعية العسكرية “ميلستار” (ثمانية) والأقمار الصناعية التابعة لنظام الاتصالات الفضائية للدفاع (سبعة) إضافة إلى العشرات من الأقمار الصناعية التي تستعمل في الاستطلاع والمراقبة، والتي ترسل تحذيرا عند إطلاق صواريخ.
وقادت موسكو جهودا لتطوير تقنية التشويش على نظام تحديد المواقع. وتمكنت من تعطيل عمل نظم المدمرة الأميركية دونالد كوك في البحر الأسود عبر مجمع التشويش الإلكتروني. كما يمكن أن تتداخل روسيا مع الأقمار الصناعية لتعبث بقدرتها على تمرير الرسائل بين القوات الأرضية، ويمكن أن تمنع خصومها من استخدام الأقمار الصناعية أو المحطات الأرضية المخترقة. وهنا يلفت كيلي موزكامي إلى أن الأمر لا يتطلب الانتقال إلى الفضاء، بل يمكن تنفيذه من المنزل.
ويتضمن الحل المباشر إطلاق ليزر أرضي على قمر صناعي في مدار أرضي منخفض، لإعمائه أو تعطيله. ويحذر تقرير جهاز المخابرات العسكري الأميركي الجديد من أن جهاز الليزر الحربي الروسي بيريسفيت الذي أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سنة 2018 صمم لمهاجمة أقمار العدو الصناعية. كما أفاد جهاز المخابرات بأن روسيا ستختبر على الأرجح “نظاما صاروخيا متنقلا أرضيا” لتدمير الصواريخ الباليستية والأقمار الصناعية.
منافسة الصين
تدخل الصين على الخط، حيث تمثل بكين القوة الفضائية الرئيسية الأخرى. وأطلقت الصين أول قمر صناعي لها في أبريل 1970، لكنها زادت من أنشطتها الفضائية في أواخر التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين، مع نموها الاقتصادي السريع. وأطلقت الصين يانغ لي وي، أول رائد فضاء لها، سنة 2003.
وفي يناير 2019، هبط مسبار صيني على الجانب البعيد من القمر. وتشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء أنشطة الفضاء الصينية التي قد تستهدف أقمارها الصناعية.
ومثل روسيا، تمتلك الصين شبكة مختصة في مجال المراقبة الفضائية، بما في ذلك التلسكوبات والرادارات، وسفن التتبع الفضائية مثل السفينة يوان وانج، التي ظهرت لأول مرة سنة 1980، في سلسة اختبارات لصواريخ عابرة للقارات وسط المحيط الهادئ، والتي تتمتع بالتكنولوجيا اللازمة لمراقبة الأقمار الصناعية في الفضاء.
وتعتقد وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية أنّ الصين تتبع مسارا مشابها لروسيا، حيث تعمل على تطوير مضادات لقوات الفضاء، يمكن أن تشلّ القوات الأميركية في حالة نشوب حرب.
كما تعتقد الوكالة أن الصين ستحاول التدخل في الأقمار الصناعية من الأرض، وأنها مستعدة لاستهداف الأقمار الصناعية، إذ يشمل البحث الصيني الأقمار الصناعية التي يمكن أن ترتطم بأجسام في الفضاء وإصلاحها، وتنظيف “الحطام الفضائي”.
وترى الوكالة أن هناك إمكانية لتوظيف كل هذا في تعطيل الأقمار الصناعية التابعة للعدو. ورغم كل ما تقدم، فإن كيلي موزكامي لا يرى أن هناك ما يكفي من التهديد لتبرير إنشاء ذراع جديدة في البنتاغون متخصصة في السيطرة على “الفضاء”، مشيرا إلى أن القيادة الأميركية الحالية تفتقر إلى المصداقية، وأنه بقدر أهمية الأقمار الصناعية العسكرية، فإن التهديد الذي تدعيه واشنطن ضعيف نسبيا في هذه المرحلة.