مرافعات المحاميات تستفز المجتمعات الذكورية

المرأة العربية ليست حديثة عهد بالمحاماة، إلا أن الجدل حول مدى شرعية اقتحامها لهذا القطاع ما يزال مستمرا في عدة مجتمعات ذكورية، بل ويقف عقبة في طريق نجاحها في مهنة الجبابرة.
الأحد 2019/03/03
العدالة مؤنثة فكيف لا تكون المرأة عادلة!

المحاميات العربيات يطمحن إلى تحقيق العدالة وإرساء مبدأ المساواة بين جميع الناس، غير أن العقلية المُقصية لجنسهن ما زالت تحول دون تكامل الأدوار بينهن وبين المحامين الرجال في صناعة العدالة وإرساء حقوق الإنسان.

تطمح المحاميات العربيات إلى تحقيق العدالة وإرساء مبدأ المساواة بين جميع الناس، غير أن العقلية المُقصية لجنسهن ما زالت تحول دون تكامل الأدوار بينهن وبين المحامين الرجال في صناعة العدالة وإرساء حقوق الإنسان.

فرغم أن معظم الدول العربية، قد أتاحت فرص الالتحاق بجامعات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية للجنسين بالتساوي، إلا أن المساواة في التعليم، لم تنتقل إلى مساواة فعلية في ممارسة هذه المهنة التي يهيمن عليها الرجال، ويستأثرون فيها بالترافع في القضايا الجنائية والتجارية الكبرى، وتقديم الاستشارات القانونية في المؤسسات الاقتصادية والشركات، في حين تكتفي المحاميات بقضايا الأحوال الشخصية أو المدنية بالدرجة الأولى.

وفي السنوات الأخيرة بات هذا المشهد النمطي، مختلفا بعض الشيء في معظم دول العالم العربي، إذ بدأت بعض الحكومات في توسيع الفرص المهنية المتاحة أمام المرأة، وإعطائها أدوارا أكثر في السلك القضائي، ولكن ذلك لم يغيّر من المعتقدات الثقافية الموروثة، التي ما زالت تحول دون ما تتطلع إليه المحاميات من نجاح في مجالهن.

كما يُنظر للمحاميات في بعض الأوساط الاجتماعية على أنهن يتحدين المفاهيم التقليدية المتعلقة بالأسرة والأدوار الجنسانية في المجتمع، وهو ما قد يعرضهن للوصم والنبذ وحتى العنف من قِبل المجتمع المحلي والجماعات الدينية والقبائلية، التي قد تعتبرهن في الغالب خطراً يهدد الدين أو الثقافة الاجتماعية.

وبسبب تلك المعتقدات المليئة بالإجحاف ضدهن، والتفسيرات المتشددة لبعض رجال الدين للشريعة الإسلامية، تضطر الكثيرات للعمل في مناصب إدارية محدودة، والتخلي عن طموحهن في مزاولة مهنة المحاماة التي راودتهن منذ طفولتهن.

الحقوق تنتزع

تحديات كثيرة تواجه المحاميات
تحديات كثيرة تواجه المحاميات

وتعد المملكة العربية السعودية من بين الدول التي سمحت للنساء بممارسة المحاماة بصفة متأخرة، بالمقارنة مع بقية دول الشرق الأوسط، وبعد حملات امتدت لعقود دشنتها ناشطات سعوديات للحصول على ترخيص لممارسة المحاماة، وكسر الحظر الذي تفرضه التيارات الدينية المحافظة، التي تعتبر مهنة المحاماة من ضمن الولايات العامة التي لا يحق للمرأة توليها.

وكانت أروى الحجيلي، أول امرأة سعودية تشغل منصب محامية في تاريخ السعودية في عام 2013، بعد أن وقعت حوالي 3000 طالبة حقوق على عريضة تسمح لهن بالتسجيل كمحاميات، ووافق عليها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في العام 2010، إلا أن وزارة العدل السعودية لم تكن تعمل على تسيير الطلبات الخاصة بالنساء.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو، هل المجتمع السعودي يرحّب بانتقال المرأة من عالمها التقليدي الذي يتمتع بخصوصية كبيرة، ليصبح أكثر حداثة وعمومية؟

خيّرت المحامية السعودية المتدربة أمل أحمد عمر أن تستهل حديثها باستذكار حادثة أثارتها قائلة “قبل ثماني سنوات تقريبا قرأت حوارا لمحام، يرى فيه أن المرأة لن تفلح في مجال المحاماة إلا إذا تخلت عن طبيعتها كأنثى واستخشنت وتشبهت بالرجال!!!”.

