لماذا تبقي تركيا الباب مواربا مع السعودية

الأكراد والمحور السني والروابط في مجالي الدفاع والاقتصاد عوامل تفرمل التهور التركي.
الثلاثاء 2018/11/06
سعودية جديدة.. مشروع يضر بطموح أردوغان

رغم إعلان السعودية عن تورط عدد من المسؤولين الأمنيين في القضية، وإطلاق تحقيق وتوضيح مختلف الملابسات، بما يقفل الجدل العام حول القضية ويحولها إلى تحقيق جنائي خاص لا يحتمل أن يتم توجيهه أو إثارة القلاقل حوله، تأبى تركيا أن يغلق الملف، في موقف أربك الرأي العام العالمي والمتابعين الذين رأوا في سياسة تركيا تناقضا وازدواجية مفضوحة لبناء نفوذ على حساب السعودية وفي نفس الوقت الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية معها.

واشنطن - كلما لاحت فرصة لتهدئة الأجواء من الجدل الذي أثاره مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، واتخذت القضية مجراها القانوني، في مثل هذه الحالات، إلا وسارعت تركيا إلى تأجيج الموقف، تارة عبر الادعاء باكتشاف معلومات جديدة أو طرح أسئلة وفرضيات مربكة لسير التحقيق، وأحيانا عبر اعتماد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطابا متناقضا يمتدح، من جهة، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويحرّض، من جهة أخرى، وإن بشكل غير مباشر، على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عرّاب رؤية السعودية 2030، بكل ما تحمله من تغييرات في صورة السعودية وسياستها.

وتوقف خبراء في مركز ستراتفور للأبحاث الأمنية والاستراتيجية عند هذه الازدواجية متسائلين عن الأسباب التي تجعل أنقرة، رغم كل ما تزعمه بشأن مقتل خاشقجي، ودفاعها المستميت عن حق حرية التعبير، تُبقي على شعرة معاوية في علاقاتها مع السعودية.

خلافات ولكن…

مع كل زيارة خليجية يعود أردوغان محمّلا بشراكات اقتصادية هامة وبتأكيد خليجي على أن أنقرة شريك استراتيجي، بما يساعده على تجاوز أزمات تمر بها البلاد وتجاوز خطر الدخول في عزلة بسبب السياسة الخارجية التي سلكتها تركيا في السنوات الأخيرة.

يعرف أردوغان أن أي قطع للحبل الرفيع الذي يربط علاقات بلاده بالسعودية، لا يعني فقط خسارة الرياض، بل أيضا خسارة دول إقليمية أخرى، وتأثر تلك الشراكات، وتجربة حليفته قطر ماثلة أمام عينيه. كما يعرف الرئيس التركي جيّدا أن السعودية الجديدة لم تعد تعنيها الخطابات البروتوكولية عن العلاقات الوثيقة ولا عمليات الابتزاز بشعارات حقوق الإنسان، خصوصا عندما تأتي من جهات هي أول من ينتهك هذه الحقوق ويتصدر المؤشرات الدولية في ذلك.

في المقابل، يرى خبراء أن الهدوء السعودي في التعامل مع الموقف التركي، المتناقض، يكشف عن اعتماد الرياض دبلوماسية المصالح ومحاولة تحقيق توازن وعدم التصعيد في ظل الوضع الإقليمي الراهن، والذي تبحث جهات، كإيران، وحتى تركيا، على أي فتيل يمكن أن يزيد في اشتعاله.

ويشير الخبراء في مركز ستراتفور إلى أنه رغم الخلافات الكبيرة بينهما ورغبة تركيا في منافسة السعودية من أجل قيادة العالم الإسلامي السنّي، يتجنّب الطرفان التصعيد بسبب المصالح بينهما.

لا تخاطر الرياض في التعامل مع أنقرة، وتحاول نزع فتيل أزمة خاشقجي، الأمر الذي يدفع الخبراء إلى التساؤل عما تريده تركيا في النهاية بينما تقلق راحة السعودية بقضية خاشقجي

على مرَّ أسابيع، منذ إعلان اختفاء خاشقجي في الثاني من أكتوبر، ثم مقتله، اتهمت وسائل الإعلام التركية السعودية بـ”التستُّر على الفاعل الحقيقي”. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام البرلمان التركي إنَّ “السلطات السعودية خطَّطت لقتل خاشقجي”.

