أردوغان مسكون بهاجس الانقلاب في ذكرى الإطاحة بأربكان

توظيف خطاب الحفاظ على الديمقراطية في مسعى لتجنب مصير أول حكومة يقودها الإسلاميون في تركيا.
الجمعة 2019/03/01
مشهد مايزال يؤرق الإسلاميين

يعيش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاجس الانقلاب دائما ويتصرف على هذا الأساس منذ أن كاد الانقلاب الفاشل يطيح به في العام 2016. فتاريخ تركيا الحافل بالانقلابات التي كان للجيش دور رئيسي فيها بات مربكا لأردوغان ومن ورائه نظام حزب العدالة والتنمية سليل الإسلاميين الذين أطاح بهم انقلاب في العام 1997 بضغط من القيادات العلمانية للجيش في ذلك الوقت وكانت من نتائجه إقالة حكومة الزعيم الراحل نجم الدين أربكان وحظر حزبه الرفاه. وتعد تلك الأحداث ضربة قاسية تلقاها الإسلاميون في تركيا باعتبار أن حكومة أربكان هي أول حكومة يقودها الإسلاميون في البلاد إلى جانب التمسك بمبادئ العلمانية في التصدي لمدّهم في تلك الفترة.

أنقرة - الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي نجح في تجاوز عقبة انقلاب العام 2016 ضده يبدو مسكونا بهاجس الانقلاب في كل تصرفاته حتى في أبسط التفاصيل ولا تفوت حكومة حزب العدالة والتنمية أي فرصة لإبراز المخاطر التي تتربص “بالديمقراطية في تركيا” لتجد في ذلك مبررات لاستهداف المشتبه بهم في التورط في الانقلاب على نظام أردوغان قبل أكثر من عامين.

وفي تصريحات أدلى بها خلال حوار مع قادة الرأي في شرق وجنوب شرق تركيا ونقلها موقع تركي، الخميس، قال أردوغان إن “سقوط حكم العدالة والتنمية سيكون بمثابة عيد لمن يحيكون المكائد يوميا للإيقاع بين شعوب المنطقة”.

وتابع أنه في حال سقوط نظامه “سيتحرر التيار المعادي للإسلام المتصاعد في الغرب بدءا من أوروبا ووصولا إلى أميركا”.

أمام حملات الاعتقالات والمحاكمات والفصل من الوظائف بتهمة التآمر والمشاركة في انقلاب يوليو 2016، والصلاحيات الواسعة التي منحها أردوغان لنفسه في محاولة لجعل الأوضاع تحت السيطرة لم يعد هناك مجال للشك في أن هواجس الانقلاب هي المتحكم الأبرز في سلوكيات الرئيس التركي وهو هوس انتقل إلى عائلة أردوغان حيث نشرت زوجة أردوغان أمينة تغريدة على تويتر حذرت فيها من تكرار ما حدث في العام 1997 وهو ما أصبح يعرف في تركيا باسم “انقلاب ما بعد الحداثة”.

وكتبت أمينة أردوغان “علينا ألّا ننسى 28 فبراير حتى لا تعيش بلادنا مرة أخرى مثل هذه الفترات المظلمة لانتهاك حقوق الإنسان، واستهداف الديمقراطية، وانتزاع المستقبل من أيدي نسائنا وشبابنا”.

تشارك زوجة أردوغان في الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا بشكل لافت إذ تلعب دورا بارزا في دعم سياسات وتوجهات نظام حزب العدالة والتنمية.

يذكر أنه في 28 فبراير 1997، أصدر مجلس الأمن القومي في تركيا قرارات لحماية علمانية الدولة من الرجعية الدينية، مما تسبب في الإطاحة بالحكومة الائتلافية آنذاك والتي كان يرأسها الراحل نجم الدين أربكان.

إلى جانب تغريدة أمينة أردوغان نشرت وكالة الأناضول وهي وكالة الأنباء الحكومية في تركيا تقريرا بمناسبة ذكرى الانقلاب على أربكان قالت فيه إن الانقلاب “وصف بأنه “لاحقا (في إشارة إلى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم) وصمة عار” في تاريخ تركيا السياسي”.

ووفق تقرير الأناضول، شهدت تركيا انتخابات برلمانية في ديسمبر 1995 نتج عنها فوز حزب الرفاه بزعامة أربكان، بنسبة 21 بالمئة من أصوات الناخبين الأتراك، ليحصد بذلك 158 مقعدا من أصل 550 في البرلمان التركي. وفي يونيو 1996 تشكلّت حكومة ائتلافية بزعامة أربكان من حزب الرفاه، وطانصو تشيلّار من حزب “الطريق القويم”، التي تولت منصب نائبة رئيس الوزراء وزيرة الخارجية.

بدايات الانزعاج من حكومة الائتلاف التي يقودها أربكان، كانت خلال اجتماع مجلس الشورى العسكري الذي انعقد في أغسطس 1996، تزامنا مع تعالي أصوات حول “تعرض نظام الحكم للتهديد” في البلاد.

وشهد اجتماع مجلس الشورى العسكري توجيه أعضائه انتقادات للحكومة بسبب “الأنشطة الرجعية”. كما أشعلت زيارات نجم الدين أربكان في أكتوبر 1996، إلى كل من إيران ومصر وليبيا ونيجيريا، نقاشا حادا في البلاد.

