تشتت مواقف المعارضة يعزز فرض الأمر الواقع على البرلمان الجزائري

تسير أزمة البرلمان الجزائري للحسم لصالح خيار أحزاب الموالاة، بعدما قوبل قرارها بإزاحة السعيد بوحجة من رئاسة الهيئة التشريعية بصمت المعارضة، باستثناء حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي جمد نشاطه البرلماني.
الجزائر- يعزز تشتت مواقف الأحزاب المعارضة سياسة الأمر الواقع في البرلمان التي أفضت لإعلان الكتل النيابية الموالية للسلطة، عن إعلان حالة الشغور في هرم الهيئة، وتزكية رئيس جديد، خلف الرئيس المخلوع السعيد بوحجة، رغم عدم قانونية الخطوة.
وكان أعضاء “المجلس الشعبي الوطني”، الغرفة الثانية في البرلمان، انتخبوا الأربعاء معاذ بوشارب رئيساً جديداً للمجلس، إلاّ أنّ الرئيس السابق السعيد بوحجة الذي دخل في صراع مع الأغلبية النيابيّة ومازال يعتبر نفسه الرئيس الشرعي الأمر الذي يهدّد بخلق وضع معقّد في البرلمان.
وأعلنت جبهة القوى الاشتراكية المعارضة، عن تجميد جميع أنشطة نوابها داخل هيئة المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى) للبرلمان، والاكتفاء بالأنشطة الجوارية مع الشارع والاحتكاك مع الانشغالات اليومية للمواطنين، وذلك احتجاجا على ما أسمته بـ”عدم شرعية قيادة الهيئة التشريعية”، بما فيها الرئيس السابق أو الرئيس الجديد.
وجاء قرار أعرق الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد، في ظل انتقادات كثيرة للمعارضة، على سلبية مواقفها تجاه تسارع التطورات في البرلمان، وعدم مساهمتها أو سعيها إلى خلق تيار سياسي يكفل التوازن داخل البرلمان، ويستميت في الدفاع عما وصف بـ”خرق الشرعية الدستورية والدوس على التشريعات القانونية”.
ولم تكفل الأوصاف والتعاليق التي أطلقها نواب برلمانيون من أحزاب البرلمان، على خطوة أحزاب السلطة في الإطاحة بالرئيس المخلوع السعيد بوحجة، كسب تعاطف الشارع الجزائري، بالنظر إلى التفكك الذي ظهر على مواقفها، والتباين الواضح في ردود أفعالها.
فأمام قرار جبهة القوى الاشتراكية القاضي بتجميد نشاطها النيابي داخل الهيئة، يمسك الإسلاميون العصا من الوسط، فلا هم مع الرئيس الجديد للبرلمان، ولا هم ضده، بحسب التصريحات التي أدلى بها الرجل الأول في أكبر الأحزاب الإخوانية عبدالرزاق مقري، حول ما أسماه “رفض حركة مجتمع السلم للانقلاب، والتعاطي مع معاذ بوشارب كرئيس له، لأنه أمر واقع″.
وأكدت وجوه قيادية في أحزاب المعارضة، في رد لسؤال لـ”العرب”، حول إمكانية وجود مشاورات أو تنسيق بين الكتل المعارضة بشأن بلورة موقف موحد تجاه التطورات الأخيرة في البرلمان، أن حالة من الشك تهيمن على الجميع ولا شيء من هذا القبيل في الأفق “، في إشارة إلى حالة التفكك غير المسبوقة داخل المعارضة السياسية.
وبرر القيادي ورئيس كتلة حزب العمال اليساري جلول جودي، المسألة بتباين وجهات النظر بين الأحزاب المعنية حول الوضع العام في البلاد، واختلاف قراءاتها ومقارباتها للأزمة السياسية القائمة، وهو ما يجعل الجميع يستلهم من مرجعيته الحزبية الخاصة، مشددا على أنه لا يأمل في موقف موسع تجاه التطورات المذكورة.