لكن، يقول خبراء ستراتفور “مع أنَّ أردوغان يميل إلى العبارات الطنَّانة، فإنّ هذا الخطاب كان ضعيفا، بل وجَّه الرئيس التركي مناشدة ودية إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، من أجل التعاون على كشف الحقيقة في قضية خاشقجي”.

ويصف الخبراء الغاية من المعلومات المسربة باستمرار من جانب السلطات التركية بمحاولة حذرة للضغط على السعودية، التي تختلف رؤيتها للعالم وسياساتها الإقليمية مع رؤية تركيا وسياساتها. ويبدو هذا الحذر واضحا في سياسة الكيل بمكيالين، التي ينتهجها الرئيس التركي؛ فتارة يعلن عن معلومات جديدة تورط الرياض، وتارة أخرى يتحدث بلهجة “ودية” إلى الرياض، وتحديدا الملك سلمان.

ويفسر الخبراء هذه السياسية بالقول إن أردوغان يحذر المبالغة في المخاطرة بتدمير العلاقات مع السعودية، لكنه في نفس الوقت يترك الباب مواربة لجهة أي تغيير يمكن أن يحصل.

قيادة العالم الإسلامي

Thumbnail

يعزو المحللون الحرب الخفية على ولي العهد السعودي إلى الخوف من سعودية جديدة تغادر مربع التشدد وتنفتح على العالم وتصبح مركز الشرق الأوسط، مشددين على أن الخلاف في أصله يعود إلى اختلاف المقاربة بشأن زعامة العالم الإسلامي.

ويلفت تقرير مركز ستراتفور إلى أن الرئيس التركي يستهدف بشكل خاص الأمير محمد بن سلمان، معتبرين أن جانبا من التصرفات التركية في قضية مقتل خاشقجي يعود إلى رغبة أردوغان في التركيز على ولي العهد السعودي. ويقول الخبراء إن “تركيا تسعى لتعديل التوازنات داخل الأسرة المالكة، بتأكيد أنَّ الملك شريك موثوق، بينما تتساءل علنا عمَّن حرَّض على القتل، وإن كان ذلك دون ذكر اسم ولي العهد”.

ويقود ولي العهد السعودي حملة التغيير في السعودية، والتي تشمل في أحد أبرز نقاطها محاربة تيارات الإسلام السياسي، كما الترويج لصورة السعودية المتسامحة والمعتدلة، الأمر الذي يعزز مكانتها كقائدة للعالم الإسلامي (بكل مذاهبه)، بما يضرب طموح الرئيس رجب طيب أردوغان في أن يحصل ولو على جزء من سيطرة الإمبراطورية العثمانية السابقة على العالم الإسلامي.

وتسعى تركيا إلى ترويج فكرة أنها تمثل معسكرا منافسا للسعودية في قيادة العالم الإسلامي، في حين أن الواقع مخالف لذلك، فالسعودية، انطلاقا من مكانتها الدينية، وحضورها التقليدي الممتد من آسيا إلى أفريقيا، ومختلف مناطق العالم، ونظرا للظروف التاريخية التي أعقبت سقوط الإمبراطورية العثمانية وانكفاء تركيا في عهد كمال أتاتورك، ومن خلفه، وتوجهها نحو العالم الغربي واتباع سياسة صفر مشاكل مع الجيران، كلها عوامل تؤكد ضعف القصة التركية عن التنافس على قيادة العالم الإسلامي، فالقضية ليست قضية تنافس بين ندّين بقدر ما هي طموح تركيّ في النفوذ عبر استغلال العامل الديني.

وحتى في عهد حزب العدالة والتنمية لم يكن لتركيا حضور دولي وتدخل في شؤون الإقليم، إلا بعد سنة 2011، ودعم أردوغان لفكرة تمكين أحزاب الإسلام السياسي من السلطة، وهو الأمر الذي كان يعتقد أنه سيضمن له هذه “القيادة”، إلا أن المشروع سرعان ما كان خاسرا وانهار هيكله، وهو الأمر الذي يفسر موقف أردوغان من الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وغيرهما من القادة الذين أعلنوا الحرب على تيارات الإسلام السياسي وكشفوا طبيعة الأجندة الإخوانية المدعومة من تركيا.

