هوس الشباب بالعضلات الضخمة لا توقفه المحاذير الطبية

يبدأ الشباب بالاهتمام بمظهرهم والوصول إلى الجسم المثالي عبر الصالات الرياضية وكمال الأجسام، ثم ما يلبث أن تتحول الهواية إلى هوس ويصبح الهدف تكبير العضلات وتضخيمها أكثر فأكثر عبر العقاقير والمنشطات الهرمونية، دون الاهتمام بمخاطرها.
لندن - لم تعد مخاطر استخدام الهرمونات للحصول على أجسام رياضية في أسرع وقت ممكن، خافية على أحد اليوم، وقد وصلت إلى مراحل خطيرة أدت في بعض الأحيان إلى وفاة لاعبين ونجوم رياضيين كبار، لكن هوس الشباب بالعضلات بقي أقوى من كل التحذيرات وبات ظاهرة تزداد انتشارا يوما بعد يوم.
وتختلف الأهداف في ممارسة رياضة كمال الأجسام من شاب إلى آخر؛ فمنهم من يحرص على رفع لياقته البدنية بالتخلص من الدهون الزائدة وتقوية عضلاته ومنهم من أضحى همّه الوحيد البحث عن جسم أنيق لمسايرة الموضة ومواكبة العصر من خلال تقليد النجوم والمشاهير في ظهورهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
عدم الاعتراف
يحذر الاختصاصيون كافة الرياضيين من التأثيرات الجانبية الخطيرة جراء تعاطي الهرمونات والعقاقير المنشطة تحت أي مسمى، خاصة الذين يتعاطونها سرا دون استشارة ذوي الخبرة، بهدف بناء عضلات بصورة سريعة.
ويؤكدون أن المنشطات محظورة عالميا، وقد قضت على سمعة نجوم عالميين، ومنهم من أنهى حياته الرياضية مبكرا، أو محا تاريخه وإنجازاته بشكل مفاجئ بعد فضيحة، وآخرون توفوا بسببها، وأقل الشرور كان معاقبة رياضيين بعد التأكد
من تعاطيهم هذه المنشطات التي تتضمنها قائمة الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (wada) وتضم أكثر من 100 مادة دوائية تشمل الهرمونات ومثيلاتها، بالإضافة إلى بعض المكونات الدوائية التي لها تأثيرات جانبية خطيرة.
بشكل عام يرفض الشباب الاعتراف بتناولهم لعقاقير أو مكملات غذائية وما شابه، وحتى من اعترف منهم بسلوكه هذه الطريقة للوصول إلى الجسم المثالي (برأيه) فإنه يشترط عدم ذكر الاسم.
ويقول أحمد (26 عاما) من تونس “تأكدت منذ البداية أن أسرع وسيلة للوصول إلى هدفي هو تناول الحقن، واستطعت الحصول عليها من مدرب رياضي تعرفت عليه في أحد الأندية، لكن الوضع بدأ يسوء وأحسست بالعوارض الجانبية العصبية والنفسية، من اكتئاب وانفصال عن الواقع والإرهاق في أغلب الأحيان”.
هواة كمال الأجسام يتنافسون لجذب نظرات الآخرين، باعتباره مقياسا لجمال مظهرهم وبروز عضلاتهم ومفتاح إعجاب الجنس الآخر وسر النجاح في الحياة
ويضيف أحمد “بعد ذلك لجأت إلى الطريق الصحيح من خلال الالتزام بقواعد التدريب مع مختص جديد وشعرت بالفارق بين الطريقتين”.
وبدوره يقول طه محمد وهو أحد العاملين في ناد رياضي في دمشق “يتعاطى غالبية الرياضيين الراغبين بالوصول إلى لياقة بدنية عالية مكملات غذائية وهي ليست ممنوعة، ومتوفرة بكثرة في الأسواق لكن من النادر أن يتم ذلك بوصفة طبية، والمشكلة تبدأ حين يتعدى التعاطي الحدود المسموح بها وهو ما من شأنه أن يسبب أضرارا معينة”.
