الحكومة المصرية تستغل هشاشة البيئة السياسية للضغط على خصومها

القاهرة - اعتقلت السلطات المصرية مؤخرا عددا من المعارضين، بالتزامن مع الانتقادات الحادّة التي وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لسجل حقوق الإنسان في مصر أثناء زيارته للقاهرة، الأسبوع الجاري، ما يعكس موقفا رسميا مصريا صارما تجاه الحريات يرتكن إلى أن الظروف الأمنية التي تعانيها البلاد تتطلب الاستمرار في اتخاذ مزيد من الإجراءات الاستثنائية.
وقالت الحركة المدنية الديمقراطية، هي عبارة عن ائتلاف حزبي معارض، إن قوات الأمن احتجزت، الثلاثاء، يحيى حسين عبدالهادي، المتحدث السابق باسمها في مكان غير معروف، بالإضافة إلى إلقائها القبض على خمسة من شباب حزب تيار الكرامة (أحد الأحزاب المشاركة في الائتلاف)، قبلها بيومين، في أعقاب تنظيم الحزب لاحتفال ثقافي في ذكرى مرور ثماني سنوات على اندلاع ثورة يناير.
ويرى محللون أن استمرار حملة التضييق على المعارضة، في وقت تحاول فيه القاهرة تحسين الإطار القانوني لعمل المنظمات الحقوقية عبر تعديل قانون الجمعيات الأهلية، يعكس ازدواجية في التعاطي مع مسألة الحريات في البلاد.
ويبرر البعض إصرار الحكومة على رفض فتح المجال العام بهشاشة البيئة السياسية الداخلية التي تمكن تنظيم الإخوان وغيره من الجماعات الإسلامية من مواجهة الحكومة المصرية تحت ذريعة العمل السياسي، وأن تنقية البيئة الحاضنة للإرهاب لا بد أن يسبق إتاحة الحريات بشكل كامل.
بالمقابل يذهب معارضون للتأكيد أن استمرار تضييق الخناق عليهم يساهم في إضعاف المعارضة الشرعية المدنية ويعطي فرصة للتنظيمات الإسلامية التي تجيد العمل في الخفاء للتوغل سياسيا مرة أخرى، حتى وإن كان ذلك على المدى البعيد وليس خلال الأشهر أو السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يقوّض كثيرا من قدرات مصر الخارجية على وقع استمرار الانتقادات الموجهة إليها.
وخلال الأيام الماضية اُثير جدل في مصر بشأن أوضاع حقوق الإنسان في أعقاب التصريحات المتبادلة ما بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، ونظيره الفرنسي خلال مؤتمر صحافي مشترك، الاثنين الماضي، إذ دعا ماكرون إلى تبنّي قوانين أكثر توازنا بشأن قواعد أنشطة المنظمات غير الحكومية، معتبرا أن “المجتمع المدني الناشط يمثّل الحاجز الأفضل أمام التطرف”، مطالبا بالإفراج عن المدوّنين والصحافيين المحبوسين في قضايا تتعلق بالحريات. وهو ما ردّ عليه السيسي بتأكيده أن “مصر ليست كأوروبا وأميركا نحن دولة لها خصوصيتها ولها طبيعتها الخاصة التي تتميز بها”، مشيرًا إلى أن التعدد والاختلاف بين الدول وبعضها أمر طبيعي، ولا يمكن للعالم كله أن يسير على نهج واحد، وأن محاولة تغيير العالم لمسار واحد فقط أمر خاطئ”.
وقال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، حافظ أبوسعدة، إن الحديث عن خصوصية مصرية بشأن تطبيق حقوق الإنسان يدفع في النهاية إلى انتهاك بعض الحقوق في ظل وجود مبادئ عالمية معترف بها من جميع الدول، لكن الحكومة تبدي أولوية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية على حساب الحريات السياسية.

وأضاف لـ“العرب”، أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يعطي السلطة الحق في اتخاذ بعض الإجراءات التي تراها مناسبة لحفظ الأمن القومي في حالة مواجهة الإرهاب، لكنها تستثني من ذلك انتهاك حق الحياة والتعذيب، وأن يكون ذلك وفقا للقانون وليس عبر إجراءات تلتف حوله لتقييد حريات المواطنين. وهناك شبه توافق سياسي في مصر بأن استمرار التضييق على حرية الرأي والتعبير سيؤدي على المدى البعيد إلى نتائج عكسية، وقد ظهر ذلك بشكل جليّ في خطاب الرئيس الفرنسي الذي تحوّل خلال أقل من عامين من رافض للخوض في أوضاع الحريات في مصر إلى متحدث في تفاصيل دقيقة مما يجري في الداخل، وأن ذلك قد يكون نفس موقف العديد من البلدان.
ويعتبر العديد من السياسيين المصريين أن تحسين الأوضاع الحقوقية بالداخل السبيل الأنسب لجذب الاستثمارات الأجنبية ومن ثمّ تحسين حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية التي تعدّ أولوية بالنسبة للحكومة المصرية، وأن انتقادات الرئيس الفرنسي منطقية لرغبته في تأمين الاتفاقيات التي وقّعها خلال زيارته والتي بلغت قيمتها 1.6 مليار يورو.
وهذه القراءة لا تتواءم ورؤية النظام، وفق أبوسعدة، فوجهة نظر الرئيس المصري تسير في الاتجاه المعاكس الذي يعتبر أن تحسين الأوضاع الأمنية وضبط الشارع وإخلائه من التظاهرات التي تعدّ مقدمة للفوضى، بمثابة الطريق الأيسر لجذب الاستثمارات وتأمينها بما يعود بالنفع على المواطنين بالداخل.
ويزعم مؤيدو الحكومة أنها تضيّق الخناق على المعارضة المدنية كجزء من خطتها الرامية إلى مواجهة الإرهاب، وأنها لا تثق في الكثير من الكوادر الحالية وترى أن هناك قناة سرية تربط بينها وبين الإخوان.
ويتحفظ الباحث جمال أسعد، على هذا الرأي، معتبرا أن فاعلية المعارضة المدنية تصب في صالح النظام السياسي الذي يخوض حربا ضد الإرهاب، لأن عوامل قوة هذه المعارضة يدفعها إلى أن تصبح قادرة على طرح بديل سياسي يقتنع به المواطنون، ويساهم في الفصل ما بين المعارضة السلمية الموضوعية وبين من يوجّه الانتقادات للحكومة ظاهريا ويمارس الإرهاب موضوعيا.