التهديد المستمر
التهديد المستمر

وخلال زيارة أخرى قام بها أربكان إلى ولاية قيصري وسط البلاد، مطلع 1997، استقبله أعضاء حزبه مرتدين زيا موحدا يغلب عليه الطابع الديني، مما تسبب في انزعاج الجهات القضائية التي وصفت المشهد بأنه “يتناقض مع قانون الأحزاب السياسية”.

وفي 31 يناير 1997، نظّم رئيس بلدية قضاء سنجان بالعاصمة أنقرة، المنتمي إلى حزب الرفاه، أمسية حول القدس، دعا إليها السفير الإيراني في تركيا.

أدّت مشاركة السفير الإيراني في الأمسية وإلقاؤه كلمة فيها، إلى اشتعال الجدال في البلاد من جديد حول ماهية وهوية نظام الحكم في تركيا. وبحلول شهر فبراير من العام نفسه، فتحت النيابة العامة ونيابة محكمة أمن الدولة بأنقرة، تحقيقين منفصلين حول رئيس بلدية حزب الرفاه لتنظيمه “أمسية القدس”.

وبالتزامن مع ذلك، وبالتحديد في 4 فبراير 1997، مرت 15 دبابة و20 عربة ومدرعة عسكرية من قضاء سنجان الذي استضاف “أمسية القدس”، في مشهد اعتُبر “تحذيرا عسكريا” للحكومة، وفتح الباب أمام التفكير في احتمالية حدوث انقلاب في البلاد.

وفي اليوم نفسه، أقالت وزيرة الداخلية آنذاك، مرال آقشنار، رئيس بلدية سنجان من حزب الرفاه، بكير يلدز.

أثارت هذه المستجدات حالة قلق لدى العديد من الأوساط في تركيا، من بينها رئيس الجمهورية آنذاك، سليمان ديميريل، ما تسبب باندلاع شرارات الخلاف بين شريكي حكومة الائتلاف حزبي الرفاه والطريق القويم.

وفي ظل استمرار الجدل حول “هوية نظام الحكم” في البلاد، صرّح رئيس الوزراء أربكان، في 21 فبراير 1997، عقب لقائه مع رئيس البلاد، بأن “تركيا ليست لديها مشكلة حول نظام الحكم”.

في اليوم نفسه، كان وكيل رئيس الأركان التركي، تشويك بير، يشارك في فعالية للمجلس التركي- الأمريكي بواشنطن، وصرّح هناك بأن “مرور الدبابات من سنجان كانت بمثابة موازنة للديمقراطية” في بلاده. في ضوء هذه التطورات، اجتمع مجلس الأمن القومي التركي في 28 فبراير 1997، برئاسة رئيس البلاد، سليمان ديميريل.

وساهم هذا الاجتماع التاريخي في رسم خارطة طريق جديدة لتركيا على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية.

حضرت الاجتماع التاريخي للمجلس القومي التركي في ذلك اليوم شخصيات سياسية وعسكرية من أبرزها رئيس الوزراء نجم الدين أربكان ونائبته ووزيرة الخارجية طانصو تشيلار ورئيس هيئة الأركان، بالإضافة إلى وزيري الدفاع والداخلية وقادة الجيش وعدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين.

الجيش العلماني الذي يهيمن عليه رجال أردوغان
عداء أردوغان للجيش مستمر

وفي نهاية الاجتماع الذي استغرق 8 ساعات و45 دقيقة ليكون بذلك واحدا من أطول الاجتماعات في تاريخ المجلس القومي التركي، صدر بيان ختامي تضمّن باختصار “ملاحظة سعي بعض المجموعات المعادية للجمهورية والعلمانية ونظام الحكم في البلاد، لتقويض الدولة الديمقراطية القانونية”.

وشدد البيان على ضرورة مواجهة جميع المساعي التي تستهدف النيل من علمانية الدولة التركية، ومبادئ مؤسس الجمهورية أتاتورك، ومواجهة المجموعات المعادية لهذه المبادئ تحت أي مسمى كان، واتخاذ التدابير اللازمة من أجل ذلك.

وكان من أبرز قرارات اجتماع المجلس القومي التركي، تحويل مدارس الأئمة والخطباء إلى مدارس مهنية، وعزل العسكريين المشتبه بهم في مشاركتهم بأنشطة رجعية، وفتح الباب أمام عملهم لدى البلديات.

وبحلول 21 مايو 1997، أصدر النائب العام لدى المحكمة العليا قرارا بحل حزب الرفاه بشكل دائم نظرا لـ“تحوله إلى مركز للفعاليات والأنشطة المعادية للدستور ومبادئ العلمانية”. وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة.

كانت حكومة أربكان هي أول حكومة يقودها الإسلاميون في تركيا. كما كان الرئيس التركي الحالي عضوا في حزب الرفاه ومن ضحايا ذلك الانقلاب. لهذه الأسباب نفذ أردوغان في أواخر العام 2017 حملة اعتقالات في حق قيادات في الجيش بسبب قضايا تتعلق بالانقلاب الضمني الذي حدث في 1997 شملت 60 شخصا بينهم القائد السابق للجيش التركي. وجاء التحقيق في الإطاحة بأربكان ضمن سلسلة قضايا استهدفت على مدى السنوات الماضية قادة الجيش العلماني القوي السابق.

ورغم أن التدخل العسكري في العام 1997 لم يكن معلنا، على شاكلة ما حدث في انقلابي عامي 1960 و1980 والانقلاب الفاشل في عام 2016، لا يزال استعراض الدبابات الذي حدث أمام المقر الذي احتضن أمسية القدس يثير غضب أردوغان المنتمي إلى التيار الإسلامي التركي.

13