ممارسة الرياضة أثناء استراحة العمل تعزز النشاط والإنتاجية

بعض الشركات تدرس فرض التمارين الرياضية خلال العمل لمحاربة الخمول.
الأحد 2019/02/10
التمارين الرياضية تجنب ممارسها الشعور بضغوط وظيفته

يربط الكثيرون الذهاب إلى العمل بالتعب والإجهاد والضغط، وبمجرد الانتهاء من الوظيفة يبحث جلهم عن أول فرصة للركون إلى الراحة، ولا تبدو ممارسة الرياضة في ذلك الوقت فكرة سديدة بالنسبة إليهم. ضيق الوقت وتراجع النشاط في آخر النهار دفعا مدربي اللياقة إلى حث الموظفين على انتهاز فترات الراحة للقيام ببعض الحركات غير المجهدة.

 لندن - كشف باحثون أن ممارسة التمارين الرياضية، خلال فترة الاستراحة في العمل، تساعد على تجديد الطاقة وتحسين الدورة الدموية وتعزيز النشاط، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التركيز وتعزيز الإنتاجية.

أوضح تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أن ممارسة الرياضة أثناء يوم العمل تعود بفوائد عديدة على الصحة والوظائف الإدراكية، وهو ما من شأنه أن يساعد في تحسين الحالة المزاجية واللياقة البدنية والأداء في العمل. فخلال دراسة شملت أكثر من 200 موظف في بريطانيا عام 2008، خلص الباحثون إلى أن الموظفين الذين استخدموا صالات الألعاب الرياضية الملحقة بشركاتهم زادت قدرتهم على التركيز والإنجاز أثناء النهار، وكانوا أكثر رضًى عن العمل خلال الأيام التي تمرّنوا فيها أثناء ساعات العمل.

وفي عام 2013 انتهت دراسة أخرى إلى أنه بغض النظر عن المرحلة العمرية، فإن هناك “فوائد فورية” للوظائف الإدراكية جراء ممارسة تمارين رياضية معتدلة، مثل القيام بتمرين متوسط الشدة لمدة 15 دقيقة على دراجة ثابتة.

وتشير هذه النتائج إلى أن ممارسة التمارين الرياضية أثناء النهار قد تكون أفضل من ممارستها قبل بداية دوام العمل أو بعد نهايته.

ويُضاف هذا إلى المزايا التقليدية لممارسة النشاط البدني؛ ومن أبرز هذه المزايا إنقاص الوزن، والتغلب على الأرق، والاستمتاع بنوم هانئ، وتحسين القدرات الجنسية والحالة المزاجية، والوقاية من الأمراض.

وقد أثبتت دراسة عالمية موسعة أن ممارسة التمارين أثناء فترات العمل ووقت الفراغ تساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية بشكل جوهري سواء في الدول النامية أو في البلدان المتقدمة.

وقد أجريت هذه الدراسة على أكثر من 29.000 شخص من 262 مركزا طبيا في 52 دولة بآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وأستراليا وشمال أميركا وجنوبها. وقد نشرت نتائجها في النسخة الإلكترونية من جريدة القلب الأوروبية.

وقال الأستاذ كلايس هيلد كاتب الدراسة “حتى الآن لم تجر سوى دراسات قليلة حول علاقة ممارسة النشاط البدني في أوقات العمل وأوقات الفراغ بمخاطر التعرّض للأزمات القلبية”.

وأضاف أنهم يعلمون الكثير عن العلاقة بين النشاط البدني ومخاطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية وأمراض القلب ولكن ما تضيفه هذه الدراسة هو الرؤية العالمية المتكاملة. فهذه الدراسة توضح أن ممارسة النشاط البدني بمستويات ضعيفة إلى متوسطة في أماكن العمل مع ممارسة أي نشاط في أوقات الفراغ تقللان من مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية، هذا بعيداً عن عوامل الخطورة الأخرى عند الرجال والنساء من مختلف الأعمار في معظم مناطق العالم وفي الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة والمرتفعة.

في هذه الدراسة قام باحثون من السويد وكندا والولايات المتحدة بمقارنة عادة ممارسة الرياضة أثناء العمل وفي أوقات الفراغ، بين مجموعتين، ضمت المجموعة الأولى 10.043 شخصا ممن عانوا من أزمة قلبية لأول مرة، في حين ضمت المجموعة الثانية 14.217 شخصا ممن يتمتعون بصحة جيدة. وسألوا المشاركين في الدراسة عما إذا كان عملهم يتطلب الجلوس فترات طويلة أم أنه يغلب عليه المشي بشكل كبير أو متوسط أو ما إذا كان يتطلب السير صعوداً إلى الأعلى أو يتطلب حمل أثقال أو القيام بأعمال بدنية شاقة.

ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين يتضمن عملهم نشاطا بدنيا ضعيفا إلى متوسط تقل لديهم مخاطر الإصابة بالأزمات القلبية بنسبة 22 بالمئة أو 11 بالمئة مقارنةً بالأشخاص الذين يجبرهم عملهم على الجلوس فترات طويلة.