وأضافت لـ”العرب”، “هناك الكثيرون ممن حذوا حذو هذا المحامي في فكره، وهذه النظرة الدونية متجذرة في العقلية العربية، وخير دليل على ذلك الفيلم المصري (الأستاذة فاطمة) الذي قامت بدور البطولة فيه سيدة الشاشة العربية الراحلة فاتن حمامة، حين أدت دور الفتاة الحالمة بارتداء بدلة المحاماة، ولكن حلمها كان صعب التحقق في الواقع، فقد كرهت كونها أنثى لا يثق بها الناس كما الرجل المحامي، فاغتاظت وحاولت مقاومة هذه الصورة النمطية السائدة وحاولت الدفاع عن حلمها لتثبت للجميع أنها ليست أقل شأنا من الرجل المحامي…”.

وواصلت أحمد عمر حديثها مستنكرة “كنت أعتقد أن هذا الفيلم السينمائي سينتهي في أحداثه ووقائعه بنهايته، ولم أكن أتوقع أبدا أن أعيش نفس الأحداث التي عاشتها الأستاذة فاطمة، ولكن في الواقع وليس في التمثيل، من المؤسف أن التحديات التي تواجهها المحامية اليوم تكاد تكون هي نفسها التي طرحها فيلم (الأستاذة فاطمة)، فنظرة المجتمع السلبية وفكرة عدم تقبله لأنثى في هذا المجال أثرت على ممارسة المحاميات لهذه المهنة وزعزعت الثقة في قدرتهن على الدفاع عن موكليهن”.

 وأكدت أن المحاميات في بلادها يعانين من صعوبات عند التدريب، إذ لا تسند لهن مكاتب التدريب سوى قضايا الأحوال الشخصية باعتبارها الأكثر تناسبا للمحامية، بالإضافة إلى ندرة الدورات القانونية ذات القيمة العلمية في بعض المناطق والمغالاة في أسعارها، ما يجعل المحاميات المتدربات ينفرن منها وبالتالي يجدن صعوبة في تطوير معارفهن النظرية حسب قولها.

وشددت أحمد عمر على أن أغلب مكاتب المحاماة الكبرى والمؤسسات تشترط الخبرة والكفاءة وترفض قبول المحاميات المبتدئات، وهذا في نظرها يضيّق الفرص على المحامية ويبقيها أحيانا عاطلة عن العمل، إلا أنها تؤمن بأن كل هذا سيصبح شيئا من الماضي، عندما تكون هناك نماذج لمحاميات عربيات يُحتذى بها، ومن المحتمل أن يشكل أكبر دافعا للنساء على اقتحام جميع المهن التي مازالت ذكورية، ويجلب المواهب والمهارات النسوية التي تفيد المجتمع ككل.

المقارنة لا تستقيم

أحمد بن حسانة:  المقارنة بين المحاميات العربيات لا تستقيم بحكم شدة التفاوت بين الدول في تحرير المرأة ومنحها حقوقها
أحمد بن حسانة:  المقارنة بين المحاميات العربيات لا تستقيم بحكم شدة التفاوت بين الدول في تحرير المرأة ومنحها حقوقها

لكن يبدو أن العوائق التي تواجه المحاميات تختلف في حدتها من مجتمع إلى آخر، وفق ما أكد الأستاذ أحمد بن حسانة المحامي بتونس لـ”العرب”، مستشهدا بالبلاد التونسية التي تعد مثالا رائدا في تعزيز مشاركة المرأة في قطاع العدالة، إذ تطورت نسبة التونسيات العاملات في قطاع المحاماة خلال 14 سنة من 42 بالمئة إلى 45 بالمئة في عام 2016، وتعكس نسبة النساء العاملات في هذا القطاع تطورا كبيرا في عدد الطالبات اللواتي يدرسن في جامعات الحقوق والقانون والعلوم السياسية، واللواتي يشكلن حوالي 55 بالمئة في هذه الاختصاصات.

