ترميم الصورة: تذكير بسعودية الاعتدال والانفتاح

كان نجاح مؤتمر دافوس الصحراء أولى خطوات تجاوز التأثيرات السلبية لقضية مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، حيث نجحت الرياض في عقد المؤتمر في موعده لتواصل بعد ذلك المضي قدما في حملة تقديم صورة السعودية الجديدة وفق "رؤية 2030"، وإن تعرضت لبعض التضليل على خلفية مقتل خاشقجي، ما يجعل المهمة مضاعفة على السعودية، التي تجد نفسها بحاجة إلى تعزيز قدراتها على إدارة حملة علاقات عامة مضادة وفي نفس الوقت تستهدف ترميم صورتها.
الرياض- التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وفدا من رموز المسيحية الإنجيلية الأميركية، في خطوة نادرة تأتي في ظل مساعي المملكة للمزيد من الانفتاح على العالم وإصلاح صورتها إثر الحملات التي واجهتها على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وترأس الوفد الذي التقى الأمير محمد الخميس جويل روزنبرج الخبير في مجال الاتصال، وضم ميشيل باكمان، وهي عضو سابق بالكونغرس الأميركي، إلى جانب رؤساء منظمات أميركية إنجيلية بعضهم لهم علاقات بإسرائيل.
وقال بيان للوفد عقب الزيارة “لقد كان استقبال ولي العهد السعودي علانية لزعامات مسيحية إنجيلية في القصر لحظة تاريخية. لقد سعدنا بالصدق الذي اكتنف المحادثة التي استمرت ساعتين”. كما التقى الوفد بمسؤولين سعوديين بينهم وزير الخارجية عادل الجبير وسفير السعودية لدى واشنطن الأمير خالد بن سلمان والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى.
وتعتبر زيارة مثل هذه الزعامات غير المسلمة التي تقول إنها تمثل حوالي 60 مليون نسمة، انفتاحا دينيا غير معهود في المملكة العربية السعودية، وخطوة هامة نحو تأكيد السعودية على نهجها الإصلاحي وجدية مسعى التغيير، الذي يراعي متطلبات المتغيرات الخارجية المحيطة وموازنتها مع الخصوصية الداخلية.
يقول محلل سياسي سعودي "من الطبيعي أن يلقى مقتل صحافي غضبا، ولكن الكثير من منتقدي السعودية يبدون عازمين على استغلال العملية لتشويه صورتها"
ومن اللافت أن بعض الرموز الذين ضمهم الوفد، الذي يقدم عددا من أعضائه المشورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، من المؤيدين لإسرائيل، التي لا تعترف بها السعودية، ومنهم على سبيل المثال مايك إيفانز مؤسس جماعة “جيروزالم براير تيم” أو “فريق الصلاة في القدس″. وتشترط السعودية منذ سنوات أن يكون تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقرونا بانسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967، وهي أراض يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية عليها.
لكن تنامي التوتر بين طهران والرياض أجج تكهنات بأن المصلحة المشتركة ربما تدفع السعودية وإسرائيل نحو العمل سويا ضد ما تعتبرانه تهديدا إيرانيا مشتركا. وكان الأمير محمد، الذي خفف في السنوات الأخيرة قواعد اجتماعية صارمة إضافة إلى القبض على رجال دين سعوديين باعتبارهم متطرفين، قد قال في أبريل إن الإسرائيليين لهم الحق في العيش بسلام على أرضهم. وقبل ذلك بشهر، فتحت السعودية مجالها الجوي للمرة الأولى أمام رحلة تجارية إلى إسرائيل.
ونجحت الرياض في تسويق صورتها الجديدة، وحظي الأمير محمد منذ تسلمه منصبه كولي للعهد العام الماضي بإشادات دولية بعد إدخال إصلاحات على المجتمع والاقتصاد في بلاده وبينها اعتماد سياسة الانفتاح والترويج لـ”إسلام معتدل” والسماح للمرأة بقيادة السيارة. لكن صورته تضررت إلى حد كبير منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، على الرغم من تأكيد الرياض عدم علم السلطات بالجريمة.