وإذ أجمعت المعارضة على مقاطعة جلسة تزكية الرئيس الجديد للبرلمان للتعبير عن رفضها للسيناريو الذي أخرجته أحزاب السلطة من أجل الإطاحة بالرئيس المخلوع السعيد بوحجة، وفرض أمر واقع يتنافى مع النصوص الدستورية والتشريعات القانونية للبلاد، فإنها أنتجت مواقف وردود فعل متباينة ومفككة تساهم في تعزيز ما وصف بـ”الأمر الواقع″.
حالة من الشك تهيمن على أحزاب المعارضة في الجزائر ولا وجود لمشاورات بينها لاتخاذ موقف موحد ضد الموالاة
وذكر بيان جبهة القوى الاشتراكية بأن “نوابه لم يتعاملوا منذ بداية العهدة النيابية مع الرئيس المخلوع، ولن يتعاملوا مع الرئيس الحالي الفاقد للشرعية، وأن مجموعتة البرلمانية المنتخبة من طرف الشعب، هي ممثلة له ولانشغالاته، وتستمد شرعيتها من الشعب، هي ليست نتاج كوطة (حصة) ولا تزوير”.
وندد بما وصفه بـ”استحواذ السلطة التنفيذية على الهيئة التشريعية، التي اختزلتها في أحزاب المولاة، حيث أصبحت مجرد لجنة مساندة للسياسات الفاشلة والمفلسة، التي رهنت مستقبل البلاد والأجيال، ورهنت كل آمال التغيير والانتقال السياسي في البلاد”.
ورفضت المجموعة البرلمانية للحزب، تهجّم رئيسي مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني على المعارضة، لما اتهماها بـ”زرع اليأس والشك والإحباط والتحريض ضد مؤسسات الدولة ورموزها”.
وفي المقابل يتوجه الإخوان إلى التموقع الوسط في الصراع القائم، بإقرار البقاء في هيئات البرلمان، والتعاطي مع الرئيس الجديد كأمر واقع، مع الاعتراف بشرعيته، والشروع في الاستعداد للاستحقاق الرئاسي المنتظر بعد ستة أشهر من الآن.
واستعرض عبدالرزاق مقري، أوراقه أمام مناضليه وكوادر حركته في محافظة تبسة بشرق البلاد نهاية هذا الأسبوع بالقول “أنا عبدالرزاق مقري، بإمكاني أن أكون رئيس جمهورية، وأقود الجزائر إلى بر الأمان لأنه لديّ برنامج حقيقي”.
ولفت إلى أنه “لا يمكن في هذه المرحلة الدخول في الحديث عن الرئاسيات لأن المعركة كبيرة، وأن (حمس) مستعدة للتعاون مع النظام، من خلال مبادرة التوافق الوطني، لتجاوز مشكلة الرئاسيات، وبعدها لنا حديث حول حكومة التوافق لتحقيق التنمية”. وهو التصريح الذي ينطوي على رسائل المناورة التي يقودها الإخوان، للحصول على مواقع متقدمة في المشهد السياسي القادم، يبقيهم في موقع وسط (ضد السلطة وليس مع المعارضة)، رغم أن المقاربة كلفتهم شعبيتهم في الشارع الجزائري.
وذكر مقري “حمس مستعدة للتنازل عن الطموح الشخصي من أجل تجسد مبادرة التوافق الوطني، التي تسعى إلى لمّ الشمل أو أي مبادرة مشابهة من أجل تجنيب الجزائر أزمة أخرى قد تعصف في البلاد”.
وشدد على “أن الحكومة اعترفت بفشلها من خلال تأكيدها في مشروع قانون المالية، أن احتياطي الصرف في سنة 2021 سيكون في أحسن الأحوال 30 مليار دولار، ما يعني أن الدولة الجزائرية لن تتمكّن من تغطية السوق الجزائرية بالحاجيات الأساسية من القمح والسكر والزيت”.