مجسمات نابلس القديمة دليل للسياح وكتاب تاريخ للأطفال

نابلس - تواصل المهندسة الفلسطينية نورا جردانة على مدى عامين ونصف العام، العمل على بناء مجسمات تحاكي مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، عبر مراحلها التاريخية المختلفة.
وتقف جردانة، الموظفة بمركز تنمية موارد المجتمع التابع لبلدية نابلس، بجوار مجسّم للبلدة القديمة بمدينة نابلس، وتقدم شرحا حوله “نابلس مدينة غنية بموروثها المعماري التاريخي، وتحتوي البلدة القديمة على مبان ضخمة تعود إلى الفترات الرومانية والبيزنطية والمملوكية”.
وتلفت إلى أن نابلس تحتوي على أسرار كثيرة يجهلها الكثيرون، معتبرة أن مشروعها محاولة لكشف أسرار البلدة لتشكّل مسارا سياحيا.
وترى المهندسة الفلسطينية أن المشروع هو محاولة لترويج الموروث الثقافي في نابلس وإيجاد مسار سياحي، وهو أيضا وسيلة لتعريف السياح والمواطنين بتاريخ المدينة بطريقة بسيطة وسهلة.
وتقول “نحاول أن نوظف الفن في خدمة التاريخ، وهذه المجسّمات تمثل سابقة وطريقة إبداعية، خاصة وأن الناس يجدون صعوبة في هضم المعلومات التاريخية”.
وجاءت فكرة بناء المجسمات من مشروع المسار السياحي التعليمي داخل البلدة القديمة، بالتعاون ما بين بلديتي نابلس وليل الفرنسية، والذي يتم من خلاله تعريف فئة الأطفال بتاريخ مدينتهم.
وأوضحت، أن كل حارة في البلدة القديمة عبارة عن مزار سياحي بحد ذاته، مشيرة إلى أن نابلس القديمة تضم ست حارات، والحارة تتكون من عدد كبير من الأزقة والأحواش وهي ترادف الحي.
وعكفت جردانة، الحاصلة على بكالوريوس في الديكور من كلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح الوطنية، على البحث والدراسة والعمل لبناء مجسم تفصيلي لنابلس القديمة، لكنها واجهت صعوبات كبيرة لبناء مجسم لمدينة تتلاصق فيها المنازل والأحياء.
ومن أهم الصعوبات التي واجهتها منذ بدئها بناء المجسم الأول، التعامل مع الخامات وتوفير المواد اللاصقة المناسبة، لكن مع الوقت استطاعت التعامل مع الخامات وتوظيف خامات جديدة.
ولتضفي على التصميم المصغر جمالا، تستخدم جردانة الحصى ومواد بناء بسيطة وقليلة التكلفة، وتقول إن “بناء مجسمات المباني التاريخية يحتاج إلى دقة في اختيار الخامات المناسبة وقدرات فنية عالية لتركيبها من أجل إبراز الجانب التاريخي للمباني”.
وتحتوي البلدة القديمة في نابلس على معالم دينية مسيحية وإسلامية، وسامرية، وأسواق قديمة، وفندق، وخانات، وحمامات تركية، وأعين ماء (سبيل)، وساحات يتوسطها برج ساعة.
نابلس تعد ثالثة أقدم المدن في العالم بعد مدينتي أريحا والعاصمة السورية دمشق
وإلى جانب مجسم المدينة القديمة، استطاعت المهندسة أن تنجز مجسما لنابلس الكنعانية والمعروفة باسم “شكيم” أو “تل بلاطة” الذي يعود تاريخه إلى نحو 5 آلاف عام، ويقع إلى الشرق من نابلس الحالية.
وتقول، إن مدينة نابلس وبحكم كونها جبلية، فإن كل مبانيها كانت من الحجر، وعلى مر العصور كانت أحجام الحجارة المستخدمة بالبناء تميل إلى الصغر، ولهذا استخدمت في مجسم شكيم حصى بأحجام أكبر من تلك التي استخدمتها في مجسم البلدة القديمة.
واستعانت جردانة بالبحوث والبعثات الأثرية والخرائط القديمة، ودرست حياة الكنعانيين بكل تفاصيلها، وزارت الموقع مرات عدة، قبل أن تنجز مجسما للمدينة التي سكنها العرب الكنعانيون. ويُظهر المجسم المدينة بأسوارها وأبراجها الدفاعية وأبوابها العملاقة ومبانيها الحجرية ومعابدها.
وتلفت المهندسة إلى أن تل بلاطة هي مدينة قوية وكانت مركزا تجاريا، مما جعلها عرضة لعدد من الحروب والهجمات. وتشير جردانة إلى أن دراستها لهندسة الديكور ساعدتها كثيرا في بناء مجسمات البيوت والمباني، لكنها تجد في بناء المجسمات التاريخية فرصة أكبر للإبداع.
وانتهت المهندسة الفلسطينية من تجسيد مدينة نابلس في حقبتين مختلفتين (الكنعانية والإسلامية)، وتعمل على دراسة تاريخ المدينة في الحقبة الرومانية. وتقول، “أحتاج لنحو عامين لبناء مجسم ثالث يمثل نابلس الرومانية التي عرفت باسم نيابولس والتي تعني المدينة الجديدة”.
وشُيّدت المدينة الحالية فوق المدينة الرومانية، بحسب جردانة، فيما تعد نابلس ثالث أقدم مدينة في العالم بعد مدينتي أريحا، شرقي الضفة الغربية، والعاصمة السورية دمشق.
ولتسهيل نقل المجسمات إلى أي مكان، تلجأ جردانة إلى تقسيم كل مجسم إلى عدة أقسام، فتم تقسيم مجسم البلدة القديمة إلى ستة أقسام تمثل حاراتها الست، فيما تم تقسيم مجسم شكيم إلى أربعة أقسام.
وتعمل جردانة على تصميم ألعاب للأطفال لتعليمهم تاريخ المدينة ومعالمها، كما استطاعت تصميم تطبيق إلكتروني لزيارة المدينة افتراضيا.
وتطمح المهندسة إلى تطوير الفكرة بالتعاون مع بلدية المدينة لبناء متحف لنابلس عبر الحقب الزمنية المختلفة. وفي نابلس القديمة هناك عدد من الينابيع التي شكلت عنصرا مهما لمعيشة السكان.
ومن جانبه يقول أيمن الشكعة، مدير مركز تنمية الموارد التابع لبلدية نابلس، إن المشروع أداة ترويجية وتعليمية لمدينة نابلس بتاريخها الكنعاني والروماني والإسلامي. ويضيف أن “المشروع وسيلة لجذب الناس للتعرّف على تاريخ المدينة التي تعد واحدة من أهم المدن القديمة”.
ويوضح الشكعة أن نابلس من أغنى المدن من حيث المواقع التاريخية والثقافية والأبنية الدينية.