تصفية حسابات سياسية ونوازع طائفية تحاصر الفلسطينيين في العراق

مصاعب يومية تعيشها الأسر الفلسطينية بعد إلغاء امتيازات سابقة كانوا يتمتعون بها في عهد صدام حسين.
السبت 2018/12/22
بلد لا يستطاب فيه العيش لمواطن ولا لوافد

العراق الذي تحوّل تحت حكم الأحزاب الدينية إلى جحيم لأبنائه ومواطنيه، من الطبيعي ألا يكون جنّة لضيوفه واللاجئين إليه، خصوصا إذا كانوا من طائفة غير طائفة الأحزاب الممسكة بزمام السلطة، ومن المحسوبين على النظام السابق الذي قامت على أنقاضه تجربة الحكم الحالية.

بغداد - بعد عام من تصويت البرلمان العراقي لصالح تجريد الفلسطينيين من المساواة في الحقوق التي كانوا يتمتعون بها في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، يشعر الفلسطينيون الذين يعيشون اليوم في العراق بالتهميش والضعف.

وألغى البرلمان العام الماضي تشريعا كان يضمن للفلسطينيين الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها المواطنون العراقيون، من الأهلية لشغل الوظائف العامة إلى مجانية التعليم والحصول على معاشات التقاعد والسلع الغذائية من برنامج دعم حكومي.

وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عموم العراق بعد سنة 2003 بمجيء نظام سياسي جديد تقوده الأحزاب الدينية الموالية لإيران والتي أبدت عدم خبرة بقيادة الدولة وتسببت في تراجعها على مختلف الصعد.

لكن معاناة الأسر الفلسطينية بالعراق كانت مضاعفة وازدادت تعمّقا منذ صدور قرار البرلمان. وعبّر من التقت بهم  وكالة رويترز عن حرصهم على البحث عن ملاذ في دول أخرى.

وتضخّم العامل الطائفي والعرقي في العراق بشكل واضح بعد سقوط النظام السابق وطغت الهويات الجانبية على الهوية الوطنية الجامعة.

ونظرا لأن الغالبية العظمى من الفلسطينيين من السُنّة، فقد نظر إليهم شيعة العراق الممسكون بزمام السلطة بارتياب معتبرين أنّهم كانوا مقرّبين من نظام حزب البعث الذي يتهمونه باضطهاد الشيعة.

ويرجع كثيرون قرار إلغاء الامتيازات الممنوحة سابقا للفلسطينيين في العراق إلى خلفية طائفية، رغم دفاع البعض عن قرار الإلغاء وتبريره بعوامل اقتصادية.

ونفذت قوّات الأمن العراقية مداهمات بشكل متكرر بحثا عمن يشتبه بكونهم إسلاميين متشددين بين الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق ذات أغلبية شيعية.

وشهد العراق منذ سنة 2014 أوضاعا أمنية بالغة التدهور كانت لها تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة. ففي تلك السنة سيطر تنظيم داعش على ما يقارب ثلث مساحة البلاد. وكثيرا ما اتُهمت فئات سنيّة عراقية بالتواطؤ مع التنظيم واحتضانه.

تدهور الأوضاع منذ العام 2003 أجبر ما لا يقل عن 25 ألف فلسطيني على الفرار من العراق وبقي نحو عشرة آلاف فقط

وكان من الطبيعي أن تشمل التهمة الفلسطينيين المقيمين في العراق. وفي ساعة متأخرة من إحدى ليالي عام 2015، فوجئ فوزي ماضي بطرق قوي على باب منزله. وعندما فتح الباب طرحه فريق من قوات العمليات الخاصة أرضا وفتشوا شقّته.

تذكرت زوجته أم محمد ما حدث حينها وقالت باكية إنهم جذبوا ابنيها بينما كانا نائمين وقيدوهما. وصرخت قائلة “من فضلك ارحمني أطلق سراح ابني”. وذكرت أن أحدهم ضربها بمسدسه. وغادرت قوات الأمن بعد اعتقال ابنيها مهاد وعبدالرحمن، لأسباب قال أبوهما إنه لا يزال يجهلها.

جرى الإفراج عن عبدالرحمن، البالغ من العمر حاليا 21 عاما بعد 28 يوما من اعتقاله، وقال والداه إنه تعرض للتعذيب في الحبس.

وقالت أم محمد إنها تطعمه بيديها لأنه لا يستطيع استخدام يديه. ولم يعد مهاد البالغ من العمر 25 عاما إلى البيت. وبعد ثلاث سنوات من اعتقاله، لا تزال الأسرة تجهل مكانه.

ومصير الفلسطيني مهاد هو أيضا مصير الآلاف من أبناء العشائر السنية العراقية الذين اعتقلوا على أيدي القوات الأمنية العراقية، وخصوصا على أيدي عناصر الميليشيات الشيعية التي شاركت بشكل رئيسي في الحرب ضدّ تنظيم داعش.

وإلى اليوم لا تزال المئات من العوائل تجهل مصير أبنائها وتناشد حكومة بغداد التدخل لمساعدتها. غير أنّ الحكومة بحدّ ذاتها تبدو في الكثير من الأحيان عاجزة أمام سطوة الميليشيات والسلطة الكبيرة لقادتها.

وقال الأب ماضي الذي كان يجلس في شقته مع زوجته وابنتهما الصغيرة إنهم لا يعلمون ما إذا كان الابن حيا أم ميتا. وأرسل ماضي كلا من عبدالرحمن وابنا آخر يدعى محمد إلى تركيا بعد شهر من إطلاق سراح عبدالرحمن خوفا على حياتهما.

وجاء الفلسطينيون إلى العراق على ثلاث موجات، أولا في عام 1948 كلاجئين فروا من الحرب التي صاحبت قيام إسرائيل، ثم في عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي التسعينات بعدما طردوا من دول عربية.

وكان صدام حسين الذي قاد نظاما ذا خلفية أيديولوجية قومية، قد منح الفلسطينيين مساكن والحق في العمل، وهي امتيازات نادرة للاجئين الأجانب.

ويقول فؤاد حجو مستشار الإعلام في السفارة الفلسطينية ببغداد إن تدهور الأوضاع منذ عام 2003 أجبر ما لا يقل عن 25 ألفا من الفلسطينيين على الفرار من العراق، وبقي نحو عشرة آلاف فقط في البلاد.

وقالت أم محمد “إذا كانوا لا يريدوننا أن نبقى في العراق، فليطلقوا فقط سراح ابني وأنا مستعدة للهجرة فورا”.

وقال أيمن أحمد، الذي يدير متجر ساعات صغيرا في مجمع سكني يقطنه الفلسطينيون في شرق بغداد، إن حياته باتت محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد منذ عام 2003 وإنه تلقى الكثير من التهديدات من مجهولين.

وأضاف في متجره الصغير الذي يقع على طريق ترابي ضيق تكثر فيه القمامة ومياه الصرف الصحي إنهم ضاقوا ذرعا ويريدون الخروج فورا من العراق إلى أي بلد آخر سواء أكان عربيا أم أجنبيا.

وقال ناطق باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية إن الوزارة تأمل في إقناع البرلمان بإعادة بعض الامتيازات للفلسطينيين ومنها المواد الغذائية المدعمة.

3