على خطى لويس السادس عشر.. ماكرون يأمل كبح احتجاجات فرنسا بالحوار

الرئيس الفرنسي يطلق نقاشا وطنيا للاستماع إلى المحتجين، والحكومة تتجنب الاستفتاء مخافة تحويله إلى تصويت على ماكرون.
الاثنين 2019/01/14
احتواء الوضع

باريس - إيملي ديلوارد وريشار لو - في عام 1789، استدعى ملك فرنسا لويس السادس عشر قيادات الطبقة الارستقراطية ورجال الدين وبعض المواطنين لبحث سبل سد العجز في مالية المملكة وكبح الاستياء الشعبي النابع من النظام الإقطاعي. كانت تلك بداية الثورة الفرنسية وخلال أشهر أصبح لا حول ولا قوة له، ثم بعد أربعة أعوام أعدم بالمقصلة.

بعد مرور حوالي قرنين من الزمان، يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كثيرا ما يواجه انتقادات بسبب تصرفات تشبه تصرفات الملوك، إلى نقاش وطني لتهدئة محتجي السترات الصفراء الذين ينظمون احتجاجات منذ أكثر من شهرين هزت إدارته.

وسيطلق ماكرون مبادرة “الحوار الموسع” في 15 يناير الجاري الموافق للثلاثاء القادم، وكما كان الحال خلال حكم الملك لويس السادس عشر، يسجل الفرنسيون شكاواهم في “دفاتر التظلمات” التي فتحها رؤساء البلديات في خمسة آلاف بلدية. وسيركز الحوار على أربع قضايا: الضرائب، الطاقة الخضراء، الإصلاح الدستوري والمواطنة. وستجري المناقشات عبر الإنترنت وفي قاعات البلديات. إلا أن مسؤولين قالوا إنه لن يحدث أيّ تغيير على مسار الإصلاحات التي أعلنها ماكرون والتي تهدف إلى تحرير الاقتصاد.

وقال بنجامين جريفو المتحدث باسم الحكومة الفرنسية لقناة “بي.أف.أم” التلفزيونية “الحوار ليس فرصة لكي يفرغ الناس إحباطاتهم، ولا لكي نشكك في ما حققناه خلال الثمانية عشر شهرا الماضية… نحن لا نعيد الانتخابات من جديد”.

وقال المؤرخ ستيفان سيرو من جامعة سيرجي بونتواز لصحيفة لو باريزيان إنه “بوضع حدود للبنود التي سيجري بحثها، يخاطر ماكرون بارتكاب نفس الخطأ الذي حكم على الملكية بالفشل”. وتابع بقوله “إيمانويل ماكرون مثل لويس السادس عشر الذي تلقى دفاتر التظلمات ولكن لم يفهم شيئا منها”.

وفي فليجي، الواقعة على بعد مئة كيلومتر جنوبي باريس، يتلقى رئيس بلدية القرية تظلمات مكتوبة من أصحاب السترات الصفراء المحليين مثل أجوستينو باريتو مالك المرأب البالغ من العمر 65 عاما، والمقتنع بأن الحكومة ستصوغ الحوار بالشكل الذي يناسبها. ويقول باريتو “كل ما نقوله مثل الغبار الذي يتناثر مع الريح… لا أحد يستمع إلينا”.

بوضعه حدودا للبنود التي سيجري بحثها في الحوار الوطني يخاطر ماكرون بارتكاب نفس الخطأ الذي حكم على الملكية بالفشل؛ فهو مثل لويس السادس عشر الذي تلقى دفاتر التظلمات لكن لم يفهم شيئا منها

ويشعر جاك دروان رئيس بلدية فليجي بالتعاطف تجاه هذا الإحباط. ويقول إنه سيرفض إجراء حوار مجتمعي ما دام ماكرون يصر على المضي قدما في الإصلاحات بصرف النظر عن أي شيء آخر. وأضاف “ليس هذا هو ما يريدوه المواطنون.. الأمر يعود الآن إلى قادتنا للاستماع لما يقال في دفاتر التظلمات”. ومن شأن المشاركة الضعيفة قد تقوض المبادرة الرئاسية. لقد أوضح استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيلاب، الأربعاء، أن 40 بالمئة فقط من المواطنين يعتزمون المشاركة في الحوار. وتستعد فرنسا للمزيد من الاحتجاجات في الشوارع وربما لأعمال شغب، لكن مع استمرار المظاهرات لم يتضح بعد ما إذا كانت السترات الصفراء ستتحول إلى قوة سياسية أم ستتلاشى بسبب خلافاتها الداخلية.

ودعم لويجي دي مايو زعيم حركة 5- نجوم الإيطالية، صاحبة التوجهات الشعبوية، الأسبوع الماضي المحتجين الفرنسيين وعرض منصة حزبه على الإنترنت لتقديم الديمقراطية المباشرة والمعروفة باسم “روسو”، نسبة للمفكر الفرنسي جان جاك روسو خلال عصر التنوير، للمساعدة في صياغة برنامج للسترات الصفراء.

ورغم أن حركة السترات الصفراء بلا زعيم، فإنها شبيهة بحركات مثل 5- نجوم في إيطاليا وحركة إنديجنادوس في إسبانيا التي تسعى إلى قلب النظام السياسي التقليدي في أوروبا.

ويستمد أصحاب السترات الصفراء اسم حركتهم من السترات التي يرتدونها عند الحواجز على الطرقات وفي الشوارع وينبع غضبهم من الضغوط على مداخيلهم والاعتقاد بأن ماكرون، وهو مصرفي سابق ببنك استثمار يُعتبر مقربا لكبار رجال الأعمال، لا يكترث بمشاكلهم. وسيعزز من وضع ماكرون التراجع الحاد في الدعم الشعبي للمحتجين خلال الشهر الماضي. وقد تعهد باستخدام الحوارات لتحويل غضبهم وصياغة سياسة جديدة عبر ديمقراطية تشاركية.

ويطالب أصحاب السترات الصفراء بحق الدعوة لإجراء استفتاءات عبر التماسات جماعية. ولم يرفض وزراء كبار الفكرة ووصف رئيس الوزراء إدوار فيليب الاستفتاءات التي تجري بطلب من المواطنين بأنها “أداة مفيدة في الديمقراطية” إلا أنه قال “إن استخدامها يجب أن يكون محدودا”.

والفكرة الأكثر ترجيحا هي التي يروج لها الحزب الحاكم والحكومة بإجراء حوار وطني يليه استفتاء على عدد من الأسئلة بدلا من مجرد التصويت بالموافقة أو بالرفض. وأشار أنطونيو باروسو نائب مدير الأبحاث بشركة تينيو للاستشارات “الحكومة على دراية بمخاطر تحويل أي تصويت إلى تصويت على ماكرون وليس على القضايا… ولهذا يتم حل ذلك بطرح عدة أسئلة”.

6