وقال بن حسانة “المقارنة بين المحاميات العربيات لا تستقيم بحكم شدة التفاوت بين الدول في تحرير المرأة ومنحها حقوقها، فالبعض من الدول العربية كانت سبّاقة في منح المرأة حقوقها أسوة بالرجل وتخليصها تدريجيا من قيود التخلف والدونية منذ بداية القرن العشرين، لتقتحم تدريجيا الفضاء العام في ظل شراكة حقيقية مع الرجل كتونس على سبيل المثال، وبين دول أخرى لم ترخص للمرأة لتزاول مهنة المحاماة إلا قبل بضع سنوات”.

وأضاف مستدركا “لكن هذا التفاوت بأبعاده التاريخية والسوسيولوجية لا يمكن أن يحجب ما تواجهه المرأة المحامية في العالم العربي ككل من مصاعب مقارنة بالمحامي الرجل وإن اختلف ذلك من مجتمع إلى آخر”.

وتابع بن حسانة حديثة موضحا “إذا كانت المرأة في بعض الدول العربية تكافح من أجل إثبات وجودها ونيل الاعتراف بدورها، وخصوصا في ظل استمرار تعالي الأصوات التي تعيش خارج الزمن وتستكثر عليها أن تكون محامية لتسهم في إقامة العدل في بلدها، فإن التحديات التي تواجهها في بعض الدول الأخرى، تتمثل في السعي لتأهيل مكتبها الخاص ليطابق المعايير الدولية ويكون قادرا على مجابهة التنافسية، وتعمل أيضا على تنويع خبراتها واختصاصاتها لمواكبة ظاهرة العولمة التي طالت حتى المحاماة، فأضحى بإمكان المكاتب الأوروبية الانتصاب في الدول العربية أو البعض منها، مع ما يفضي إليه ذلك من مزاحمة في هذا المجال”.

وشدّد بن حسانة في خاتمة حديثه على أن الوضع العام للمحاميات العربيات يختلف باختلاف الظروف في كل دولة، معتبرا أن نجاح المرأة المحامية يظل خيارا فرديا ويتوقف على عدة عوامل، منها الذاتي ومنها الموضوعي، فمثلما يوجد من المحاميات من يكتفين ببعض الاختصاصات التقليدية كقانون الأحوال الشخصية والقانون المدني والقانون الجزائي، يوجد أيضا منهن من يعملن على اقتحام اختصاصات عصرية، كالتحكيم والقانون التجاري والقانون الدولي وغيرها.

أحمد بن حسانة:  المقارنة بين المحاميات العربيات لا تستقيم بحكم شدة التفاوت بين الدول في تحرير المرأة ومنحها حقوقها
مهدي قصير:  المرأة العربية قطعت أشواطا في ممارسة مهنة المحاماة وبرزت فيها بكل ثقة واقتدار

أما الدكتور مهدي قصير، الباحث الجزائري في علم الاجتماع، فيرى أن المرأة العربية استطاعت أن تحقق النجاح والتميز في عدة مجالات ووظائف كانت لوقت قريب حكرا على الرجل، على الرغم من جميع القيود المفروضة عليها من قبل الحكومة والمجتمع والأسرة.

واعتبر قصير أن المرأة العربية قطعت أشواطا مهمة في ممارسة مهنة المحاماة وبرزت فيها بكل ثقة واقتدار رغم استمرار العقليات البالية والأحكام المسبقة في محاصرة المرأة والنظر إليها نظرة دونية.

وقال قصير لـ”العرب”، “المحاميات في البلدان العربية لا زلن يتعرضن لمختلف أنواع التضييقات والتحرشات في مكان العمل من قبل الرجال، وهذا يعكس الغيرة والخوف الذكوري من بروز المرأة وتخلصها من التبعية للرجل بتحكمها في دواليب هذه الوظيفة التي تعتمد على الذكاء والفصاحة والقدرة على التفاوض البناء، وكل هذا تمتلكه المرأة العربية، حيث نجد محاميات عربيات دافعن في قضايا كبرى وبرزن فيها مثل حقوق الإنسان وقضايا الظلم والتهميش”.

 وتمنى قصير أن تأخذ المحامية العربية مكانتها الحقيقية في هذه المهنة التي هي أهل لها، داعيا المدافعين عن حرية المرأة ومكانتها الإنسانية إلى عدم التسليم ومواصلة النضال من أجل تحقيق التقدم والنمو في المجتمعات العربية والتخلص إلى الأبد من حالة التمييز والظلم ضد المرأة.