ألقت قضية مقتل خاشقجي بظلال سلبية ساهمت في تدعيمها السعودية نفسها من خلال ما اعتبره الخبراء ضعفا في إدارة العلاقات العامة، حيث يرى أنتوني كوردسمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن السعوديين أعطوا الفرصة لتركيا، وغيرها، بردهم المتأخر وتصريحاتهم المرتبكة.
ويرى محللون أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا يزال يحكم قبضته على المملكة، لكن الغضب المتزايد إثر مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول أساء إلى موقعه ونفوذه في العالم.
ويقول الباحث حسين أبيش، من معهد دول الخليج العربي في واشنطن، “يسود مناخ الآن يثير رغبة في الابتعاد عن السعودية والحكومة السعودية والأمير شخصيا”. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أدان ما وصفه بأنه “أسوأ عملية تستر” من السعوديين على قتل خاشقجي، معتبرا أنها “إخفاق تام”، لم يقطع علاقاته مع السعودية.
أمر مبهم
ما زال خطر فرض عقوبات أميركية يلوح في الأفق، لكن محللين يرون أنها لن تكون قاسية على السعودية التي تعد أكبر مصدّر للنفط في العالم وأحد المشترين الرئيسيين للأسلحة الأميركية وحليفا رئيسيا ضد إيران في المنطقة.
ويقول الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد صايغ “حتى لو أدى الأمر إلى عقوبات فإن الأمير محمد، في وضع أفضل”.
وأثارت عودة الأمير أحمد بن عبدالعزيز هذا الأسبوع إلى السعودية الاستغراب، خصوصا بعد أن أثار جدلا في وقت سابق بانتقاده شقيقه الملك سلمان ونجله. ولم ترغب السلطات السعودية في التعليق على أسباب عودة الأمير أحمد بعد أن أمضى أشهرا عدة في لندن، ولكن تبدو عودته مؤشرا على مسعى العائلة المالكة لرص صفوفها بعد أزمة خاشقجي.
ويؤكد الخبير في الشؤون السعودية غريغوري غوس من جامعة “إي أند أم” في تكساس “هناك أمر يحدث في أوساط عائلة آل سعود الحاكمة”، مشيرا إلى أن “عودة الأمير أحمد من لندن تشير إلى ذلك. ولكن الأمر لا يزال مبهما”.
ومع تزايد الغضب الدولي حول مقتل خاشقجي، يرى البعض أن قادة العالم قد يحاولون استغلال الأمر للحصول على تنازلات أو الاحتفاظ بالنفوذ في إطار المفاوضات الدبلوماسية. ويؤكد “أصبحت هناك تكلفة إضافية.. للتعاون أو الشراكة مع السعودية بشكل عام، والحكومة بشكل خاص، خصوصا ولي العهد”.
تشويه صورة السعودية
تزايدت التكهنات حول تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وراء الكواليس. وكان أردوغان تعهد في وقت سابق بأنه سيكشف عن “الحقيقة الكاملة” حول مقتل خاشقجي، لكنه لم يكشف ما لم تذكره التقارير الإعلامية من قبل.
في المملكة، سعى السعوديون إلى الالتفاف حول الأمير محمد، عراب رؤية السعودية 2030، والتي أصبحت مشروعا قوميا سعوديا سيلتف حوله أغلب السعوديين. ونشر السعوديون قصائد مدح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتواصلت الفعاليات العامة مثل مهرجان مؤسسة المصارعة العالمية الترفيهية (دبليو دبليو إي). ويقول محلل سياسي سعودي “من الطبيعي أن يلقى مقتل صحافي غضبا، ولكن الكثير من منتقدي السعودية يبدون عازمين على استغلال العملية لتشويه صورتها”.