هل تقدر واشنطن على ترويض طالبان

تساؤلات ترافق المفاوضات مع واشنطن تتمحور في جلها حول الضمانات التي ستقدّمها طالبان كي لا تقدم مجدّدا على تعميم الفوضى أو استخدام الأراضي الأفغانية لدعم الجماعات الجهادية.
الخميس 2019/02/28
رؤية مكبلة بإرث أيديولوجي متطرف

تواصل الولايات المتحدة خوض سلسلة من اللقاءات مع ممثلي حركة طالبان بهدف الوصول إلى اتفاق سلام يخلص أفغانستان من حروب دامية عاشت على وقعها منذ سنوات، لكن رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب توعّد بسحب قوات بلاده من أفغانستان وهو ما تصبو إليه حركة طالبان، فان العديد من الأسئلة الحارقة تحوم حول الخطوات التي ستنتهجها الحركة المتشدّدة عقب إبرام معاهدة سلام مع الحكومة الأفغانية، وهو ما يستدعي وجوبا طرح استفهامات أخرى تتعلّق بصفة مباشرة بمدى جدية حركة طالبان خلال المفاوضات مع الجانبين الأميركي والحكومي الأفغاني.

كابول - مع تقدّم سلسلة اللقاءات والمحادثات بين المبعوث الأميركي للسلام في أفغانستان زلماي خليل واد مع ممثلي حركة طالبان الذين التقاهم للمرة الخامسة في إطار مباحثات السلام، يطرح أغلب المتابعين للملف العديد من التساؤلات التي تتمحور في جلها حول الضمانات التي ستقدّمها الحركة المتشددة كي لا تقدم مجدّدا على تعميم الفوضى أو استخدام الأراضي الأفغانية ضد حكومة البلاد في حال إبرام اتفاق السلام وانسحبت كافة القوات الأميركية من أفغانستان.

هذا المنطلق الأخير، يستدعي أيضا الوقوف عند إشكالات أخرى تطرح من قبيل مدى جدية حركة طالبان في المفاوضات وذلك رغم أن كل التصريحات التي تلت لقاء الأربعاء مع المبعوث الأميركي تؤكّد أن المباحثات تسير في الاتجاه الصحيح.

وتجري واشنطن وممثلون عن حركة طالبان ماراثون مباحثات منذ أن عقدا في يناير الماضي جولة مباحثات للسلام في العاصمة القطرية الدوحة، استمرت 6 أيام.

وعلى عكس اللقاءت الأخرى شارك لأول مرة في المباحثات، التي أجريت الأربعاء، بالعاصمة الدوحة، القيادي في الحركة الملا عبدالغني برادر.

وقال عضو فريق الحركة المفاوض، عبدالحكيم مونيب، إن الجانبين بحثا الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وقطع طالبان علاقاتها مع المنظمات الإرهابية الأخرى.

وأوضح أن عدم حضور ممثلين عن الحكومة الأفغانية في المباحثات “لن يعطي نتائج جيدة”، مؤكّدا ضرورة مشاركة الحكومة الأفغانية في مباحثات السلام.

أما المتحدث باسم الرئاسة التنفيذية بأفغانستان، أوميد ميصام، فقد قال إن المباحثات “جرت بشكل جيد”. وأشار إلى “وجود ميول” لطالبان خلال المباحثات الحالية إلى تحقيق السلام في البلاد.

من جانب آخر، أعرب الخبير السياسي الأفغاني وحيد مجدي، عن توقعه نتائج إيجابية من مباحثات الدوحة.

وتشهد أفغانستان منذ سنين صراعا بين حركة طالبان من جهة، والقوات الحكومية والدولية بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى، ما تسبب في سقوط الآلاف من الضحايا من المدنيين.

وعلى عكس التأكيدات المتواترة التي عقبت كل اللقاءات الخمسة تقريبا والتي جاءت متفائلة بإمكانية التوصّل إلى اتفاق سلام، فإن العديد من المراقبين يشككون في نوايا حركة طالبان وذلك بالاستناد على إرثها المتشدّد الذي ربما سيقوي نفوذها في أفغانستان إن رأى الاتفاق المزمع إجراؤه النور.

هذه الرؤى المتوجّسة من مخاطر حركة طالبان، أكدّها مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية بتشديده على أن الحوار الأميركي مع طالبان لا يخضع للمنطق، خاصة إن لم تأخذ واشنطن في عين الاعتبار أن مهمة قواتها لم تنته بعد ولذلك لا يجب الوثوق أو المراهنة كثيرا على حركة طالبان.

ويشكك المركز في تقرير له في جدية طالبان في ما يتعلق بمدى التزامها مستقبلا ببعض النقاط التي طرحتها واشنطن وفي مقدّمتها وقف إطلاق النار، ومنع استخدام الإرهابيين للأراضي الأفغانية، وإجراء محادثات مع حكومة كابول.

