قرية سعودية تنتظر إدراجها على قائمة التراث العالمي

قرية "رُجال" التراثية بمنطقة عسير تنهي متطلبات الانضمام لقائمة التراث العالمي، وتنتظر وصول وفد علمي من منظمة "اليونسكو" المعنية بالثقافة والفنون والتراث.
السبت 2018/11/03
الأهالي جادون في الحفاظ على هوية القرية

أبها (السعودية) – أنهت قرية “رُجال” التراثية التابعة لمحافظة رجال ألمع بمنطقة عسير، متطلبات الانضمام لقائمة التراث العالمي في منظمة “اليونسكو”، وتنتظر وصول وفد علمي من المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بالثقافة والفنون والتراث.

وترتكز أهمية القرية التاريخية والأثرية على عمقها الحضاري وريادتها في مجالات عدة من أبرزها التجارة والفنون المعمارية الفريدة المتمثلة في الحصون الشاهقة المبينة بطريقة فنية بديعة تجمع بين الجمال والإتقان واستغلال المساحات بشكل لافت، حيث تتراص ثمانية حصون على مساحات صغيرة متقاربة، لتصنع كتلة واحدة بارتفاعات متفاوتة، يصل ارتفاع بعضها إلى 6 طوابق زخرفت من الخارج بحجر “المرو” الأبيض، كما زيّنت من الداخل بالنقوش الفنية التي يطلق عليها “القط العسيري”، مما جعلها مقصدا للزوار القادمين إلى منطقة عسير من داخل المملكة وخارجها.

وأكد أمير منطقة عسير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز خلال لقائه بحمزة دنصر عضو المجلس الدولي للمعالم والمواقع، أهمية تسجيل قرية “رُجال” التراثية ضمن المواقع الأثرية والتراثية في قائمة التراث العالمي، لإبراز البعد التاريخي والحضاري للمملكة محليا ودوليا، مشيدا بالجهود المبذولة التي يقدمها أهالي رجال ألمع وإيمانهم العميق بأهمية المحافظة على التراث العمراني الذي تشتهر به القرى الأثرية في المحافظة، مما يجعلها وجهة سياحية للزائر لمنطقة عسير.

وبيّن نائب أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، “أن الأعمال الجاري تنفيذها في القرية تشمل ترميم وتعديل بعض الواجهات الرئيسية لمباني القرية ومعالجة الأرضيات والجدران والممرات والأسقف للقرية بما يتناسب مع متطلبات التسجيل، إلى جانب تأمين المقتنيات التراثية التي تحتوي عليها القرية في صناديق مخصصة تمكّن الزائر من الاطلاع والمحافظة عليها”.

وتعتبر قرية “رُجال” التراثية أحد أبرز المواقع التراثية التاريخية التي تعمل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على تطويرها.

ووقف سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث، على سير أعمال التأهيل في قرية “رُجال”، موجها بشمول أعمال التطوير للمنطقة المحيطة للقرية، وتوفير الأماكن السياحية الجاذبة وإنشاء مراكز نموذجية للإيواء لتكون نقطة جذب للزوار الذين يتشوقون لمعرفة تراث المنطقة وتاريخها العريق، مشيدا بما حدث من تكامل بين فرق العمل للوصول إلى الأهداف المرجوة.

وأكد على ضرورة أن تصبح وجهات سياحية جاذبة لزوّار المملكة من مختلف بلدان العام، لافتا إلى أن الهيئة عملت خلال السنوات الماضية على تهيئة الأنظمة والمسارات وأهّلت الشركاء حتى أصبحوا يقودون القطاع السياحي بكل كفاءة واقتدار، إيمانا منها بأهمية السياحة ودورها في إيجاد الفرص الوظيفية للشباب والإسهام في دفع عجلة الاقتصاد.

ويمكن للزائر الوصول إلى قرية “رُجال” عبر عدة طرق أهمها عقبة الصماء الرابطة بين مدينة أبها ومحافظة رجال ألمع مرورا بمركز السودة الأشهر سياحيا على مستوى المملكة، في مدة لا تتجاوز 30 دقيقة، إلى جانب طريقين آخرين يربطانها بمحافظة محايل عسير ومركز الحبيل المؤدي إلى محافظة الدرب التابعة لمنطقة جازان.

وعلى الرغم من تعدد الآراء العلمية حول تاريخ “رُجال”، فقد تناول الباحث محمد حسن غريب في كتابه المؤلف من 4 أجزاء، تاريخ القرية ونشأتها وتطورها الذي شهدته على مر التاريخ، حيث يشير إلى أن “شواهد الفعل الحضاري من مبان وطرق وحاميات ومدرجات زراعية وآبار ومقابر مكتظة بساكنيها، وما كشفته السيول قديما في بعض أوديتها من مساكن مطمورة تحت الأرض وكذلك وجود الفحم الذي ظهر في إحدى الآبار المحفورة في حي ‘عسلة’ على عمق 30 مترا، تعطي دلالة قطعية على قدم الاستيطان والاستقرار البشري الذي كان يسود القرية قبل القرن العاشر الهجري، وعبر مراحل نموها وازدهارها”.