ويصف بيتر أنطونيو، مدرب اللياقة البدنية وخبير التغذية بنادي جامعة بيرمنغهام للألعاب الرياضية واللياقة البدنية، الخروج من مكان العمل لممارسة الرياضة أثناء فترة الاستراحة في منتصف النهار بأنه “فرصة ذهبية”.

ويفسّر قائلا إن ذلك يمنح الموظف شعورا بالرضى عن النفس يمتد حتى نهاية اليوم، فضلا عن أنه يعزّز لياقته البدنية.

مدرب اللياقة بيتر أنطونيو: الخروج من مكان العمل لممارسة الرياضة أثناء فترة الاستراحة يعد فرصة ذهبية
مدرب اللياقة بيتر أنطونيو: الخروج من مكان العمل لممارسة الرياضة أثناء فترة الاستراحة يعد فرصة ذهبية

وقد لاحظ أنطونيو أن زبائنه من الموظفين الذين يمارسون التمارين الرياضية أثناء النهار تزيد قدرتهم على الإنجاز وينخفض معدل إجازاتهم المرضية. كما أن التمارين الرياضية مفيدة للصحة النفسية، لأنها تفصل المتدرب تماما عن مشاغل العمل وضغوطه والسيل الذي لا ينقطع من الاجتماعات ورسائل البريد الإلكتروني.

ويرى البعض أن مزايا الحصول على فترات الراحة لممارسة الرياضة البدنية لا تقتصر على بيئات العمل بل تتعداها أيضا إلى المدارس الابتدائية والثانوية، وقد أيدت ذلك بعض الأبحاث التي أشارت إلى أن الاستراحة من المهام المكررة والمجهود الذهني والخروج من الصف لمزاولة النشاط البدني واللعب، يساعدان التلاميذ على الانتباه ويحسنان أداءهم المعرفي.

وأشار  تقرير البي.بي.سي إلى الجدل الذي أثير مؤخرا بين المؤسسات الصحية وأصحاب الشركات حول إمكانية فرض التمارين الرياضية كواجب إجباري على الموظفين في الشركات بهدف محاربة الخمول البدني الذي تسرب إلى بيئات العمل.

وبحسب مؤسسة أبحاث القلب الخيرية البريطانية، فإن أكثر من 20 مليون شخص في بريطانيا لا يمارسون التمارين الرياضية بالمعدل الموصى به، وهو 150 دقيقة أسبوعيا من النشاط الرياضي المعتدل أو 75 دقيقة من النشاط المكثف، وهذا يكلف هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية 1.2 مليار جنيه إسترليني سنويا.

ونقل التقرير مقالا كتبه ريان هولمز، الرئيس التنفيذي التقني لمنصة “هوتسوت” للتواصل الاجتماعي، وحقق انتشارا كبيرا، بعنوان “لماذا حان الوقت لتحفيز الموظفين ماديا على ممارسة التمارين الرياضية أثناء العمل”.

وطالب هولمز في المقال بتطبيق سياسات في الشركات لحث الموظفين على ممارسة التمارين الرياضية أثناء ساعات العمل. ويقول هولمز إنه من الصعب الحفاظ على مستوى الإنتاجية والأداء، ما دام الموظفون يموتون بأمراض القلب والسرطان والأمراض التنفسية التي يمكن الوقاية منها بالمحافظة على اللياقة البدنية والوزن الصحي.

يقول كريستيان آلن، الذي يعيش في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس ويدير شركة ناشئة توفر للشركات برامج وتطبيقات لخدمة الزبائن، إنه يفضل ممارسة اليوغا ورفع الأثقال والركض أثناء يوم العمل، وقد ساعده العثور على أشخاص يشاركونه الاهتمام باللياقة البدنية في المواظبة على تلك الأنشطة في أوقات الراحة أثناء يوم العمل.

ويضيف “المداومة على ممارسة التمارين الرياضية كانت دائما تحسن صحتي وتعزز حالتي المعنوية طيلة السنوات التسع عشرة التي أديت فيها أعمالا مكتبية”.

ومنذ ست سنوات، يجتمع آلن في ظهيرة كل يوم عمل مع مجموعة من الموظفين الذين التقاهم عبر موقع “ميت أب” للتعارف عبر الإنترنت، ليلعبوا كرة القدم. وقد خطرت له هذه الفكرة بعد أن رأى موظفين يجتمعون يوميا في منتصف النهار للعب كرة القدم.

ويقول “كنت حينها أركض مع بعض زملائي في العمل خلال وقت الراحة لبضعة أيام في الأسبوع، وراقت لي فكرة إضافة نشاط مختلف إلى الأنشطة اليومية”.