إرث التشدد يصعّب الإيفاء بالتعهّدات
إرث التشدد يصعّب الإيفاء بالتعهّدات

من جهة أخرى، يستدل العديد من الملاحظين عند حديثهم عن هذه التخوفات، بعدم وثوق الحكومة الأفغانية في الخطاب الذي تسعى طالبان لترويجه بأنها ذاهبة نحو السلام بعدما تغيّب وفد الحكومة الأفغانية عن الجولة الخامسة من المباحثات التي عقدت بقطر. أما بخصوص المشككين في سياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منطقة الشرق، فإنهم يرتكزون على الإرث الأيديولوجي المتشدد لحركة طالبان والذي سيؤهلها في ما بعد الاتفاق إن أبرم للتنكر لكل وعودها خلال المفاوضات مع الإدارة الأميركية.

ويسلط تقرير مركز بيغن-السادات على تاريخية تشدد طالبان بتأكيده أن الحركة خدمت سابقا تنظيم القاعدة، التي هددت السلام العالمي وقيم الدول الحديثة المتحضرة.

ولتأكيد التصورات الرافضة لسحب القوات الأميركية من أفغانستان، فإن مهمة واشنطن في هذا البلد لم تنته بعد، فمنذ هجمات 11 سبتمبر 2001، أطلقت الولايات المتحدة عملية “الحرية الدائمة” للإطاحة بنظام طالبان، لكن رغم كل ذلك فإن هذه المهمة لم تحقق أهدافها.

ويرى المعارضون لسياسات ترامب في أفغانستان، أن الوضع يتطلب امتناع البنتاغون عن إجراء أي حوار مع طالبان. وأنه يجب على واشنطن ألا تقبل سحب قواتها من أفغانستان إلى أن تتم هزيمة طالبان بالكامل.

وتهدف حركة طالبان إلى السيطرة الكاملة على أفغانستان من أجل تأسيس حكمها الإسلامي في جميع أنحاء البلد واستخدامه كقاعدة للجماعات الجهادية العالمية.

ولكل هذه الأسباب فإنه لا يمكن الوثوق بطالبان، فمن المرجح أن تكرر ما فعلت بعد محادثات “السلام” السابقة. فعلى سبيل المثال عندما انسحب الاتحاد السوفييتي من البلاد في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، لم تحافظ الجماعة على جانبها من اتفاق السلام. كل هذه المخاوف أكدها المتحدث باسم الحركة في أفغانستان ذبيح الله مجاهد مؤخرا، بقوله إن الانسحاب الأميركي هو هدف الحركة الأول، تليه “إقامة نظام إسلامي” من خلال “مفاوضات مع مختلف الأطراف السياسية”.

حركة طالبان تهدف إلى السيطرة الكاملة على أفغانستان
انسحاب القوات الأميركية يمهّد لإقامة نظام إسلامي في أفغانستان

وأكّد أن هذا النظام سيستند إلى مبدأ الشورى، مع منح الخبراء الإسلاميين سلطة اتخاذ القرارات، بمشاركة “ممثلي الشعب والعلماء”. وتصر طالبان على الانسحاب الأميركي من أفغانستان منذ فترة طويلة. وحذّرت في رسالتها، خلال الذكرى التاسعة والثلاثين للغزو السوفييتي لأفغانستان، من أنّ الولايات المتحدة ستواجه نفس مصير موسكو في الثمانينات إذا لم تغادر أفغانستان.

ومن التوجسات الأخرى التي يستند عليها العديد من المتابعين لتأكيد مخاطر الخطوة الأميركية أن طالبان تجري محادثات شملت أيضا طهران تأهبا لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. ومن جهتها، أكدت إيران زيارة طالبان مؤخرا لطهران لإجراء جولة ثانية من المحادثات.

من ناحية أخرى، يذهب مراقبون إلى تأكيد أن سياسات واشنطن وقبولها الجلوس على طاولة مفاوضات قد تفرز اتفاق سلام ملغوما قد يضع أيضا الحكومة الأفغانية في مأزق كبير يجعلها رهينة لدى حركة طالبان. وتحتاج حكومة كابول بقاء القوات الأميركية لتحقيق الاستقرار. وعلى سبيل المثال يحتجز العديد من مقاتلي طالبان حاليا في سجون الحكومة الأفغانية. وإذا انسحبت القوات الأميركية، من المرجح أن يطلق سراحهم، مما سيضع القوات الأفغانية في مخاطر وتهديدات بالجملة.

ورغم حضور القوات الأميركية في أفغانستان، فإن حكومة كابول لم تكن قادرة على إخضاع حركة طالبان، حيث أفادت تقارير بأنها فقدت أكثر من 28 ألف فرد من قواتها الأمنية منذ عام 2015. ويستبعد الرافضون لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان استمرار الحكومة الأفغانية لوقت طويل إن تم التوافق في النهاية مع حركة طالبان. ويطالب العديد من المتابعين الأميركيين لسير المفاوضات مع طالبان، بأن تكون واشنطن قاسية مع طالبان لحماية مصالح حليفتها الأخرى الهند. لأن الأيديولوجيا التي تتبناها طالبان مناهضة للديمقراطية وبالتالي من المحتمل أن تضر عودة طالبان مشاريع تشييد البنية التحتية المدنيّة في أفغانستان، التي أنفقت فيها الهند أكثر من 3 مليارات دولار من الاستثمارات. كل هذه العوامل المتشابكة بلا شك مع متغيرات أخرى في المنطقة تشي بأنه من غير المستبعد أن تدعم طالبان الأنشطة الإرهابية المستمرة في كشمير، التي تقع شمال غرب شبه قارة الهند وباكستان والصين.

7