أطباء اليمن يسابقون الزمن لإنقاذ الأطفال من الأوبئة

لا ذنب للأطفال في اليمن في ما يفعله الكبار بالبلاد، لكنهم مع ذلك يدفعون الثمن باهظا بسبب سوء التغذية والأمراض المتفشية، إضافة إلى نقص الكوادر الطبية والأدوية وصعوبة التنقل إلى المستشفيات.
السبت 2018/09/29
غياب التجهيزات يعرقل التطبيب

الضالع (اليمن) - في غرفة الطوارئ بمستشفى النصر في مدينة الضالع اليمنية، يحاول طفل صغير التنفس بصعوبة، لكنه متعب للغاية وجائع جدا ولا يتمكن حتى من البكاء.

وولد الطفل مع مرض تنكسي عصبي، وتبدو عضلاته ضامرة للغاية وبرزت مفاصله الصغيرة من جسده الهزيل والنحيل، ولا يستطيع جسمه الاحتفاظ بالماء ولهذا لجأت الممرضات إلى تلبيسه حفاظات.

وهذا الطفل واحد من أكثر من خمسة ملايين طفل يمني قد لا يعيشون لرؤية عام آخر بسبب الحرب التي وصفتها يونيسف بأنها “جحيم للأطفال”.

ويؤكد الأطباء أنه لا يمكنهم القيام بأي شيء. وحذرت الأمم المتحدة من خسارتها “الحرب ضد المجاعة” في اليمن.

وتقول الأمم المتحدة إن ثلاثة من بين كل أربعة من سكان اليمن البالغ عددهم 27 مليون نسمة بحاجة لمساعدة غذائية، بينما يواجه حوالي ثمانية ملايين شخص خطر المجاعة.

ويؤكد مدير مستشفى النصر محمود علي حسن أن حياة المرضى “بائسة للغاية.. نحن بحاجة لمساعدة.. نحن بحاجة إلى مساعدة حقيقية”.

وانتشرت الأوبئة والأمراض المختلفة، والتي كان البعض منها قد تم القضاء عليه قبل سنوات، كوباء الكوليرا الذي سبق وأن أُعلن اليمن أنه أصبح بلدا خاليا منه، إلا أنه عاد وانتشر وأدى إلى إصابة أكثر من مليون حالة، ووفاة أكثر من ألفي مريض حتى أواخر العام 2017، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. ويفتك مرض الدفتيريا باليمنيين والذي انتشر أواخر العام الماضي.

وكشفت مصادر طبية عن تزايد حالات الإصابة بمرض الحصبة في عموم اليمن، إذ بلغت حالات الإصابة 1280، و21 حالة وفاء.

وأرجعت المصادر الطبية سبب انتشار المرض إلى عدم تحصين الأطفال ضد الأمراض الفتاكة، وعدم اهتمام الأهالي بحصول أبنائهم على اللقاحات أو لعدم توفرها. وتنتشر العديد من الأمراض المعدية في نطاق ضيق، كمرض التهاب السحايا والجدري والجمرة الخبيثة.بينما يبحث الأطباء في مستشفى النصر أنفسهم عن أي طرق لعلاج مرضاهم – وغالبيتهم من الأطفال- مع تناقص المعدات وانتشار الجوع.

المعاناة الإنسانية والاحتياجات الصحية في اليمن وصلتا إلى مستوى غير مسبوق

ويقدم المستشفى العلاج لثلاث محافظات يمنية يبلغ مجموع سكانها أكثر من 1.5 مليون شخص. ويؤكد حسن “نستقبل حالات من الضالع وإب (وسط) ولحج”. ويتابع “أكثر الحالات التي نستقبلها خاصة خلال هذه الفترة هي حالات سوء التغذية. نستقبل كل يوم ثلاث أو أربع حالات. القسم مليء بالأطفال”.

ويبكي طفل آخر يعاني من سوء التغذية، بينما يقوم أطباء بربطه بأنبوب لنقل الأكسجين. ويرتدي الطفل حفاظة أكبر من حجمه بكثير.

ويقول حسن، “نحن بحاجة ماسة إلى معدات طبيّة”، موضحا “نحتاج معدات لتقويم العظام والجميع يقولون إن الحكومة وغيرها يحاولون تزويدنا بها، ومع ذلك لم نحصل على الإمدادات بعد”.

ويقول المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط أحمد المنظري، إن المعاناة الإنسانية والاحتياجات الصحية في اليمن وصلتا إلى مستوى غير مسبوق.

ويضيف، أن الأمهات المصابات بسوء التغذية يعجزن عن إرضاع أطفالهن الذين يعانون أيضا من سوء التغذية، وأن عائلات بأكملها أصيبت بالكوليرا وبأمراض أخرى، مؤكدا أنه حين توفر المرافق الصحية الرعاية الطبية المجانية، فإن الكثير من اليمنيين يعجزون عن تحمل تكاليف النقل العام للوصول إلى هذه المرافق، وتضطر العديد من العائلات إلى بيع ممتلكاتها لشراء الأدوية.

وفي قسم الطوارئ، يموت ثلاثة إلى أربعة أطفال أسبوعيا بحسب مسؤول القسم، الطبيب أيمن شايف.

ويؤكد الطبيب، أن الأطفال يموتون من أسباب يمكن الوقاية منها، ويرتبط الكثير منها برعاية المواليد الجدد. ويقول، “لدينا مشكلات خطيرة بسبب انعدام الرعاية قبل الولادة وعدم القدرة على تخصيص قسم للولادة”، متابعا “شهدنا أيضا تزايدا في حالات سوء التغذية”. ويضيف “هناك ضعف في الدعم”، مؤكدا أن المستشفى بحاجة إلى “دعم لرعاية الأم الحامل وأقسام التغذية”.

ووضع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة العملة اليمنية الكثير من العائلات اليمنية تحت خطر عدم القدرة على تأمين احتياجاتها الغذائية.

وتقول كاتبة أحمد من محافظة حجة، التي قدمت إلى مستشفى النصر لمساعدة صديقة لها في رعاية طفلها المريض، “ثمن كيس الطحين 18 ألف ريال (72 دولارا). ومع أربعة أشخاص في البيت فكم يستطيع أن يبقى مع الفطور والغذاء والعشاء”. وبحسب أحمد، فإن السلال الغذائية التي توزعها المنظمات الدولية لا تصل إلى الحي الذي تقيم به.

وتتساءل “أين تذهب هذه السلال؟ لماذا لا نحصل عليها؟ لماذا يجب أن نحرم منها؟ ولماذا يجب أن نتعرض للذل؟”.

وتقول هيلي ثورنينغ شميدت، الرئيسة التنفيذية لمنظمة “انقذوا الأطفال” (سيف تشلدرن) الخيرية،  إن “الملايين من الأطفال لا يعرفون متى يحصلون على وجبة غذاء قادمة، وهل أنهم سيحصلون عليها أصلا؟”.

وتضيف، “في أحد المستشفيات التي زرتها في شمالي اليمن، كان الأطفال من الضعف والهزال بحيث لا يستطيعون الصراخ، بعد أن ضعفت أجسادهم جراء الجوع”.

17