قمة خليجية للحفاظ على دور مجلس التعاون في التكامل والاستقرار

تسارع التطورات في المنطقة وحولها، وصعوبة الظرف الإقليمي والدولي، وبروز محاولات لاختراق المنطقة الخليجية وتشتيت مكوناتها لتسهيل الوصول إلى ثرواتها، حوافز إضافية للحفاظ على مجلس التعاون الخليجي، وهو العامل الذي سيسجل حضوره بقوّة في القمة الخليجية التي تعقد الأحد في الرياض.
الرياض - تُعقد الأحد في العاصمة السعودية الرياض، الدورة التاسعة والثلاثون لقمة مجلس التعاون الخليجي برئاسة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسط حالة غير مسبوقة من الاصطفافات الجيوسياسية عكسها التقارب القطري مع إيران وتركيا الذي بات يُشكّل تحديا لعموم المنطقة بالنظر إلى ما يعرف من سعي طهران وأنقرة لاختراقها وتشتيت مكوناتها.
وتستمد القمّة أهميتها لا من توقيت عقدها فحسب، وإنما أيضا من الملفات المطروحة على جدول أعمالها بأبعادها السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية.
وقال عبداللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إن قمة الرياض الخليجية ستبحث العديد من المسائل الهامة منها تحقيق التكامل الخليجي في المجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية، إلى جانب التطرق إلى مستجدات الأوضاع الأمنية بالمنطقة وآخر التطورات السياسية الإقليمية والدولية.
وأعرب في تصريحات استبق بها بدء أعمال القمة، عن أمله في أن تسفر قمة الرياض الخليجية عن نتائج “مثمرة وبناءة لجهة تعميق التعاون والتكامل الخليجي في مختلف المجالات لمواجهة كافة التحديات والحفاظ على أمن واستقرار دول المجلس والمنطقة عموما”.
ويرى مراقبون أن “مواجهة التحديات” التي ورد ذكرها في حديث الأمين العام هي العنوان الأبرز لهذه القمة، باعتبار أن المنطقة باتت على أعتاب مُتغيرات مُتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي تتطلب من دول المنطقة الخليجية وحدة الصف لاحتواء تداعياتها.
ويبدو أن السعودية تُدرك جيدا أبعاد تلك المُتغيرات حيث سعت إلى جمع الدول الخليجية من خلال توجيه الدعوة لقطر لحضور القمة رغم توتر العلاقات بين الدوحة وكل من الرياض وأبوظبي والمنامة، إضافة إلى القاهرة، بسبب دعم قطر للتنظيمات الإرهابية واندفاعها الخطير نحو التقارب مع إيران وتركيا.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية في الخامس من الشهر الجاري أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تلقى دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي التي ستعقد في الرياض.
ورغم هذا المسعى الذي رفع من أسهم السعودية التي تترأس القمة الخليجية إلى جانب رئاستها الحالية للقمة العربية، لا يبدو أن الجليد الذي تراكم طيلة الفترة الماضية من الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، سيذوب قريبا.
ويرجع سبب ذلك بالأساس إلى سياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها السلطات في الدوحة التي يبدو أنها ما زالت تُراهن على احتدام الصراع الجيوسياسي في المنطقة على أمل الاستفادة منه لتمرير أجنداتها بأثمان باهظة وصلت إلى حد تحويل قطر إلى بوابة سهلت تسلل إيران وتركيا إلى الخليج العربي وسط تهديد يستهدف ضرب الاستقرار والأمن في المنطقة الخليجية والعربية عموما.
وتُثير السياسة التي تنتهجها قطر مخاوف دول المنطقة الخليجية والتي عبّر عنها مسؤولون خليجيون، منهم وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة، بالقول إن الأزمة مع قطر “وصلت إلى نقطة بعيدة جدا لم نرها من قبل” بعدما “التزمت مع أعداء المنطقة مثل إيران”.
ومن هنا يغدو الحفاظ على وحدة هذا التكتل الإقليمي، وعلى استمرارية اجتماعاته وخاصة منها دورية قممه، هدفا بحدّ ذاته وذلك على عكس استهدافات السلطات القطرية التي كثفت من انتقاداتها لمجلس التعاون والترويج لانتهاء دوره.
ويُرجح المُتابعون للشأن الخليجي أن تُشكل قمة الرياض بنتائجها قاطرة لمشاريع التكامل بأبعاده المُختلفة لا سيما في هذا التوقيت الذي اقتربت فيه المنطقة من مرحلة الخيارات الصعبة بمساراتها المُتعددة.
وعلى هذا الأساس تذهب بعض القراءات إلى القول إن قمة الرياض لن تكون مثل القمم التي سبقتها، بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة، وخاصة منها الأجندات المشبوهة التي تُغذيها مناخات الاستقطابات والتحالفات السياسية والعسكرية التي تنوعت استهدافاتها المرحلية والاستراتيجية.
ويرى مراقبون أن مثل هذه القراءات لن تكون غائبة عن قمة الرياض الخليجية، حيث لا يستبعدون أن تستأثر بالاهتمام المطلوب الذي يستدعي ضرورة إقرار توجهات جديدة سياسيا واقتصاديا ودفاعيا وأمنيا، تؤسس لبلورة مقاربة جيوسياسية استراتيجية لدرء تلك المخاطر والتهديدات التي تستهدف تفكيك الوحدة الخليجية، واختراق الأمن القومي للمنطقة بأسرها.
وكان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش قد أشار، في تغريدة نشرها في حسابه الرسمي على تويتر، إلى هذه المسألة عندما اعتبر أن “الجانب الاستراتيجي والسياسي عانى في ظل شذوذ المنظور القطري عن المصلحة الجماعية”.
وعلى وقع هذه التطورات يُنتظر أن تُوجه قمة الرياض الخليجية في ختام أعمالها رسائل سياسية واقتصادية وكذلك أمنية وعسكرية هامة، تتضمن التأكيد على قوة ومتانة الوحدة الخليجية والإصرار على مواجهة خطر الإرهاب بكل أنواعه وتنظيماته.