ملتقى أبوظبي الاستراتيجي يناقش توزيع خارطة القوة العالمية

ناقشت أعمال “ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس” واقع المنطقة العربية في ظل تواصل التنافس الإقليمي واستمرار الصراع وما يعصف بالمنطقة من تهديدات أمنية بسبب تمسك إيران بدور تخريبي يعمل على زعزعة الاستقرار، على غرار تواصل معضلة الإرهاب، وأكدت رئيسة مركز الإمارات للسياسات ابتسام الكتبي أن الوقت قد حان لصياغة الدول العربية مبادرات لحل مشاكلها بنفسها أمام سياسة أميركية لا تكترث إلا إلى مصالحها تحت رئاسة دونالد ترامب، وأمام طموح روسي وصيني يريد التوسع ويحاول أن يجد موطئ قدم له في المنطقة.
أبوظبي- انطلقت فعاليات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس، الأحد، وينظم الملتقى مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي تحت رعاية الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بحضور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي وبمشاركة نخبة كبيرة من صناع القرار وخبراء تحليل السياسات والباحثين المختصين من مختلف بقاع العالم.
وفي الكلمة الافتتاحية للملتقى قالت ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات إن “الملتقى يهدف منذ تدشينه إلى مساعدة صانعي القرارات على العمل في بيئة أقل غموضا وتعقيدا وذلك من خلال تطوير وتنويع منهجيات تحليل القضايا الاستراتيجية الكبرى وتفكيك تفاعلاتها وتداخلاتها وفهم حركيتها وأسبابها والتنبؤ بتأثيراتها ومآلاتها”.
وأكدت أن الإمارات ترى أن الاستقرار أمرٌ ضروري لأمن المنطقة، من خلال مجموعة من العناصر أو المكونات التي تعززه.
وحسب الكتبي فأن أول هذه العناصر هو الحاجة إلى بناء مركز عربي حديث لمعالجة التحديات الأمنية القائمة، وهي عملية جارية، والإمارات تضطلع بدورها في هذه العملية. ولكن حتى تنجح هذه المقاربة يجب أن “نواصل الاستمرار في تعزيز قدراتنا الدفاعية، واضطلاع السعودية ومصر بدورهما القيادي في دعم استقرار المنطقة، وتشكيل تحالف عربي لتحقيق هذه الغاية”. ويعد مجلس التعاون الخليجي لاعباً رئيسياً في هذا التحالف.
ويأتي العنصر الثاني لدعم الاستقرار، احترام السيادة الوطنية وإنهاء التدخل في شؤون الآخرين. وفي هذا الشأن تشير الكتبي إلى أن إيران ظلت مهدداً لأمن دول المنطقة من خلال دعم ميليشيات مسلحة ووكلاء خارجين على الدولة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، فضلاً عن إطلاقها هجمات إلكترونية، وهجمات إرهابية في المنطقة وفي خارجها، مثل أوروبا.
ويشير العنصر الثالث للاستقرار في المنطقة، إلى مواجهة مهددات الأمن النابعة من الإرهابيين والمتطرفين، ولم تنف الكتبي النجاحات المهمة في محاربة “داعش” في العراق وسوريا، والحوثيين في اليمن، في الآونة الأخيرة إلا أن النجاح الكامل يقتضي أيضاً إحراز تقدم في مجابهة فكر التطرف.
ويدعو العنصر الرابع إلى تمتع دول المنطقة بالحوكمة، فشعوب المنطقة مثل الشعوب الأخرى في العالم التي تنشد الصحة والتعليم والوظائف والرخاء، وتلفت الكتبي أنه إذا لم يحصل الشباب في المنطقة على هذه الوعود فإنهم سيتوجهون إلى التطرف. وأكدت أن الإمارات داعم قوي للإصلاحات في المنطقة، وقدمت مليارات الدولارات في سبيل تعزيز التنمية المستدامة في الإقليم برمته. وفي هذا الشأن تؤكد أن الدين جزء أساسي من هويتنا في المنطقة، لكن تسييس الدين في منطقتنا يُعلي من الهويات الطائفية ويؤثر في قيمنا الروحية كما أنه يقوّض فرص الحوكمة.
وترى الإمارات أنه لن يكون هناك أي سلام واستقرار في المنطقة دون حل النزاعات والصراعات فيها، لذا لعبت الإمارات دوراً في حل الخلاف بين إثيوبيا وإريتريا، كما تدعم الإمارات الجهود الأممية والأميركية لإنهاء الحرب في اليمن. وفي ما يتعلق بالأزمة في سوريا، فإن الإمارات تدعم اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب الذي قد يساعد في حل الصراع.
وفي فلسطين تدعم الإمارات التوصل إلى اتفاق شامل يقوم على حل الدولتين على أساس حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة. واستنتجت الكتبي بقولها “لقد حان الوقت للدول العربية لقيادة مبادرات لحل مشاكلها بأنفسها”.
وناقشت الجلسة الثانية من جلسات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس محور إغراء القوة في السياسات الأميركية وفي ما إذا كانت السياسات الأميركية في عهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب تتسم بالانعزالية والأحادية، أم أن الواقعية والعقلانية السياسية هي أساس الاستراتيجية الأميركية.