 وختم قصير بقوله “من المستحيل أن تخطو المجتمعات العربية نحو الحضارة والازدهار دون تمكين المرأة من جميع حقوقها ووضعها في المكانة التي تستحقها فعلا وهي ريادة المجتمع وقيادته، وإنها لجديرة بكل ذلك فهي أصل الحياة وأصل الحضارة وبفضلها ستتمكن مجتمعاتنا من اللحاق بالركب الحضاري والتخلص من كل التطرفات والرؤى الجاهلة التي جرت مجتمعاتنا إلى الظلام والهمجية والتوحش”.

فقدان السيطرة

غير أن المحاميات يمكن أن يواجهن تحديات أخرى كثيرة، بخلاف المعتقدات الاجتماعية التي يصعب تغييرها، وتتمثل في تحملهن رعاية الأطفال والأسرة والقيام بالأعمال المنزلية، فتتعدد المهام المطلوبة منهن، ما يفاقم الإحساس لدى الكثيرات منهن بفقدان السيطرة على الأمور، نظرا لوجود شعور بالخوف من التغاضي عن شيء مهم، أو التوجس من أن ينحرف شيء معين عن مساره، أو ارتكاب خطأ ما، وكل هذا يضر بحياة المحاميات المهنية ويبدد طموحاتهن، فيما يجعل الرجال يتمتعون بمميزات كثيرة في هذا المجال.

مفيدة سليم:  مهنة كغيرها من المهن الحرة تشترط التفرغ التام والجهد المضاعف والنشاط الدؤوب لتحقيق النجاح
مفيدة سليم: مهنة كغيرها من المهن الحرة تشترط التفرغ التام والجهد المضاعف والنشاط الدؤوب لتحقيق النجاح

ولكن الأستاذة مفيدة سليم المحامية والمستشارة لدى المؤسسات الاقتصادية بتونس تؤكد أنها تعلمت كيف ترتب الأولويات وتخطط لمهامها حتى تفي بجميع التزاماتها المهنية ولا تخلّ بواجباتها الأسرية.

وقالت سليم لـ”العرب”، “أحببت مهنة المحاماة منذ نعومة أظافري واستحضر هنا كيف أجبت والدي عندما كنت في السادسة من العمر بحماس كبير حين سألني عن المهنة التي أروم العمل بها عند الكبر بقولي محااااامية”.

وتابعت “أدهشت الجميع بهذا الاختيار، لأني لا أعرف عن هذه المهنة شيئا سوى أن والدي كان مولعا بالزعيم بورقيبة مؤسس الدولة التونسية الحديثة الذي كان هو أيضا محاميا، لذلك فوالدي كان متحمسا له كثيرا ولتوجهاته وقيادته، ورغم صغر سني أدركت بحدسي الطفولي أن المحاماة مهنة الزعماء، لذلك اخترتها دون أن أعرف معناها ولا مشاكلها أو منافعها”.

واسترسلت سليم في حديثها “أخذت عهدا على نفسي أن أبذل ما في وسعي لأصل إلى هدفي والتزم بهذه الرسالة النبيلة فالتحقت بكلية العلوم القانونية وهناك بدأ درب المحاماة، فتمرنت بإحساسي وحواسي على الانتصار للحق والحقيقة، مهما كانت الطريق للعدالة شاقة ووعرة”.

وأشارت سليم إلى أنها تدربت بعد حصولها على شهادة المحاماة في مكتب محامية تونسية وصفتها بالبارعة، وهي نموذج للمرأة المحامية المثالية، في رباطة جأشها وشجاعتها وعقلها الثاقب، مؤكدة أنها تأثرت بشخصيتها القوية والواثقة، بالإضافة إلى أنها ورثت خصال والدها الذي كان ضابطا في الجيش مثل: النضال والصبر والتضحية والاجتهاد، وجميعها صفات ضرورية في ممارسة مهنة المحاماة حسب اعتقادها.

واستدركت سليم قائلة “لكنها مهنة كغيرها من المهن الحرة تشترط التفرغ التام والجهد المضاعف والنشاط الدؤوب لتحقيق النجاح الذي لا يكون منذ البداية، لأنه مرتبط بمدى ثقة الزبائن وهي أيضا تكتسب مع الوقت وبالخبرة والثقافة والقدرة على زرع الاطمئنان في قلوب الموكلين، وكل هذا يستدعي منا الكثير من التضحيات في سبيل أن نريح من يقصدنا طلبا للعدل والإنصاف ورفع الظلم”.