وحذر الشباب من الاستعجال في بناء العضلات وتكبيرها بالاعتماد على هرمونات خطيرة، لأن أضرارها أكثر من فوائدها، وأضاف أن عليهم ألا ينخدعوا بالإعلانات البرّاقة الكاذبة، فمن يريد الاستعانة بأي مكمل غذائي عليه استشارة المدربين الأكفاء، أو اللجوء إلى طبيب باطني أو طبيب تغذية متخصص، وبشكل عام فإنه يحظر تناول أو بيع أو عرض أي مكمل غذائي في الصالات الرياضية، لكن يمكن أن توجد إعلانات تجارية للأصناف المسموح بها طبيا فقط، وهي المطروحة في الأسواق، بعد الحصول على التراخيص اللازمة قبل عرضها.
وتعتبر المكملات الغذائية مستحضرات صناعية هدفها تكملة النظام الغذائي بعناصر تغذية مثل الفيتامين والمعادن والألياف والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية، المفقودة في النظام الغذائي لأي شخص. وتعتبر بعض البلدان المكملات الغذائية أطعمة، بينما تعتبرها بلدان أخرى أنها أدوية أو منتجات صحية طبيعية.
كما تصنف هيئة الدستور الغذائي ـ المنظمة التي ترعاها منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالميةـ المكملات الغذائية التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن على أنها أطعمة وليست دواء أو عقارا، إلا أن تصنيعها لا يزال يثير الكثير من الجدل والشكوك في أنحاء العالم كافة.
أما المنشطات أو الهرمونات الحيوانية فيتسبب تعاطيها بمضاعفات صحية خطيرة على الكبد والقلب والأنسجة والقدرة الجنسية، وتسبب اضطرابات هرمونية في الجسم.
وتشير تقارير إخبارية إلى حدوث وفيات بين عدد كبير من الشبان جراء تناولهم هذه العقاقير التي تسبب تضخما غير طبيعي في الشكل الخارجي في حال تم تناولها بكميات غير مدروسة، ومنها ما يعطل عمل الكليتين لمن يعاني من مشكلات في الكلى.
يتنافس هواة كمال الأجسام لجذب نظرات الآخرين، باعتباره مقياسا لجمال مظهرهم وبروز عضلاتهم، ويعتبر البعض أن كمال الأجسام مفتاح إعجاب الجنس الآخر وسر نجاحه في الحياة، ويرتبط بالنسبة لهم بتحسين المظهر ونيل احترام وإعجاب الناس، والمديح والإطراء من الجنس اللطيف، وفي أوساط الشباب والأهل والأصدقاء.
مقياس للجمال
المفارقة أن القليل من الفتيات من يعجبن بأصحاب العضلات الكبيرة المبالغ بها، بل إن بعضهن ينفرن من هذا المظهر. وتقول منال مروكي (25 عاما) الطالبة الجامعية في تونس، إنها فتاة تهتم بالأناقة والجمال والمظهر اللائق، لكنها لا تجد في مثل تلك العضلات ما يجذبها.
وأضافت “لا أستطيع تقبل الأمور المبالغ بها، أستغرب كيف يتخذ الشباب من حجم العضلات مقياسا للجمال والجاذبية، أنا شخصيا لا أنجذب للعضلات الضخمة، أفضل الرجل المتناسق، وعادة ما أتندر أنا وصديقاتي على الشباب ‘المنفوخين’ عندما يمرون أمامنا، ونضحك كثيرا عندما يعتقدون أننا معجبات بهم”.
ومع هذا لا يمكن إنكار أن هناك فئة من الشباب تقبل على الرياضة دون أن يكون الهدف تكبير العضلات بل جعلها مشدودة، لكن المشكلة تبدأ عندما تتحول الهواية إلى هوَس، وما يزيد اهتمام البعض بعضلاته هو طبيعة عمله مثل عارضي الأزياء المجبرين على الاعتناء بعضلاتهم وتكبيرها، ويحرصون بشكل دائم على الحفاظ على هذا المظهر لنيل فرص أكبر في هذا المجال.
وذكرت الدراسات أن عقاقير كمال الأجسام تدفع إلى معدلات من الغضب والعنف تفوق ما كانوا يتعرضون له قبل تناولهم هذه العقاقير، وبينت أن ما يشجع الشباب على تناول هذه العقاقير هو أن الفتيات يعجبن بالشاب ذي البنية القوية والعضلات المفتولة، بغض النظر عن كفاءته الدراسية أو الحياتية.