اختلاف في زوايا النظر

Thumbnail

تلتقي الرياض وأنقرة في دعم القضايا السياسية ذاتها في العالم السني، لكنهما يختلفان في المقاربات وزوايا النظر والعلاج، وهو اختلاف يقوم أساسا على تمسك الجانب التركي بأدلجة سياسته الخارجية. مثلا، يدعم كلا البلدين إنشاء دولة فلسطينية لكنّهما يتبّعان منهجين مختلفين لتقديم العون الاقتصادي والسياسي للفلسطينيين. فتركيا تدعم حماس، وهي فرع من جماعة الإخوان المسلمين، بينما تدعم السعودية في الأساس حركة فتح، ممثل السلطة الفلسطينية.

وعارضت كل من تركيا والسعودية بشدة نظام بشار الأسد بسوريا، لكنّهما دعمتا جماعات معارضة مختلفة. ونظرا إلى أنّ منع إقامة كيان سياسي كردي مستقل هو الهدف الأمني الأساسي لتركيا، يزداد قلق أنقرة إزاء جهود السعودية ودول الخليج العربي للتواصل مع الأكراد في العراق وسوريا. وأغضب الدعم السعودي الأخير للسوريين الأكراد تركيا، حليفة روسيا وإيران اللتين تدعمان النظام السوري بقوة.

ويلفت الخبراء في مركز ستراتفور إلى “التنافس″ الإيراني السعودي على اجتذاب معظم الاهتمام، لكنّ “التنافس″ التركي السعودي، ينتج هو الآخر آثارا سياسية حقيقية، ويجذب الدول السنية الإقليمية إمّا إلى معسكر أنقرة وإما إلى معسكر الرياض.

ولأنَّ النموذج السياسي التركي يهدد ثقافة مجتمعات بأسرها في المنطقة، فإنّ أغلب الدول اصطفت مع الجهود الإقليمية السعودية. لكن، خلافا للأغلبية، اقتربت قطر من تركيا لأنّ الدوحة تدعم جماعات الإسلام السياسي.

ومن الشرق الأوسط إلى أفريقيا، تسعى تركيا إلى بناء نفوذ سياسي وديني واقتصادي وأمني، لكنها تصطدم، بالحضور الروحي للسعودية، وما لذلك من تبعات على بقية المجالات السياسية والتأثير والنفوذ في القارة. ويشير الخبراء، إلى أنه يمكن للسعودية، عبر تعزيز الاقتصادات الأفريقية، المساعدة على إعطاء هذه الدول قوة تفاوضية أعلى مع تركيا.

وكان الأمير محمد بن سلمان وصف، في تصريحات أدلى بها أوائل العام 2018، تركيا وإيران والإسلام السياسي بـ”محور شر”، مع ذلك تمنع الأولويات الاقتصادية والاستراتجية تركيا من نسف علاقتها بالرياض، وإن سعت، وفق خبراء ستراتفور، إلى “بناء نفوذ ضد السعودية مستغلة قضية مقتل خاشقجي”.

ملفات مشتركة

Thumbnail

من بين الملفات التي تمنع أي تهور تركي يقود نحو قطع تام للعلاقات، وسيناريو مشابه لمقاطعة الدوحة، القلق من إيران. فرغم أن البلدين يروجان لفكرة التقارب بينهما إلاّ أنقرة تقف في الصف السعودي من حيث فكرة احتواء انتشار الهيمنة الإيرانية في المنطقة. كما أن التقارب بين أنقرة وطهران حتمته المقاطعة الخليجية لقطر من جهة، وعلاقات تركيا مع روسيا، حليفة إيران في سوريا، من جهة أخرى. ولطالما سعت تركيا إلى التقرب مع السعودية وتقديم نفسها كحليف رئيسي لتكوين هلال سنّي يطوّق مشروع الهلال الشيعي الإيراني.

وترى واشنطن، التي توترت علاقتها بأنقرة مؤخرا، أن من شأن تحالف تركي خليجي وثيق أن يمثّل جدار صدّ متين ضدّ سياسات طهران في المنطقة. وسيكون التقارب التركي السعودي (الخليجي) مفيدا لأردوغان في استعادة علاقات بلاده مع واشنطن.

ويسعى أردوغان إلى المزيد من تنسيق المواقف بشأن ملفات سوريا والعراق والأكراد، وتعتبر الرياض، إلى جانب العواصم الإقليمية الرئيسية، محطة ضرورية للباحثين عن حلول لهذه الملفات. وانضمت تركيا إلى التحالف العسكري الإسلامي للحرب على الإرهاب الذي شكلته السعودية في منتصف ديسمبر 2015 من 41 دولة عربية وإسلامية، لكن تراجعت سريعا عبر التمسك بالتحالف مع إيران، لأن التحالف الإسلامي تأسس بشكل رئيسي لمحاربة الإرهاب وكبح جماح إيران ووقف تدخلاتها في شؤون دول المنطقة.

