هل الناشر العربي قارئ أم تاجر؟

القارئ الذي يفاوض في سعر شراء الكتاب هو الحلقة الأخيرة التي يقف فيها الكتاب على ناصية القراءة. وهو الحلقة الأكثر تماسّا في هذا المثلث: المؤلف-الناشر-القارئ.
الخميس 2019/02/21
الناشر هو الحل السحري الذي يولد الكتاب بين يديه

الناشرون هم أكثر صلة بالكتاب من القارئ والمؤلف وعلاقتهم الورقية ستبدو علاقة ذات إيحاء مزدوج بين الاثنين، لذا سيبدو من البعيد والقريب وكأنما الناشر هو الحل السحري الذي يولد الكتاب بين يديه وأنّ إمضاءه هو المرحلة التامّة التي يخرج منها الكتاب إلى النور في بضعة أيام أو أسابيع، من دون أن نعي كثيرا أو قليلا حجم الزمن الذي أمضاه المؤلف في كتابة روايته أو مجموعته الشعرية أو بحثه الطويل، وبالتالي فالقارئ الذي يفاوض في سعر شراء الكتاب هو الحلقة الأخيرة التي يقف فيها الكتاب على ناصية القراءة. وهو الحلقة الأكثر تماسّا في هذا المثلث: المؤلف-الناشر-القارئ.

هذه بديهيات نفهمها مباشرة، لكن الذي سيغيب عن هذه الحلقات المتصلة ببعضها هو سؤال يتعلق بالناشر العربي تحديدا عبر مجموعة من علامات الاستفهام: هل الناشر العربي يقرأ ما يطبعه وينشره ويوزعه ويستقتل حتى يقنع القارئ بأهميته سواء في علاقته اليومية مع الشارع الثقافي أو مشاركاته المتواصلة في معارض الكتب العربية؟ وهل الناشر يمتلك مواصفات القارئ العادي أو المحترف وما أنتجته نظريات القراءة من توصيفات كثيرة بهذا الخصوص؟ وهل الناشر العربي قادر على فرز الكتاب الذي يشكّل انعطافة إبداعية في المشهد الأدبي؟ وبجمع هذه العلامات الاستفهامية نتساءل: هل الناشر قارئ أم هو ناشر وتاجر فقط؟

سنتجاوز الأدباء الذين صاروا ناشرين في الفترات الأخيرة فهؤلاء قرّاء قبل أن يتحولوا إلى تجار صغار في قطار النشر السريع، ونبقى في الحلقة الأعم التي تسمّى بالناشرين الذين هم في مرمى المؤلفين على مدار تلك العلاقة المشار إليها لنقول إن السلوك النشري الذي عرفناه لا يحتاج إلى تفصيل ممل بقدر الإشارة إلى تلك العلاقة الغامضة التي تستوجب إيضاح ما يمكن إيضاحه؛ إذا عرفنا أن النسبة الأكبر من دور النشر العربية تطبع مقابل أثمان مالية؛ وهذا بالمعنى البسيط أن الناشر الذي يأخذ ثمن الطبع لا يقرأ قطعا مهما كان “نوع” الكتاب وحجمه وما يحتويه من مضامين فكرية أو أدبية، حيث يتدخل الهاجس التجاري في هذه الصفقة التي هي أحد الخطوط الرئيسية المعتمدة لدى دور النشر العربية، لنعرف أن الناشر لا تهمه القراءة ولن يكون في حيّز الخبير الفكري والجمالي، لكن ثمة دور نشر أخرى، من تلك التي لها باع طويل في النشر والتي ترمي إلى كسب كتّابها المعروفين وعندما تضع نسبة 10 بالمئة كحقوق تالية إلى المؤلف سيبدو المشهد أكثر غرابة لمّا يكون هناك خبير خارجي يقوّم المؤلفات ويضع لها علامات قبول نشرية، أي أن صاحب دار النشر لا يقرأ أيضا، بل يعتمد على إيضاحات خارجية من خبرائه المعتمدين، وبالتالي يتساوى الجميع تقريبا في هذه الملاحظة الجوهرية التي نشير إليها هنا من أنّ أصحاب دور النشر لا يقرأون، وأن القراءة هي مرحلة تالية لو توفر الوقت وظرف المطالعة، وأن تسمية الناشر-التاجر هي مهنة وحرفة مثل بقية الحرف والمهن في الحياة.

هل جميع الناشرين لا يقرأون؟

سنظلم البعض إنْ قبلنا أن تكون الإجابة بـ”نعم” لو انطلقنا من مبدأ توجيه النقد وإقرار هذه الملاحظة، فهناك مَن يقرأ إصداراته وإصدارات غيره ويتوجه إلى الحاضنة الثقافية كمَعين يوطّد صلته بالقراءة والمؤلفين والقرّاء على حد السواء، أي أن البعض لديهم حاسة القراءة الفطرية وهي التي قادتهم لأن يكونوا ناشرين وليسوا كتّابا، في حين نجد الأغلبية يضعون منشارا حادا بين التجارة والثقافة كخطين متوازيين أحدهما يعين الآخر وصولا إلى نسبة الـ10 بالمئة الشهيرة في دور النشر!

14