محاولات مرتبكة لإنقاذ الخطوط التونسية الغارقة في الديون

شككت الأوساط الاقتصادية في فرص نجاح محاولات الحكومة إنقاذ الخطوط التونسية في ظل الارتباك المستمر في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، خاصة أنها ليست المرة الأولى، التي تعلن فيها عن خطط من هذا النوع لتحفيز نشاط الشركة الحكومية.
تونس- اتسع إجماع خبراء قطاع النقل الجوي على أنّ الحكومة التونسية تسير في طريق وعرة في محاولات إنقاذ الخطوط التونسية الغارقة في الديون، منذ بداية الفوضى السياسية في يناير 2011.
وتتباين آراء المسؤولين بين تأكيد عزم الحكومة على إعادة هيكلة الشركة المملوكة للدولة، وبين تأجيل تلك الخطط بسبب عدم توفر السيولة في خزينة الدولة لتقديم دعم مالي يخفّف أعباء ديون الشركة.
ويرى الخبير الاقتصادي أنيس القاسمي أنّ أزمة الخطوط التونسية تختزل مشاكل بقية الشركات الحكومية وشركات القطاع العام المتعثرة، ولا يبدو أن لدى الحكومة هوامش للتحرك وفعل أيّ شيء للإصلاح وإنقاذ المؤسسات الاقتصادية.
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “سوء الإدارة وضغط النقابات وعدم اكتراث السلطات بالوضع المقلق الذي تعيشه الخطوط التونسية، جميعها عوامل ستؤثر على نشاط الشركة خاصة في ظل اتفاق السماوات المفتوحة الذي وقّعته تونس مع الاتحاد الأوروبي”.
ورغم النتائج الإيجابية، التي حققتها الشركة خلال الشهر الماضي بنموّ حركة المسافرين بنحو 0.7 بالمئة بمقارنة سنوية، وما يترتّب عليه من أرباح إضافية، إلا أنها
لا تحجب جبل الأزمات الكثيرة التي تحاصرها.
وحتى الآن، لا يستطيع أحد التشكيك في أحدث التصنيفات المحليّة التي تظهر أن الشركة جاءت في المراتب الأخيرة بين الشركات الحكومية في مؤشر حوكمة المؤسسات التونسية.
ويأتي التصنيف ليؤكد ما كشف عنه أحدث تقارير دائرة المحاسبات عن مؤشرات صادمة حول المشاكل المالية التي تعاني منها شركة الطيران الحكومية.
ويقول خبراء الدائرة إنّ مشكلات الخطوط التونسية تتمحور بالأساس حول تقادم الأسطول، ووجود تجاوزات بمجال الصيانة وتكرّر حالات تأخر إقلاع طائراتها وتكبدها خسائر إضافية جراء التعويض للمسافرين.
وفي محاولة لإخراج الشركة من أزمتها، كشف وزير النقل هشام بن أحمد أمس خلال جلسة استماع أمام لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بالبرلمان عن الخطوط العريضة لإعادة هيكلة الشركة.
ويشمل البرنامج تسريح 1146 موظفا بحلول العام المقبل وزيادة رأسمال الخطوط التونسية، وتحويل ديونها لدى الشركات التابعة لها وبعض مؤسسات القطاع العام إلى مساهمات في رأس مالها.
كما ستقوم بشراء 5 طائرات جديدة واستئجار طائرات أخرى لفترة تصل إلى خمس سنوات لحلّ مشكلة التأخير المتكرر للرحلات، وستطلب كذلك بجدولة ديونها لدى ديوان الطيران المدني والمطارات على فترة تمتد بين 4 و5 سنوات.
وقال بن أحمد إن الشركة “ستطلب من الحكومة تخصيص دعم إضافي بقيمة 100 مليون دينار (32.7 مليون دولار) من أجل سداد المستحقات المتأخرة”. وتقول الشركة إنّ العديد من المزوّدين الذين تتعامل معهم سواء في السوق المحلية أو الدولية يرفضون توريد قطع الغيار إلا إذا كان الدفع نقدا.
وتهدف هذه الخطة إلى معالجة الاختلال في التوازنات المالية للشركة لتكون وفق المعايير الدولة، لكنها لا تزال نقطة خلاف وتفاوض مع النقابات العمالية. وسبق أن أعلن أنيس غديرة حينما كان يتولى حقيبة النقل العام الماضي عن برنامج لإعادة هيكلة الشركة لتطوير أدائها التجاري والمالي، لكن لم يتم تنفيذه.