وأشار روبرت مالي الرئيس والرئيس التنفيذي لـ”مجموعة الأزمات الدولية” إلى وجود حالة من عدم الرضا عن سياسة ترامب، وقال إن القوى الناعمة في السياسة الخارجية الأميركية كانت فعالة خلال الإدارات الأميركية السابقة، لكن اليوم هناك مراجعة بهدف الحد من فاعلية أدوات القوة الناعمة.
من جانبه قال مايكل روبن، الباحث المقيم في “معهد المشروع الأميركي” إن تأرجُح السياسة الأميركية سوف يزداد، مبينا أنه ليس هناك خلاف على أن الرئيس ترامب مثَّل اختلافا جذرياً، ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة تملك نظاما مبنيا على سيادة القانون، الأمر الذي يضطر ترامب إلى التنسيق مع الكونغرس والمؤسسات الأخرى في إدارة السياسة الخارجية.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في كلية الدراسات الدولية دانييل ماركي إن هناك انفصالا واضحا بين ما يقوم به الرئيس ترامب وما تقوم به إدارته الأمر الذي أربك المراقبين فيما تبني واشنطن حساباتها على تكهنات غالبا ما تكون خاطئة.
ورأى أندرو باراسيليتي مدير مركز الأمن والمخاطر العالمية في “مؤسسة راند” أن ما يميز واشنطن هو وجود مؤسسات إلى جانب الرئيس الأمر الذي ينفي الفوضى المتوقعة من تعلق الأمور بالنمط الرئاسي وحده حيث أن هناك وزراء ملتزمون بالسياسة الخارجية الأميركية.
وناقشت الجلسة الثالثة من جلسات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الخامس محور طموح القوة في السياسات الروسية، من ناحية التقييم الموضوعي لهذه القوة والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها وتحد منها.
وقالت عضو مجلس اللوردات البريطاني البارونة بولين نيفيل-جونز إن للديمقراطيات الغربية مقاربة تختلف عن مقاربة روسيا في مجال العلاقات الدولية، وإن روسيا تستند في أفعالها على المستوى الدولي إلى ميزة استخدام القوة، بما في ذلك القوة العسكرية عند الضرورة، لتحقيق أهدافها؛ ما يعكس وجهة نظر موسكو للعالم والتي تَتَمَثَّل في المعادلة الصفرية: إذ الحد من وجود القوة والنفوذ الغربي شرط ضروري للنجاح الروسي.
وأعتبر أندريه كورتونوف مدير عام مجلس الشؤون الدولية الروسي أن التطورات الأخيرة في المنطقة تقتضي إدخال تعديلات مهمة على الاستراتيجية الروسية؛ فقد أعادت هزيمة “داعش” جميع المنافسات والصراعات التي طُرحت جانبا إلى الواجهة.
وأصبح من الصعب وعلى نحو مُتزايدٍ على روسيا أن تقوم بإنشاء التحالفات. كما عقّد الصراع بين إسرائيل وإيران من جهة وبين إيران والولايات المتحدة من جهة أخرى دور روسيا “كوسيط نزيه” في المنطقة. وأضاف أن روسيا لا تحاول استبدال دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهي تدرك حجم النفوذ الأميركي في المنطقة لكنها تحاول تغييره.
وترى أوكسانا جامان-جولوتفينا رئيسة قسم السياسات المقارنة في جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية أن العاملين الجيوسياسي والاقتصادي يشكلان أساس السياسة الخارجية الروسية. وإن روسيا تسعى إلى تعزيز انخراطها في الشرق الأوسط دون مزاحمة أو إخراج الولايات المتحدة لكنها لا تزال تواجه تحديات يصعب تجاوزها في أي محاولة لتقييم طموحاتها في القوة مثل الجغرافيا والاقتصاد والتحديات الأمنية.
وأعتبر كليف كوبتشان رئيس مجموعة” أوراسيا” أن هناك تصورا بأن روسيا قد عادت بقوة إلى التأثير في المشهد الدولي واليوم روسيا يمكن اعتبارها القوة الثالثة عالمياً، ووصف أهدافها بالعقلانية وبأنها تتحرك بشكل جيد لتحقيق هذه الأهداف، كما اعتبر أن الرئيس بوتين نجح في تعزيز التأثير الروسي في العالم، وأن لدى روسيا اليوم قوة سيبرانية كبيرة، كما أنها تتقدم بشكل كبير في الشرق الأوسط وحتى في التأثير في الداخل الأميركي.
أما الجلسة الرابعة فتطرقت إلى حدود القوة الصينية، حيث طرح المتحدثون قضية وجود حدود جغرافية واقتصادية وبنيوية وثقافية على قوة الصين وموقعها في النظام الدولي في مقابل احتمالية بروزها بصفتها القوة العالمية المقبلة.
وتعتقد سونيا لي المسؤولة في مؤسسة التواصل بين الشعوب أنه يتعين فهم تأثير الثقافة الصينية على السلوك الخارجي الصيني قبل إطلاق الأحكام وتوجيه الانتقاد لها، وأضافت أنه من الطبيعي أن نتوقع انخراطا أكبر للصين في قضايا الشرق الأوسط ضمن مبادرة الحزام والطريق، لكن الصين لا تريد التورط في صراعات المنطقة مثل الولايات المتحدة.
وأشار مدير معهد الاقتصاد والسياسة العالمية في الأكاديمية الصينية د. زانجيويان إلى إن تقييم الصين يتوقف كقوة إقليمية أو عالمية بشكل كبير على أداة القياس، وبالنظر للناتج المحلي للصين فهي في المرتبة الثانية كقوة اقتصادية عالمية.