شباب يتحايلون على قسوة الواقع بالسخرية عبر ستاند أب كوميدي

استقطب فن ستاند أب كوميدي شريحة واسعة من الشباب العرب في السنوات الأخيرة، الذين وجدوا في هذا النوع من الفن طريقة فريدة للتعبير عن مشاكلهم وقضاياهم، تتلاءم مع أسلوب حياتهم في القرن الواحد والعشرين.
الرياض - تحويل التراجيديا إلى كوميديا أصبح الطريقة التي يفضلها جيل الشباب اليوم لمواجهة قسوة الواقع دون انكسار، ومع تفاقم الأوضاع السياسية سوءا في المنطقة العربية وجد الشباب ضالتهم في فن “ستاند أب كوميدي” الذي يتحايلون من خلاله على إحباطهم ومشكلاتهم بالضحك والسخرية والتهكم.
ويكتسب هذا الفن حيوية من امتزاج النص المكتوب مع عفوية المقدم وشخصيته في تفاعل حي مع الجمهور مباشرة، ويناقش مختلف المشكلات والقضايا والأزمات السياسية والتغيرات الاجتماعية الهائلة بعد الثورات العربية، إضافة إلى حالة الانفصال عن الواقع التي صدرتها مواقع التواصل الاجتماعي لجيل الألفية.
يجمع العاملون في مجال الدراما والمسرح والفن عموما على مقولة أن من السهل تقديم محتوى تراجيدي بائس يثير بكاء المشاهد، ولعل نشرات الأخبار قد قامت بهذه المهمة على أكمل وجه وتمارسها كل يوم على مدار الساعة، بمجرد نقل ما يجري على أرض الواقع دون رتوش، لكن المهمة الصعبة دائما هي نقل الابتسامة وإضحاك المتلقي دون إسفاف أو تهريج.
قضايا جادة
ويستحوذ الشباب على هذا الفن ابتداء من مقدميه إلى المتلقي في الدول العربية، ويلاحظ انتشاره بين أوساط الطلاب في المدارس الثانوية والجامعات في الدول العربية، ويستقطب الفتيات إضافة إلى الشبان.
ومنذ نهاية تسعينات القرن الماضي بدأ الفنانون الشباب في العالم العربي في الاتجاه إلى طرح قضايا جادة بطريقة فن ستاند أب كوميدي، ليصبح من أكثر الفنون تفاعلا مع الجمهور بشكل مباشر، يتحدث عن تفاصيل حياتهم بطريقة فكاهية، وبأسلوب فني ناقد وساخر.
ويرى البعض أن ستاند أب كوميدي امتداد لفن المونولوج، لكن هناك فروق جلية بينهما ويلفت ياسر بكر مدير نادي الكوميديا في جدة إلى أن ستاند أب كوميدي شكل من أشكال الكوميديا، هدفه أن يقدم الفنان نصا فيه كثافة عالية لمحفزات الضحك، دون الاستعانة بالأشياء الأخرى، التي كان يستعين بها المنولوجست قبل ذلك.
وكأي فنان آخر قد يصطدم ستاند أب كوميدي بالمحرمات المجتمعية، كما حدث لبكر مؤخرا، بسبب سخريته من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكان بكر قد تناول في عرضه الأخير موضوع ملاحقة الهيئة للشباب قبل سنوات وشبه رجالها بـ”العصابات”. وطالب رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمحاسبة الكوميدي الذي اضطر في ما بعد إلى الاعتذار، قائلا إنه لم يكن موفقا في التعبير عن فكرته.
وجدد العرض الكوميدي الجدل بين التيارين المحافظ والليبرالي في السعودية حول التغيرات التي تشهدها المملكة أخيرا.
فقد انتقد البعض على مواقع التواصل الاجتماعي الممثل الشاب ونادى بعضهم بإعادة صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لردع ما وصفوه بالتجاوزات الأخلاقية.
في المقابل، استنكر آخرون الدعوات إلى محاسبة الكوميدي الشاب واعتبروها تناقضا مع التوجه الجديد في المملكة، وعدوا إجبار المبدعين على الاعتذار سلوكا غير مقبول.
وأصبحت عروض ستاند أب كوميدي تُقام في النوادي الثقافية والمطاعم، وتتزايد شعبيته باستمرار، كما بدأت فعاليات ومهرجانات كبرى في مختلف دول الخليج، والدول العربية بتخصص مساحة لهذا الفن ضمن خارطة برامجها.
وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي، مثل يوتيوب وسناب شات بانتشار العديد من الأسماء من مختلف أنحاء العالم العربي، في فن ستاند أب كوميدي، حتى أن البعض منهم تركوا مهنهم الأخرى وتفرغوا لهذا الفن.
ومن الملاحظ لجوء فنانين شباب فلسطينيين إلى هذا الفن، وتناولهم لواقعهم وقضاياهم من خلاله وبرزت أسماء عديدة داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، فقد اختار الشاب الأميركي من أصل فلسطيني عامر زاهر ستاند أب كوميدي للحديث عن قضيته، بعيدا عن مهنته الأساسية في المحاماة، ويتناول في عروضه القضايا السياسية والاجتماعية الفلسطينية والعربية، والوضع العام في الداخل الفلسطيني خصوصا ذلك المتعلق بعادات الزواج وتصرف المتزوجين قبل وبعد الزواج وغيرها.
واستعرض زاهر مهاراته الكوميدية في العديد من الأماكن ابتداء من الأراضي الفلسطينية إلى الأردن ثم الولايات المتحدة التي قصدها للدراسة والعمل والاستقرار.
ويرى زاهر أن الفلسطيني مرتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة والاحتجاجات، ويقول في أحد عروضه “أنا من عمر سبع سنوات وأنا أشارك في الاحتجاجات… الفلسطيني سياسي وهو طفل. لقد سألني طفل فلسطيني في السابعة من عمره إذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما سيترشح مرة ثانية أم لا.. ما هذا”.
ويعتبر زاهر أن ستاند أب كوميدي يمثل ضمير الناس، يتحدث فيه بكل شيء دون خوف، وتكون العلاقة مع الجمهور تفاعلية وربما يقدم خلال جزء كبير من العرض أشياء تخطر على باله فقط لحظة العرض.
وتكتسب الكوميديا الارتجالية إقبالا جماهيريا متزايدا في الأردن، وتقام العديد من العروض في العاصمة عمان، ونجح الكوميدي الفلسطيني عدي خليفة
في أحد العروض، في إغراق الجمهور ضحكا حد البكاء، بعرض يسخر فيه من معاناة أن تكون فلسطينيا.
ويتناول الشاب البالغ من العمر 28 عاما الصعوبات التي تواجه الفلسطيني المسافر إلى الخارج وأمورا تتعلق بالحياة اليومية. ويرى خليفة الذي ولد وكبر تحت الاحتلال، في الكوميديا مخرجا من الظروف الصعبة التي نشأ فيها.
وفي عرضين آخرين للكوميديين الأردنيين أحمد سرور وعدي حجازي، سخر سرور في العرض الذي قدمه من كيفية التعامل مع الأمطار الغزيرة التي هطلت على البلاد أخيرا وأغرقت العديد من شوارع عمان الرئيسة.
نجوم عرب على نتفليكس
دفعت شعبية ستاند أب كوميدي شركة نتفليكس إلى تجميع 47 نجما كوميديا من 13 منطقة في سلسلة غير مسبوقة لفعاليات ستاند أب كوميدي انطلقت بداية العام. ويقدم كل واحد من نجوم الكوميديا عرض ستاند أب كوميدي ارتجاليا خاصا مدته نصف ساعة، ويتم تسجيل بعض هذه العروض ضمن مهرجان “فقط للضحك” في مونتريال، بينما يتم تسجيل البعض الآخر في كل من البرازيل والمكسيك والهند وألمانيا وهولندا. ويجري إصدار جميع الحلقات في وقت واحد.
وتضم سلسلة الفعاليات الفريدة مجموعة من العروض الخاصة لكوميديين متنوعين من حيث الأسلوب والجنس والعرق، وتسجل بسبع لغات (الفرنسية والإسبانية والبرتغالية والعربية والهولندية والألمانية والإنكليزية) ويشارك فيها من العالم العربي كل من مؤيد النفيعي وإبراهيم الخير الله من السعودية، والفلسطيني عديّ خليفة إضافة إلى روسن حلاق من الأردن.