وكان وزير المالية محمد رضا شلغوم قد أكد بدوره خلال جلسة عامة في البرلمان نهاية يناير الماضي أنّ الحكومة تعتزم توقيع عقد مع شركة الخطوط التونسية لتحسين أدائها، غير أنه لم يذكر تفاصيل عن فحوى الاتفاق.
وفي وقت سابق هذا الشهر، قال الرئيس المدير العام للشركة إلياس المنكبي لوسائل إعلام محلية إنّ “الخطوط التونسية تحتاج إلى 1.3 مليار دينار (425 مليون دولار) حتى تستعيد أنفاسها وقدرة الدولة على توفير المبلغ سيحول دون ذلك”.
وأكد أنّ أسطول الشركة متقادم ولا يتعلّق الأمر بالطائرات فقط، بل أيضا بالتجهيزات الأرضية وخاصة في مطار قرطاج الدولي، وهو ما يتطلّب تطويرها بالكامل بقيمة 20 مليون دينار (6.54 مليون دولار).
ولم تجد الشركة حتى اليوم الضمانات الكافية من الدولة لتجديد الأسطول والمعدّات، ما يعني أن الحكومة عجزت عن الإيفاء بالتزاماتها ويعكس حجم التحديات التي تواجهها للإسراع في مدّها بحزمة إنقاذ مالية قبل ذروة الموسم السياحي.
وتركز استراتيجية تونس في مجال النقل الجوي خلال مخطط التنمية الحالي الذي ينتهي في 2020 على تعزيز أسطول الشركة من الطائرات بشراء 17 طائرة جديدة من نوع إيرباص، علاوة على تدعيم البنية التحتية لثمانية مطارات.
خطة إنقاذ عاجلة
◄ تسريح 1146 موظفا
◄ شراء 5 طائرات واستئجار أخرى
◄ 32.7 مليون دولار لسداد ديون
◄ جدولة ديونها لديوان الطيران المدني * تحويل ديون إلى حصص في الشركة
ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية للدولة، وجدت الشركة نفسها مُجبرة على اتخاذ تدابير قاسية لتفادي المزيد من الخسائر، رغم أن نائب المدير العام للشركة علي معاوي أشار إلى أن الخطوط التونسية حقّقت أرباحا بقيمة 505 مليون دولار العام على غير العادة.
وقررت الشركة الأسبوع الماضي إيقاف الخطوط غير المربحة نحو أوروبا، وتأجيل التوسع في أفريقيا مع تدعيم الخطوط المربحة على غرار خط مونتريال.
وتشير بيانات حديثة إلى انخفاض نشاط الأسواق الأوروبية، الذي يمثّل نحو 68.8 بالمئة من النشاط التجاري الإجمالي للخطوط التونسية بنسبة تقدر بحوالي 3.1 بالمئة في الشهر الماضي قياسيا بما كان عليه قبل عام.
كما انخفض نشاط الشركة في الأسواق الأفريقية، والذي يشكّل 15.7 بالمئة من النشاط التجاري الإجمالي للخطوط التونسية بنسبة تقدر بنحو 2.6 بالمئة.
ومع ذلك، تراهن السلطات على تحسن مؤشر أعمال الخطوط التونسية بحلول العام المقبل، وبلوغ هدف نقل نحو 4.7 مليون مسافر مع تنشيط الرحلات تجاه الأسواق التقليدية والجديدة مثل أميركا الشمالية وأفريقيا، علاوة عن تكثيف رحلاتها الداخلية.
وخلال ست سنوات خسرت الشركة كل أرباحها التي حققتها قبل 2011 والبالغة نحو 262 مليون دولار، مع احتساب فارق سعر الصرف بين الفترتين. وتعود أسباب الخسائر إلى انهيار نشاطها التجاري المرتبط بالسياحة خاصة بين عامي 2014 و2015، إضافة إلى توقف رحلاتها باتجاه السوق الليبية، التي كانت تساهم سنويا بنحو 37.3 مليون دولار من أرباح الشركة.
وشكّل التوظيف العشوائي في عهد الترويكا بقيادة حركة النهضة أحد أبرز أسباب الخسائر، حيث بلغ عدد من توظيفهم في تلك الفترة 1200 شخص، مما تسبب في ارتفاع بند الأجور بنحو 32.7 مليون دولار سنويا.