الذكاء الاصطناعي يضيق الفجوة بين دارسي الإنسانيات والعالم الرقمي

"شاعر روبوت" محاولة إسبانية تهدف إلى الإسهام في تحقيق التقارب بين التكنولوجيا والدراسات الإنسانية.
الاثنين 2019/01/07
أقدم الجامعات في العالم تكافح لتحقيق التقارب بين التكنولوجيا والدراسات الإنسانية

مدريد - تفصل بين كلية اللغات والدراسات الإنسانية وكلية الحاسب الآلي بجامعة كومبلوتنسي العريقة بالعاصمة الإسبانية مدريد، فقط 500 متر، ولكن فعليا تفصل سنوات ضوئية عديدة بين المناهج التي تدرسها كل جامعة منهما. ولهذا يكافح خبراء العديد من مراكز التعليم والتأهيل لتجاوز تلك الفجوة التي تزداد اتساعا بمرور الوقت، بهدف الإسهام في تحقيق التقارب بين التكنولوجيا والدراسات الإنسانية.

وأكد بروفيسور الذكاء الاصطناعي بالجامعة، بابلو خيرباس، أن “الفجوة لا تزال شاسعة. يعيش دارسو الإنسانيات بمعزل عن التكنولوجيا، والعكس صحيح بالنسبة لدارسي التكنولوجيا الرقمية. أحاول منذ سنوات مد الجسور بينهما، وأقر بأن المهمة ليست سهلة”.

خيرباس هو بروفيسور متخصص في علوم الكمبيوتر، وعاشق للأدب منذ شبابه، ويطلق عليه “أبوالروبوت الشاعر”، بسبب برامجه عن كمبيوترات تقرض الشعر. تضم مكتبته مختارات من شعر الهايكو الياباني وكتيبات برمجة، ومختارات من الحكايات الشعبية الروسية، وبالتأكيد نسخة من رواية ثربانتيس الشهيرة “دون كيخوتة”.

ويعتبر خيرباس نموذجا للعمل الأكاديمي الهجين الذي يقوم به أكثر من عشرة أساتذة وبعض طلاب الدكتوراه في مجموعة الأبحاث “أن أي آل” (التفاعل الطبيعي القائم على اللغة)، تحت إشرافه، ويركز على المشاريع التي تربط الذكاء الاصطناعي (إيه اي) واللغويات والنماذج السردية أو الشعرية.

وأوضح البروفيسور الإسباني (51 عاما) بشكل فنتازي أشبه بالخيال الشعبي كيف تستطيع آلة كتابة إبداع يرقى لخيال البشر، قائلا “نحن بصدد نماذج، وكلما أضفنا إليها المزيد من الخصائص، كلما تضاءل الشعور بالـفرق أن المحصلة من إبـداع آلـة".

وأضاف "الفكرة ليست في قيام الذكاء الاصطناعي بكتابة كل شيء، بل في إمكانية استخدام كل جزئية كوسيلة منفصلة، أشبه بنوع من الفوتوشوب ولكن بالنسبة للنصوص المكتوبة".

إيلينا جونثاليث بلانكو: هناك الكثير من الأساطير والمخاوف والرفض للتكنولوجيا، مازالت تتركز في أن الروبوتات ستسيطر على العالم
إيلينا جونثاليث بلانكو: هناك الكثير من الأساطير والمخاوف والرفض للتكنولوجيا، مازالت تتركز في أن الروبوتات ستسيطر على العالم

وأشارت إيلينا جونثاليث بلانكو مؤسسة معمل الابتكار في الإنسانيات الرقمية بجامعة "يو أن أي دي" للدراسة عن بعد، إلى أن هناك العديد من عوامل ومحاولات التقارب بين الآداب والخوارزميات تتجمع في إطار ما يعرف بالإنسانيات الرقمية، وهو مجال أكاديمي آخذ في الاتساع والانتشار وأصبح مفهوما يضم العديد من فروع الدراسة والمعرفة.

وقدمت البروفيسورة الإسبانية التي أصبحت مرجعية دولية في هذا الحقل المعرفي، عددا لا حصر له من الأمثلة تتجاوز بكثير مجرد استخدام التكنولوجيا كوسيلة لإنجاز العمل اللغوي أو إعداد قواعد البيانات أو التحول الرقمي للتراث الثقافي ضمن العديد من القضايا المحدودة داخل الدراسات الإنسانية في الفضاء الأكاديمي.

وتابعت “تندرج أمور مثل جعل الآلات تتحدث وتستوعب وقادرة على معالجة كميات ضخمة من النصوص، دون الحاجة لقراءتها واستخلاص المعلومات أو تقييم المشاعر داخل مجموعة من التعليقات، وغيرها تحت مسمى الإنسانيات الرقمية. لذلك فإنه من الأهمية بمكان تطبيقها على كل مجالات الذكاء الاصطناعي".

بلانكو بدأت مسارها الأكاديمي كدارسة للغويات، وتمكنت من خلال الإنسانيات الرقمية دخول عالم المال، وتعمل حاليا مديرا عاما لشركة “كفرواليت أوروبا” للتأمين، وهو ما أهلها لتحتل مكانة متقدمة بين تصنيف “100 سيدة رائدة في مجال الأعمال في إسبانيا”، ضمن إنجازات أخرى. ومع ذلك توضح أن هناك سلسلة من العقبات المختلفة تعوق تقدم هذا التقارب البطيء وباهظ الثمن بين الإنسانيات والتكنولوجيا.

ويبرز بين هذه المعوقات نظام الجامعات الإسبانية نفسه، والذي تصفه بأنه شديد الجمود وأن أساتذته معظمهم من كبار السن ومن ثم لا يرحبون كثيرا بالعالم الرقمي. وهناك أيضا ما تطلق عليه “الرهاب الرقمي” أو التكنوفوبيا، موضحة “هناك الكثير من الأساطير، الكثير من المخاوف، والرفض للتكنولوجيا، مازالت تتركز في أن الروبوتات سوف تسيطر على العالم وسوف تتحكم في مصائرنا وتحتل وظائفنا”.

وقالت إن إسبانيا دخلت مجال الإنسانيات الرقمية متأخرا مقارنة بدول مثل إنكلترا أو ألمانيا أو فرنسا، ولهذا لا تزال مهمشة بالنسبة لدوائر تمويل أنشطة هذا المجال على الصعيد الأوروبي. إلا أن إسهام بلانكو نجح في كسر هذا الحاجز وأصبح مركزها على سبيل المثال يحظى بدعم مشروع الـ(بوست داتا) الممول من قبل الاتحاد الأوروبي، وهو محاولة للتواصل بين أنظمة تحليل البيانات المختلفة على مستوى أوروبا لتحليل أساليب نظم الشعر رقميا في مختلف دول القارة.

وأشارت بلانكو إلى عقبات أخرى تواجه النساء في عالم التكنولوجيا، قائلة “نحن أقلية”، مضيفة “هناك مسألة التأهيل والتحفيز للفتيات منذ الصغر، والتي تراجعت بشكل كبير في مجال أعمال مثل التي أنا بها الآن. المعوقات تتنوع بين التقاليد والشروط المجحفة ومواعيد العمل وغيرها”.

12