وقالت ليزا نيشيمورا، نائبة الرئيس للوثائقيات والأعمال الكوميدية الأصلية لدى نتفليكس “لا شيء أفضل من اكتشاف نجم كوميدي جديد يعجبك أسلوبه. ونحن نقدم من خلال هذا الحدث مهرجانا كوميديا حقيقيا لأعضاء شبكتنا حيث يمكنهم أن يجوبوا العالم وهم في منازلهم بحثا عن أحدث الأصوات الكوميدية”.
وصرحت الأردنية روسن حلاق والتي تألقت في تقديم فن ستاند أب كوميدي في الأردن بأن الشو الذي تقدمه في البرنامج يعتمد بشكل أساسي علي الارتجال وأنها تحرص دوما على تقديم مواضيع نسائية قريبة من الفتيات ولكن بشكل كوميدي وبسيط كنوع من النقد الذاتي البناء، في محاولة منها لتكون لسان حال النساء بالوطن العربي حيث تتشابه تصرفاتهن تقريبا في أغلب الأمور.
وأوضحت حلاق أن فن ستاند أب كوميدي كان يحتكره الرجال، لكنها قبلت التحدي وواجهت كل الظروف والصعوبات لتقدم ما تريد بالاعتماد على الكثير من القصص الحقيقية التي لا تخلو من المبالغات من أجل إضافة البسمة والضحكة على وجوه الجمهور المتلقي.
وأشارت حلاق إلى أنها كانت تعاني كثيرا في بداية تقديمها لهذا اللون من الفنون من الانتقادات اللاذعة من قبل المتابعين على موقع يوتيوب، لكنها مع الوقت تقبلت الأمر واستطاعت أن تتعايش مع النقد الجارح، مضيفة أنها وجدت دعما كبيرا من الجمهور الذي طالبها باستكمال ما بدأته وهو ما أعطاها دافعا كبيرا للعمل أكثر وأكثر.
وحتى بعض المواضيع الخاصة بالنساء التي قد يراها البعض حساسة أو لا تناقش في العلن تعتبرها حلاق حقيقية وحساسة، ولكنها تتطرق إليها بنوع من الحذر دون أن تأذي مشاعر المتلقي.
وتحاول حلاق التوجه إلى الجمهور العربي في كل مكان وحتى من لا يفهم اللهجة الأردنية تسعى دوما إلى تقديم العرض إليه بطريقة سهلة وبسيطة لتستطيع توصيل الرسائل التي تريدها وتدعو دوما إلى التصالح مع النفس وتقبل الذات.
وترى أن أي منصة تستطيع أن تصل من خلالها إلى الناس لن تتردد في طرق بابها سواء كانت نتفليكس أو من خلال يوتيوب.
بوابة يوتيوب
أما السعودي إبراهيم الخير الله فقد أصبح ملهما للكثير من أبناء جيله، وقد بدأ بممارسة هوايته عبر يوتيوب كغيره ممن استفادوا من التقنية الجديدة وثورة الإنترنت.
ويعتبر من أوائل الشباب السعوديين الذين أرسوا قواعد فن ستاند أب كوميدي في السعودية قبل نحو خمس سنوات، حين قدم مع مجموعة من الشباب الموهوبين عروضا مفتوحة للجمهور، أطلقوا خلالها “النكات الاجتماعية” التي نالت صدى كبيرا، حتى تحول هذا الفن الجديد على أيديهم وبفضل موهبتهم الكبيرة إلى مطلب جماهيري، يحرص على متابعته الشباب سواء عبر العروض المفتوحة في مختلف المناطق أو عبر برامج يوتيوب.
ويعتبر الخير الله أن يوتيوب هو المنصة الإلكترونية الأكثر انتشارا في الوقت الحالي، والمنفذ الأوسع للمواهب الشابة.
من جانبه يعتبر الفلسطيني عدي خليفة أن فن ستاند أب كوميدي هو الأصعب على المسرح لأن مقدمه ليست معه أي وسائل مساعدة سوى المحتوى الذي يقدمه والميكروفون فقط، مؤكدا أن كبار نجوم الكوميديا لا يستطيعون تقديم عرض من خلال فن ستاند أب كوميدي إلا لو كانت لديهم المهارات والإمكانيات.
ويعتبر خليفة أن مهمته تكمن في تقديم المسكوت عنه والقضايا التي لا تناقش إلا قليلا، فهو يقدمها من خلال عروضه بطريقة كوميدية.