وشددت على أن “المحاماة مهنة شيقة وشاقة في الوقت نفسه، خاصة بالنسبة للمحامي المبتدئ”، ولكنها لا ترى فرقا بين المحامي أو المحامية، فبغض النظر عمن يصطادون في الماء العكر ويروجون لبعض الأفكار المعادية للمرأة بهدف تثبيط جهودها، فإن النساء اليوم اقتربن من تحقيق المساواة مع الرجال في قطاع المحاماة وفي عدة مجالات.

 وختمت سليم بقولها “أعتقد بأن الفيصل الوحيد للنجاح ليس جنس المحامي، وإنما الثقة في النفس والعمل الدؤوب والموهبة وأهم شيء هو ثقة الناس″.

ويتعلق النجاح الحقيقي في أي مجال بطريقة التفكير، ولذلك فمعظم النساء الناجحات لا ينظرن للعقبات على أنها فشل، بل يرونها كفرصة للتحدي من أجل إثبات الذات.

خصوصيّة المحاماة تحول دون بروز النساء

مختار الجماعي:  لمهنة المحاماة خصوصيّة قد تحول دون بروز أسماء نسائيّة
مختار الجماعي:  لمهنة المحاماة خصوصيّة قد تحول دون بروز أسماء نسائيّة

اقتحمت المرأة التونسية جميع الميادين وأثبتت جدارتها نتيجة محصلة أكثر من نصف قرن من الحداثة والمدنية، وقطاع المحاماة لا ينفصل عن القطاع الحقوقي عامة، الذي اقتحمته المرأة التونسية منذ بداياته، ومع ذلك وإلى زمن قريب بقي دورها ضعيفا.

ومن الناحية التاريخية فإن الجالية اليهودية أعطت المحاماة التونسية أول مرسّمة في جدول المحامين وهي جوليات ماجة زيرح، التي التحقت بالمهنة سنة 1916، وبقيت الهياكل المشرفة على القطاع وطنيا وجهويا حكرا على الرجال إلى أن نجحت الحقوقية راضية النصراوي في الفوز بمقعد أول امرأة بمجلس الهيئة الوطنية من خلال انتخابات 1989.

ومع ذلك فلا تزال المحاماة قطاعا لا يمكن للمرأة أن تبرز فيه بسهولة، خاصة وأنه يرتبط شديد الارتباط بالمجتمع الحقوقي الإنساني، في دولة لا تزال تعاني أجيالا من الدكتاتورية والكليانية، بالرغم من أنّ التاريخ خلّد أسماء نسوية أنهكت نظام بن علي مثل راضية النصراوي وسعيدة العكرمي وغيرهما، وتعاني المحاميات في تونس كغيرهن من مشاكل القطاع بصورة عامة من قبيل التوزيع غير العادل للقضايا وتفشّي ظواهر السمسرة والمحاباة، ومشاكل خاصة مثل صعوبة التعامل عامة مع أصناف خاصة من الحرفاء، والاعتقاد الخاطئ لدى عموم الناس في أن الدفاع عن الحقوق يتطلب شراسة قد لا تتماشى مع رقة المرأة. إن لمهنة المحاماة خصوصيّة قد تحول دون بروز أسماء نسائيّة، منها ما تتطلّبه المحاماة على خلاف المهن الطبية، مثلا من تمزّق بين المكتب والمحكمة والمؤسسات العمومية ومخافر الشرطة من جهة وبين متطلبات الحياة الأسرية ومقتضياتها.

ويبدو أن التوسعة في مجال تدخل المحامي بتنظيم حضوره أمام باحث البداية بمخافر الشرطة نهارا وليلا من أبرز الصعوبات الجديدة التي تعوق عمل المرأة، بين ضعف المقبولية الاجتماعية وما قد تتعرّض له المحامية من هرسلة ومضايقات أثناء ممارسة ذلك النشاط. ولكن ما اكتسبته المرأة التونسية من توازن نفسي وقوة شخصية نتيجة تكوين مستمر عبر أجيال مختلفة مدعومة بترسانة من التشريعات الضامنة لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص جعلها تنجح في اقتحام كلّ مجال ترغب فيه، فتحقق ذاتها وتفرض نفسها وتحصد ثمرات نجاحها، تلك هي المرأة التونسية.

 

20