وأوضح كاتب التقرير، برايان لوفكين، أن هذا الاتجاه للمواظبة على ممارسة الرياضة أثناء العمل قد لقي ترحيبا من الكثيرين، إذ تغيرت أيضا بيئات العمل لتسهّل على الموظفين ممارسة النشاط البدني أثناء وقت الراحة.

وتحرص الكثير من الشركات الآن على تخصيص مكان لصالة الألعاب الرياضية في مبانيها، كما تخصص بعض مراكز اللياقة البدنية في المقابل مساحات للعمل داخل منشآتها، مثل سلسلة صالات الألعاب الرياضية الفاخرة “إيكوينوكس”، التي وفرت مساحات خاصة مجهزة بطاولات ومقاعد تغري الموظفين الذين يعملون عن بعد بإحضار أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم والاستغراق في العمل وسط الأجهزة الرياضية الخاصة برياضة المشي والتسلق والركض.

وبعض الشركات الناشئة تتخذ من مراكز اللياقة البدنية مقرا لها لتستفيد من تجهيزاتها الرياضية والمساحات المخصصة للعمل.

لكن بعض الخبراء يرون أن ثمة طرقا بسيطة للمواظبة على النشاط البدني يوميا، حتى إنْ لم يستطع الموظف أن يأخذ قسطا من الراحة لمدة ساعة أو أكثر أثناء العمل أو لم يستطع الذهاب إلى مراكز اللياقة البدنية الفخمة.

تقول ساندي تود ويبستر، رئيس تحرير المنشورات الصادرة عن جمعية “أيديا” للصحة واللياقة البدنية، إن “أي نشاط بدني من أي نوع سواء كانت مدته خمس دقائق أو ساعة أثناء العمل، سيعود عليك بفوائد صحية عديدة”.

وتضيف “إذا أتيحت لك فرصة للمشي أو ممارسة التمارين الرياضية من أي نوع، فلا تضيعها، فإن فرص مزاولة النشاط البدني متاحة للجميع في كل مكان، وقد تغنيك عن زيارة صالة الألعاب الرياضية”.

وتقول تود ويبستر “احتفظ بحذاء وجورب رياضي في مكان العمل، واخرج إلى الهواء الطلق لممارسة أي نشاط بدني في أوقات الراحة، أو كلما استطعت لخمس أو عشر أو عشرين دقيقة. وإذا كنت تعمل في مبنى، استخدم الدرج دائما واتبع أطول طريق إلى مكتبك، فكل هذه الخطوات تسهم في تحسين لياقتك البدنية”. ويقول بعض الخبراء إن النشاط البدني مدة ساعة يوميا يجب أن يحظى بنفس القدر من الاهتمام الذي تحظى به اجتماعات العمل اليومية، مهما اختلفت أهدافك من وراء ممارسته ومهما اختلفت ظروف بيئة العمل.

وتقول تود ويبستر “العبرة بتنظيم الوقت. فلِمَ لا تضيف مثلا مزاولة التمارين الرياضية إلى جدول المهام اليومية، وتتعامل مع هذا الموعد كما لو كان موعدا مقدسا؟”.

 وتطرق التقرير إلى صعوبة ممارسة البعض للتمارين الرياضية أو أي نشاط بدني، أثناء العمل، بسبب تعنت بعض المدراء أو عدم توافر مرافق للاستحمام بعد الانتهاء من التمرين في صالة الألعاب الرياضية.

وقد تقتضي بعض الوظائف الجلوس على المكتب طيلة ساعات العمل. ويقول آلن إنه كان محظوظا لأنه عمل في شركات تراعي التوازن بين الحياة الشخصية والحياة العملية، ورغم ذلك لم تكن المواظبة على ممارسة الرياضة دائما سهلة.

ويضيف “كنت أعمل ضمن فريق، وكنت أتحرج من الخروج لممارسة التمارين الرياضية خشية أن تزيد أعباء العمل على زملائي. وكنت أراعي أيضا مشاعر زملائي الذين لا يستفيدون من سياسات الشركة ذات الصلة بممارسة النشاط البدني”.

ولكنه يقول إن هذه الأعذار ينبغي ألا تعوقك عن وضع النشاط البدني في مقدمة أولوياتك، بل ربما تصبح دوافع تحفّزك على التحدث عن فوائد الرياضة البدنية ومدى أهميتها بالنسبة إليك.

يقول بن مارتينوجا، عالم أعصاب وكاتب في مجال العلوم وباحث زائر في معهد فرانسيس كريك في لندن، “إن التأثيرات الناتجة عن التمرين تُذكرنا بأن عقولنا لا تعمل بمعزل بعيد عن نشاط جسدنا، فما تفعله يؤثر بشكل كبير على قدراتك العقلية. الجلوس طوال اليوم، وكل يوم، أمر خطير”.

وأضاف مارتينوجا، نقلا عن صحيفة الغارديان البريطانية، “لا يُهم نوع النشاط أو الرياضة التي ستختار ممارستها، فقط قم باختيار أمر يثير سعادتك وحماسك واشرع في العمل عليه”.

18