وشكّلت الاتفاقيات الثنائية بين تركيا والسعودية خلال زيارة الرئيس التركي إلى السعودية في ديسمبر 2015، التأسيس لإطار حيوي لعلاقات شراكة استراتيجية بينهما، تم وضعه في سياق مؤسساتي قادر على تجسيده من خلال مجلس التنسيق التركي السعودي الذي أعلن عنه بحضور الرئيس التركي والعاهل السعودي بعد قمتهما الخامسة في 14 أبريل 2016 في مدينة إسطنبول، للاضطلاع بمهمة تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتعزيزها مستقبلا.

ويتوقع الخبراء أن تخفف الروابط الاقتصادية المتزايدة بين البلدين من احتمال وقوع شقاق خطير، لا سيما في المجال العسكري. إذ بدأ التعاون العسكري التركي السعودي، في شهر سبتمبر من عام 2013، عندما صادق البلدان على اتفاقية تعاون.

وفي أواخر العام الماضي، أسست شركة أسلسان، وهي واحدة من أهم شركات الدفاع العسكري في تركيا، مشروعا مشتركا مع شركة تقنية سعودية، التي تدعى الشركة السعودية للإلكترونيات الدفاعية، وتركز في الأساس على الإلكترونيات، بما في ذلك أجهزة التشويش والرادارات وأجنحة الحرب الإلكترونية ومستقبلات الأشعة تحت الحمراء. وبدأت الشركتان إنشاء مصنع في السعودية في إطار هذا المشروع المشترك.

Thumbnail

وحتى الآن، لم تبرم تركيا أي مبيعات أسلحة كبيرة إلى السعودية، مع أنَّ أنقرة كانت تتفاوض لبيع مركبات جوية دون طيار إلى السعودية، وأبدت آمالا لبيع دبابات من طراز ألتاي إلى السعودية، فضلا عن أسلحة ومعدات أخرى. ولأنَّ الروابط الدفاعية الثنائية لا تزال في مهدها، فإنَّ أي شقاق حاد بين البلدين لن يُنهي أي صفقات أسلحة حالية، لكنَّه بالتأكيد سيعيق طموحات أنقرة لتوسيع سوقها السعودي المربح، ما يعني أنَّ كلا الطرفين لن يستفيد من حدوث تمزّق عميق في العلاقات.

ويدعم السياح السعوديون، الذين يزداد عددهم سنويا، الاقتصاد التركي بإنفاقهم الكبير في أثناء زيارتهم تركيا. وكان المواطنون السعوديون أيضا في طليعة حملة لشراء العقارات التركية، وهو ما يسلط الضوء على مدى أهمية زبائن المملكة للقطاع الاقتصادي في أنقرة.

وفي ما يخص التجارة، تعهّدت كلتا الحكومتين بزيادة التجارة والاستثمار في القطاعات المهمة للطرفين. وبذلك، لا توجد مصلحة في تعكير المناخ السياسي بشكل قد يؤدي إلى إنهاء روابط اقتصادية قيّمة، إذ حظيت بعض شركات الإنشاءات التركية، التي تمثل قطاعا استراتيجيا لأنقرة، بعقدين لبناء مشروعات إسكان سعودية، ومن المقرر زيادة عدد هذه المشروعات إلى حدّ كبير وفقا لرؤية السعودية 2030 التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان.

وحتى الآن، لا تخاطر الرياض في التعامل مع أنقرة، وتحاول نزع فتيل أزمة خاشقجي، الأمر الذي يدفع الخبراء إلى التساؤل عما تريده تركيا في النهاية بينما تُقلِق راحة السعودية بقضية خاشقجي؟، ليجيبوا بأنه:

  • على الصعيد الاقتصادي: ربما تطلب تركيا وراء الأبواب المغلقة دعما ماليا سعوديا مقابل إنهاء الضغط الإعلامي على ولي العهد، أو ربما حتى تطلب تخفيف بعض الضغط الدبلوماسي على الدوحة.
  • على الصعيدين الأمني والسياسي: تسعى تركيا إلى وسيلة لاحتواء الدعم السعودي للأكراد.

وحتى الآن، يبدو أنّ تركيا ترى المنفعة في عدم إثارة فتنة مع السعودية، لكنّ ذلك لا يضمن أنّها لن تغير رأيها.

6