ويؤكد غريب أن البعد التجاري القديم للقرية كان الأشهر في المنطقة، قائلا عن تجارها قديما “كانوا في تجارتهم يضربون في الأرض ضربا بعيدا فيصلون إلى أقصى مكان يعرف من عالمهم آنذاك حيث ظلت المراكب الشراعية التي يستأجرونها لنقل البضائع من عدن والحديدة والحبشة تمخر عباب البحر الأحمر مثقلة بصنوف السلع التي ابتاعوها من تلك الجهات، مما أكسبهم قوة اقتصادية لا يستهان بها”. ويشير غريب إلى أن السلع التي كانت تباع في دكاكين أهل القرية آنذاك هي السلع الهندية والمصرية واليمنية والأوروبية والأفريقية حتى من شرق آسيا من اليابان والصين، وقد يجمع بعضها بين ضروب التجارة كالمعطارة، والأغذية، والحبوب، والأدوات المنزلية، والتوابل، والعطور، والأقمشة، والحلي، والعقاقير الطبية، والكماليات، والسلال، والجلود، والسمن، والعسل.

زائرو القرية رجال يصلون إليها مرورا بمركز السودة الأشهر سياحيا في المملكة
زائرو القرية رجال يصلون إليها مرورا بمركز السودة الأشهر سياحيا في المملكة

وتؤكد الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن قرار تأهيل وتطوير قرية “رُجال” بمحافظة رجال ألمع يأتي لما تمثله القرية من أهمية، ولمبادرة أهاليها للحفاظ على قريتهم لوعيهم بما تحتويه من تاريخ عريق وثقافة وهي شاهدة على مشاركتهم بملحمة توحيد هذا الوطن الغالي، وهو ما شكل إضافة إلى طبيعة القرية الخلابة ومناخها المعتدل على مدار العام.

ومرت قرية “رُجال” بمراحل تطويرية متعددة شملت المسرح المفتوح الذي يقع على مساحة 615 مترا مربعا، ويتسع لحوالي ألف شخص، إلى جانب المساحات المجاورة وهي عبارة عن أماكن للتسوق تعرض فيها المنتجات التي تشتهر بها البلدة، كما تمت زيادة الرقعة الخضراء بحوالي 7 آلاف متر مربع، وأقيمت 15 مظلة وجلسات عائلية على مداخل البلدة، ورصفت الممرات وأعمدة الإنارة على الطريق المتفرع من الطريق الرئيسي المؤدي إلى البلدة.

وبدأ الاهتمام بتوثيق التراث المادي لمحافظة رجال ألمع من خلال إنشاء أحد أقدم المتاحف الأهلية في المملكة، وهو “متحف ألمع الدائم للتراث” 1985، وذلك بأحد حصون قرية “رُجال”، بمبادرة أهلية، ويحتوي على أكثر من 2800

قطعة أثرية موزعة على 12 غرفة خصصت كل واحدة منها لنوع معين من التراث مثل الأدوات الزراعية ولباس الرجل والمرأة وزينتهما قديما وأدوات الطبخ ومستلزمات القوافل وأدوات التعليم القديم وغيرها من مظاهر الحياة القديمة، إضافة إلى قسم للمخطوطات النادرة.

ويسرد الباحث محمد حسن غريب قصة إنشاء هذا المتحف قائلا “تم إنشاؤه بمبادرة عامة من أهالي المحافظة لحفظ تراث المنطقة، وقد اختير حصن آل علوان بقرية رجال، ويعد من أكبر الحصون فرمّم بتعاون الكثير من أبناء رجال ألمع كل بحسب إمكاناته وخبرته، وتولى أبناء القرية جمع المقتنيات القديمة التي تبرّع بها الأهالي، وأسهمت نساء القرية في نقش القصر، ومن ثم تبرع الكثير منهن بحليهن القديمة من الفضة وبعض مدخراتهن من الزينة، واكتمل العمل بالمتحف، وحصل على الكثير من الدعم والاهتمام والتشجيع من قبل المهتمين بالسياحة، وبدأ المتحف يمارس دوره كقناة ثقافية سياحية منذ ذلك الحين حتى أصبح الزوار يقصدونه من جميع أنحاء العالم وعلى مدار العام، وقد تزايد عدد زواره بعد افتتاح مشروع العربات المعلقة في السودة وتأمين المواصلات بين محطة العوص والمتحف، وكان لذلك دور مهم في تسهيل زيارة المتحف وخاصة في فصل الصيف حيث يبلغ الموسم السياحي ذروته”.

وتحتضن القرية على مدار العام نشاطات منوعة ومهرجانات وفعاليات ترفيهية شهرية وأسبوعية وتنظيم الرحلات السياحية.

17