ومن التجارب الميدانية ما يرويه الشاب عماد (23 عاما) عن تعرضه لنوبات من الصداع، بسبب إدمانه على المنشطات لمدة تقارب العام، وتبين أنه أصيب باضطراب في عمل الغدة الدرقية.
ضحايا العضلات "المنفوخة"
انتشرت قصة المدون الروسي الذي حظي بشهرة واسعة في روسيا والعالم بفضل عضلاته الضخمة المفتولة، لكن تلك الشهرة لم تحمه من الإصابة بمرض كاد يفقده كلتا ذراعيه بسبب خطورة مادة سينثول التي استخدمها لزيادة حجم عضلات يديه.
ونال كيريل تيريشين شهرة العام الماضي بعدما ظهرت صوره بعضلات ضخمة وانتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي. وذكر حينها أنه تمكن من تحقيق هذه النتيجة ليس بفضل التمارين البدنية، بل عن طريق اللجوء إلى حقن العضلات بمادة سينثول.
وفيات عديدة حدثت بين الشبان جراء تناولهم العقاقير التي تسبب تضخما غير طبيعي في الشكل الخارجي في حال تم تناولها بكميات غير مدروسة
وأطلق عليه الناشطون ألقابا مختلفة من بينها “العملاق السينثولي”، ولكنه كان يفضل لقب “صاحب يدين-قذيفتي بازوكا”.
غير أن المدون البالغ من العمر 21 عاما نشر لاحقا صورة على صفحته “فكونتاكتي” ظهر فيها واقفا وعضلات يديه بالضماد مع عبارة “انتهت قذيفتا البازوكا”. ويؤكد الأطباء أن نفخ العضلات بمادة سينثول يمكن أن يؤدي إلى ضمورها، وإلى تشكل خراجات مع القيح وهو ما قد يتسبب في نهاية المطاف في بترها.
كما أثارت قصة اللاعب الأميركي جيرك فالانتينو قلقا في الأوساط الرياضية ولاعبي كمال الأجسام بعد انفجار عضلاته، بعد أن حقق رقما قياسيا غير مسبوق وأصبح صاحب أضخم ذراع في العالم، وأطلق على نفسه لقب ملك لعبة كمال الأجسام وبدأ جذب الانتباه إليه وأصبح له معجبون مهتمون به حول العالم ونال اهتماما كبيرا من المجلات الرياضية المعنية بلعبة كمال الأجسام وإنشاء صالة رياضية.
ويضيف جيرك وفقا لفيديو نشره على موقع يوتيوب بعد انفجار ذراعه، أن استهتاره وإفراطه في تناول العقار أو المنشط أوصلاه لمرحلة أنه كان إذا سقطت منه الحقنة على الأرض ينفخها ثم يغرسها بذراعه ويحقن نفسه بها، وهو ما سبب له مضاعفات خطيرة وانفجرت ذراعه ما دفعه لإجراء جراحة استئصال عضلة “الباي سيبس″ المصابة.
ويعد كريغ فالنتينوا صاحب أكبر حجم لعضلة ذات الرأسين “الباي سيبس″ في العالم، واستمر لمدة 23 عاما يتدرب بشكل طبيعي قبل أن يبدأ في استخدام المنشطات، ما أدى إلى انفجار عضلته ذات الرأسين كما أُصيبت ذراعه بعدوى بكتيرية تمكن من التعافي منها من دون أن يتوقف عن تعاطي المنشطات التي كادت تودي بحياته.
أما أندرياس مونزو، فقد اشتهر بمعدل دهونه المنخفض جدا، لكنه كان يستخدم أدوية عدة منها الستيرويديات ومدرات البول وهرمون النمو بكميات ضخمة، الأمر الذي تسبب في تعرّضه إلى نزيف حاد في العام 1996، فأُجريت له جراحة لإيقاف نزيف المعدة. وتوفي في الـ31 من عمره بسبب إصابته بفشل في وظائف الكبد. ووصل وزن قلبه إلى 636 غراما أي ضعف وزن قلب الإنسان الطبيعي.